|
خيارات الموضوع |
المبالغة لدى العرب ؟
العرب كغيرها من الأمم لديها موروثها و مخزونها الثقافي من الأمثال التي يطرب لها السمع ، وتحفظها الذاكرة ، وتتداولها الألسن عبر الأزمنة المتطاولة ، وقد نقول أنهم ينفردون نوعاً ما بميلهم الشديد لشتى أنواع المبالغات كالمبالغة في الأعداد ومنها الجيوش والقتلى والأطعمة والأموال حكى ابن خلدون في مقدمته عن شغف العوام بهذا ، ومن ذلك أيضاً استعمال أساليب المبالغة في الأمثال كوزن "أفعل" وذلك لإثبات الأمر المقصود تبيانه وتأكيده بقوة ، وهو دليل على الكثرة والزيادة كما قال الفراء . وقد تسنى لي بحمدالله الإطلاع على بعض دواوين هذا الأدب الرفيع كجمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري ، ومجمع الأمثال للميداني ، وكتاب الجوهرة في الأمثال من كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه ، وغيرها من الكتب التي اعتنت ببعض أمثال العرب وأوضحت قصصها ومراميها كالمنتقى للخراشي ، فقمت بانتقاء بعض الأمثال الدالة على المبالغة وشرحتها بمعونة من الله بإسلوب يسير يوضح المقصود من دون التقيد بشروح سابقة . 1 - أبكر من غراب ! هذا المثل يقال للرجل شديد البكور لحاجاته لأن الغراب غالباً ما يظهر مع بداية الفجر فشبهوا مَن هذه حاله بالغراب ، حتى أن بعضهم إذا أراد مراجعة إحدى الدوائر الحكومية التي يبتدئ عملها في السابعة والنصف صباحاً مثلاً ، تجده يصلي الفجر ويذهب إليها ثم يجلس بجانب الباب الى أن تُفتح الدائرة من شدة الحرص وانشغال البال على حاجته فقيل عنه فلان أبكر من غراب ! 2 - أذل من أموي بالكوفة يوم عاشوراء : بعد أن أبادت الدولة العباسية خضراء الأمويين وثلت عرشهم ، فأصبحوا يتفقدون أماكنهم وقد بثوا العيون تستجلب أخبار من ندَّ منهم فجرت تلك المجازر التي تشيب لها الولدان ، أصبحت الكوفة دار الخلافة للعباسيين ، وذلك بعد أفول نجم الأمويين في دمشق ، وكما هو معلوم أن في الكوفة سوق الحقد على الأمويين رائج ، وموج بحاره هائج لدى الشيعة ويكون في ذروته في يوم عاشوراء عندما تصيح النساء وتشق الجيوب ويلطم الجهال عياذاً بالله من هذا الصنيع ، حزناً بزعمهم على مقتل الحسين رضي الله عنه وآل البيت وطلباً لأخذ الثأر من الذين تسببوا في قتله وعلى رأسهم بني أمية . بعد ذلك لك أن تتخيل أموي في الكوفة يوم عاشوراء وما الذي يمكن أن يحصل له من الذل والهوان والضرب والتنكيل الى ما هنالك من المآسي الأخرى ! 3 - أثبت من الوشم : الوشم مادة توضع في أنبوبٍ يشبه الإبرة فيغرز تحت الجلد ومن ثَم تفرغ المادة ، لذلك ربما تصادف رجل أو امرأة بلغت من الكبرعتيا وناهزت المائة سنة ولا يزال الوشم واضح في يدها أو محياها ، فمن المبالغة في شدة ملازمة الشيء للشيء قالوا : أثبت من الوشم . 4 - أحذر من ذئب : لم يزل الذئب يحتل المكانة الكبرى في ذهن الرجل العربي من ناحية المكر والدهاء وشدة الحذر ولهم الحق في إصدار هذا الحكم لأنهم تعايشوا معه في صحرائهم وخبروه وعلموا من أمره العجب ، ومما ذُكر عن أحد الذئاب أنه دخل إحدى المزارع الخاصة بالدجاج فوجد الأبواب الخاصة بصناديق الدجاج موصدة ، فرمقت عيناه دجاجة تطل من سارية عالية وُضِع القفص عليها ، فأرشده دهائه إلى طريقة مبتكرة لسقوطها ، فما تتوقعه فعل يا تُرى ؟ ظل يدور حول السارية بسرعة والدجاجة المذعورة تدور بعينيها ورأسها معه حتى أصابها الدُوار فسقطت فالتهمها بفمه بسرعة وخرج ! وللذئب قصص كثيرة في أدبيات العرب وثقافتهم ، لذلك شبه الرجل الحَذِر بالذئب . 5 - آمن من حمام مكة : يضرب للمبالغة في وصف الأمن والطمأنينة ، وإنما أمن حمام مكة لحرمة صيدها في الحرم ، لذلك لا تجدها تتهيب من الناس . 6 - أخبط من حاطب ليل : الحاطب يجب أن ينتقيَ ويتفحص بعينه ويده الحطب الذي يصلح لإيقاد النار ، ولا يتسنى له ذلك إلا في النهار ، وأما الذي يحطب في الليل فقد لا يستدل على مكان الحطب وقد يأتي إن استدل بالحطب الذي لا يصلح للنار وقد تلسعه عقرب أو ثعبان أو غير ذلك فيسبب لنفسه الأذى ، لذلك قيل عن الرجل الذي لا يدرك الأمر على حقيقته ، أخبط من حاطب ليل ! 7 - أصفى من ماء المفاصل : ما أجمل هذا المثل وما أعذبه ، فماء المفاصل هو الماء الذي يتكون بفعل الأمطار عند منفصل الجبل ، فيتجمع عادة في هذا المكان الحصى الصغير الأملس فيكون الماء فوقه صافياً نقياً شديد العذوبة . 8 - أفرغ من فؤاد أم موسى ! وذلك لقوله تعالى : {وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً} . القصص (10) 9 - أهَون من تِبالةَ على الحجاج : من المعروف عن الحجاج بن يوسف الثقفي أنه كان ظلوماً غشوماً شديد الدهاء والأنفة وبعيد الهمة ، معتداً بنفسه كثيراً ، ومما رويَ عنه أنه في أول أمره قبل أن يوليَهُ الخليفة عبدالملك ابن مروان على العراق ، بعث به ليتولى بلدة تبالة ، وتبالة بلدة صغيرة في اليمن ، فذهب وعندما اقترب منها وكأنه استبطئ الوصول إليها قال لمن معه من الأدلاء : هل بقيَ الكثير ؟ فقالوا : لا هي ذا ! فقال : أين هي ؟ قالوا : خلف هذه الