|
خيارات الموضوع |
|
الدارسون للعلاقات الدولية يعرفون أن هنالك تعرفين للأزمة الدولية, أولها تقيسها بالنسبة لأطرافها؛ حيث تحدث حالة استثنائية أو مفاجئة تهدد قيمًا عليا للدولة ومرتكزاتها, وتدفعها لاتخاذ قرارات مصيرية قد تستخدم فيها القوى المسلحة وما تملك من مقومات الردع الذاتي خلال فترة قصيرة, والأخرى تقيسها بالنسبة لحالة التفاعلات بين طرفين أو أطراف دولية عدة والتي تنتقل بمقتضاها من الحالة العادية أو الروتينية, أو يمكن معرفتها والتنبؤ بها إلى حالة عدائية ملفوفة بالشك وانعدام اليقين قد تقتضي بدورها استخدام السلاح أو الآلة القهرية.
وبهذا المعنى قال محمد شريف نواصري وهو قيادي في التيار الديمقراطي الأحوازي: إن أزمة دولية تجمعت سحبها الآن بين إيران من جانب وأطراف دولية كثيرة وأساسية، لاشك إنها سوف تفرض على عواصم كثيرة خاصة في العالم العربي والإسلامي قرارات مصيرية وهامة. هذه القرارات تبدأ قبل انتقال الأزمة من حالتها السياسية, ثم تتصاعد بعد أن تنتقل إلى حالتها العنيفة, ولكن ربما كان ما لا يقل أهمية عن هذا وذاك، تلك القرارات والإحداث التي سوف تؤثر على البنية الإقليمية والدولية بعد انتهاء الأزمة التي لا يعود العالم ومنطقة الشرق الأوسط إلى حالته قبلها. وتأتي الأزمة الدائرة بين إيران والمجتمع الدولي في هذا السياق, خاصة بعد وصول الملف النووي إلى دهاليز مجلس الأمن وأصبح على طاولة الكبار للبت فيه، وما يترتب على ذلك من تأثيرات إستراتيجية على منطقة الشرق الأوسط والتداعيات المختلفة جراء هذه الأزمة المستفحلة, خاصة لو أخذنا بعين الاعتبار الاصطفاف التي يشهده مجلس الأمن بالآونة الأخيرة. فهنالك تصعيد من قبل الدول الأوروبية وبالأخص على لسان اللاعبين الكبار مثل الرئيس الفرنسي وتصريحه الشهير حول استخدام الأسلحة النووية إذا ما تعرضت المصالح الفرنسية للخطر وكذلك وزير خارجيته دوست بلازي ضد إيران والتقرير الذي قدمه مدير الاستخبارات الألمانية إلى البرلمان حول قدرة إيران بالوصول إلى السلاح النووي خلال شهور، وكذلك وزير الدفاع ورئيس الوزراء الإسرائيليين ومعظم المسئولين الأمريكيين خلال هذه الفترة القصيرة. ونذكر من هذه التصريحات تعليق المندوب الأمريكي لدى الوكالة الذرية غريغوري شولت والذي قال بالحرف الواحد: إن إيران تمتلك ما يكفي من اليورانيم لصنع عشر قنابل نووية بعد التخصيب وإن إيران ستمتلك بعد تحويل معدن اليورانيوم 85 طنًا من "سداسي فلوروراليورانيم" الذي سيكون في وسعها استخدامه في أجهزة الطرد المركزي لإجراء عمليات تخصيب، وأنه سيكون في وسع إيران في نهاية هذه العملية إنتاج عشر قنابل نووية. ولم يكن الدكتور البرادعي, المعروف بمواقفه المعتدلة والمتزنة إلى حد بعيد, مجانبًا عن الواقع, أو مبالغًا في التعبير عن قلقه ومشاعر الخشية والغضب التي تساوره, عندما وجد نفسه مضطرًا إلى الكشف عن تلك المشاعر, وفي صورة نادرة لم تكن معهودة به. فالدكتور البرادعي وصف الإعلان الإيراني عن العزم على استئناف عمليات الأبحاث الهادفة إلى تكثيف اليورانيوم المشع, وتحويله إلى يورانيوم مخصب, وربما أيضًا إلى بلوتونيوم, أي بما يوفر لإيران الموارد الضرورية لإنتاج أسلحة نووية, بأنها إجراء غير مبرر, من شأنه أن يزيد الشكوك والمخاوف المحيطة بالجهود النووية الإيرانية وأهدافها المحتملة. ثم خلص الدكتور البرادعي إلى القول: "إن صبره يكاد ينفد" حيال برامج طهران وحقيقة نياتها, مضيفًا أنه لم يعد قادرًا على التأكد من حقيقة الأهداف والنيات الإيرانية وأن يصدق التطمينات الإيرانية التي تتحدث عن الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني. من جهة أخرى صدرت على الأقل أربعة مواقف أساسية من جانب النظام الإيراني في الآونة الأخيرة و كلها مواقف تصعيدية: الموقف الأول: جاء على لسان حكومة أحمدي نجاد والوفد المفاوض مع الوكالة الدولية, حيث دعا المسئولون الإيرانيون صراحة إلى تخصيب اليورانيوم فورًا وعلى نطاق صناعي واسع وهذا يعني السعي للحصول على الطاقة النووية مهاما كلف الأمر, وحد من زيارة وإشراف المفتشين الدوليين أو طردهم من إيران. الموقف الثاني: جاء على لسان عدد من أعضاء مجلس الشورى حيث هدد هؤلاء بالانتقام مباشرة من دول المنطقة, وخاصة الدول التي صوتت لمصلحة القرار, وكذلك الانتقام مباشرة من دول المنطقة, وخاصة الدول المصدرة للنفط, في حال قيام أمريكا بقرار من مجلس الأمن, بحرمان إيران من تصدير نفطها إلى دول أخرى. الموقف الثالث: جاء على لسان قادة الجيش والحرس, الذين أكدوا مرة أخرى الانتقام من دول في المنطقة مثل إسرائيل أو أي دولة تساعد أمريكا بضرب هذه الدول بصواريخ بعيدة المدى. الموقف الرابع: فقد صدر عبر أجهزة الإعلام التابعة للقوى المحافظة, التي ارتأت ضرورة خوض ما وصفته الحرب الشاملة مع أمريكا بدون الرضوخ إلى مجلس الأمن مهما كانت. أكدت هذه الأجهزة الإعلامية أيضًا عدم الاعتماد إطلاقًا على موقف أي دولة أخرى مثل روسيا أو الصين, نظرًا إلى أن هذه الدول وقفت صامتة ومكتوفة الأيدي حيال ما فعلته أمريكا مع العراق. وكان للقرار الإيراني الذي أدى إلى نزع الأختام التي كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية وضعتها على المنشآت النووية الإيرانية واستئناف عمليات تخصيب اليورانيوم في تلك المنشآت, خلافًا للتفاهمات التي توصلت إليها الوكالة المذكورة مع طهران, خلال المفاوضات السابقة التي جرت بين الجانبين على مدى الثلاثة الأعوام الماضية, كفيلاً بتحويل الجدل الدائر منذ فترة طويلة, حول البرنامج النووي الإيراني وأهدافه المحتملة إلى أزمة مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها مواجهة شاملة ذات أبعاد خطرة وواسعة النطاق بين إيران والمجموعة الدولية. وتحتل هذه الأزمة حاليًا, مقدمة الاهتمامات الإقليمية والعالمية؛ حيث إنها نجحت وبسرعة ملحوظة في احتلال تلك المرتبة المتقدمة على لائحة الأولويات الدولية, مكان أزمات حادة أخرى تشهدها منطقة شرق الأوسط في المرحلة الحاضرة كالأزمة العراقية والوضع اللبناني السوري والصراع العربي الإسرائيلي وظاهرة الإرهاب والتشدد الديني والتجاذب الطائفي وغيرها من المحاور التي كان تشكل حتى الآن مواضع القلق والتركيز الرئيسة للدوائر المعنية بشئون المنطقة، بل إن عددًا لا يستهان به كمن المصادر الدبلوماسية والأمنية, باتت تعرب عن الاقتناع بأن الأزمة الحالية مع طهران أصبحت المحور الأساس التي ترتبط وتتشعب منه غالبية الأزمات الأخرى التي تعصف بالمنطقة, نظرًا إلى الانعكاسات المباشرة التي يمكن أن تنجم عنها على صعيد بؤر التوتر الأخرى كالعراق ولبنان وفلسطين وسوريا وإسرائيل إلى جانب التأثيرات السلبية البالغة التي سيكون من الصعب تلافيها جراء الاحتمالات الكبيرة للتصعيد الكامنة في تلك الأزمة على مجمل الأوضاع السياسية والأمنية في منقطة الخليج والشرق الأوسط وشبه القارة الهندية وآسيا الوسطى والقوقاز. والظاهر حتى الآن على الأقل أن الأزمة الإيرانية وبما تشتمل عليه من جوانب تتعلق بجهود طهران النووية خصوصًا وبالتوجهات الأوسع إطارًا التي تعتمدها طهران حاليًا في صياغة سياستها الخارجية, وكما تبدو واضحة من خلال التصريحات والمواقف التي تصدر في صورة متكررة عن رئيسها محمود أحمدي نجاد, باتت تتخذ مسارًا تصعيديًا متسارعًا تنبأ بنهاية تراجيدية. فهل أصبحت تلك الأزمة المدخل التي كانت تخشاها دوائر دفاعية ودبلوماسية عدة في المنطقة وخارجها, إلى انفجار مواجهة عسكرية شاملة, لن تظل أطرافها محصورة بالقوى الإقليمية, بل إنها ستهدد بالتحول إلى صراع واسع النطاق. كيف يكون ذلك؟ ببساطة إن حالة إيران تحت حكم محمود أحمدي نجاد هي حالة فيها جدة الشخصية بشطحاتها الأيدولوجية والميتافيزيقية, وفيها جديد مصادر السياسة الشعبية والشعوبية الطائفية, وفي لحظة استعرت فيها تناقضات عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر في العراق و أفغانستان وساحة عالمية واسعة يتجاور فيها الإرهاب مع المقاومة في صحبة ملعونة ومقدسة في آنٍ واحد. إن مؤسسة الحكم في إيران هي أكثر تعقيدًا من مثيلاتها في الدول العربية والإسلامية وحتى الأوروبية وهي أشبه بمافيا السلطة منها بالمؤسسات المتعارف عليها دوليًا, حيث كانت وما تزال على مدى أكثر من 27 عامًا من عمر الجمهورية الإسلامية الإيرانية, تتحكم المؤسسة الدينية المتمثلة برجالات الدين والحوزة الدينية والمؤسسة العسكرية (الحرس الثوري) والأمنية (كبار رجال الأمن وأجهزة الاستخبارات وقوات القدس) وكبار الإقطاعيين ورجالات البازار, بمفاصل الدولة والنظام البيروقراطي وتخرج معظم رجالات الحكم من المتشددين والإصلاحيين من هذه المؤسسات. وكان للمرشد السابق لثورة الإيرانية الخميني وكذلك المرشد الحالي علي خامنئي دورًا مفصليًا في كيفية إدارة الحكم وضبط إيقاع اللعبة السياسية على ضوء المعطيات الموجودة. لكن المتغير الأساس الذي دخل على الخط هذه المرة بعد انتخابات المجالس المحلية والبرلمان ورئاسة الجمهورية هو دخول تلاميذ مصباح يزدي على الخط بقوة وهيمنتهم على كل تلك المفاصل والمؤسسات, حيث يعتبر الأخير الأب الروحي لمؤسسة الحجتية ذات التوجهات المتشددة والشطحات الميتافيزيقية والطائفية الصفوية والفارسية العنصرية. وتعتبر المدرسة الحقانية في قم والجامعة الفاطمية ومؤسسة الخميني فيها من أهم مراكز صنع توجهات تلك المؤسسة الطائفية المتزمتة. وينتمي إلى مؤسسة الحجتية معظم رجالات السلطة الحالية في إيران ومنهم على سبيل المثال: رئيس الجمهورية محمود أحمدي نجاد وأحمد جنتي( رئيس مجلس صيانة الدستور) وإمامي كاشاني ومعظم أعضاء مجلس الخبراء (المشرفين على انتخابات وأعمال المرشد) ومعظم أعضاء مجلس الشورى وأعضاء قادة الحرس الثوري مثل يحيى رحيم صفوي و حزب الأعمار (آبادگران) والوزراء الأساسيين مثل وزير الاستخبارات محسن إجه إيي ووزير الداخلية مصطفى بور محمدي ومساعده محمد باقر ذو القدر ووزير الخارجية متكي ووزير الدفاع نجار وغيرهم من الوزراء والقادة العسكريين و الأمنيين. الجناح الذي يمثله أحمدي نجاد هو الأكثر تطرفًا في المؤسسة الدينية الحاكمة في إيران, حيث وقف بحزم في الانتخابات الرئاسية الأخيرة دائمًا مع مرشحه وبرنامجه السياسي المتطرف ضد المرشح الآخر في الجناح البرجماتي المتمثل بالإصلاحيين وهاشمي رفسنجاني وجماعة كوادر البناء وثلة من مراجع التقليد ورجال الدين بالمؤسسة الدينية الإيرانية. وبوصول أحمدي نجاد أطبق الجناح المتشدد ومؤسسة الحجتية على كافة مفاصل السلطة وشرعوا في تطبيق برنامجهم المتطرف والمتزمت وسياسة المواجهة خلافًا لبرجماتية هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي المهادنة, وهم – أي مؤسسة الحجتية - منطلقين من "بردايم" هو تهيئة الأرضية والساحة الداخلية والرأي العام إلى المواجهة المصيرية بين الخير المطلق الذي يمثلونه هم والشر المطلق الذي يمثله الآخر وصولاً إلى المعركة المصيرية التي تمهد لظهور المهدي الموعود في تراجيدية هي أشبه إلى حكايات كان يا ما كان أو على الأقل إعادة استحضار بعض مفاهيم الحرب الباردة وتدشين تلك الحرب من خلال أدلجة منطلقات الثورة الإيرانية، وتعميمها لكي تكون نموذجًا يحتذى بها إلى كافة الدول الإسلامية وحركات التحرر العالمية ويكون لهم الدور المركزي في صياغة وانطلاقة تلك الحرب وإدارتها حسب مصالحهم الطائفية والقومية الفارسية، كما فعل الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة و مع المعسكر الشرقي. الموضوع الأصلي: قراءة إستراتيجية لأبعاد الملف النووي الإيراني | | الكاتب: rashidhoa | | المصدر: شبكة بني عبس
|
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|
مواضيع مشابهة | ||||
الموضوع | الكاتب | القسم | الردود | آخر مشاركة |
العالم النووي الإيراني المختفي يسلم نفسه لواشنطن | عادل العويمري | المنتدى الإعلامــــي | 6 | 15-12-2009 04:14 AM |
التعاون النووي الإيراني – الروسي. | rashidhoa | المنتدى العــــــــــــــــام | 7 | 07-12-2007 11:54 AM |
الموقف الأمريكي من السلاح النووي الإيراني | rashidhoa | المنتدى الإعلامــــي | 0 | 09-04-2007 12:17 PM |
موقف الاتحاد الأوروبي من الملف النووي الإيراني | rashidhoa | المنتدى الإعلامــــي | 0 | 09-04-2007 12:16 PM |
التعاون النووي الإيراني ـ الصيني. | rashidhoa | المنتدى العــــــــــــــــام | 4 | 08-04-2007 12:08 PM |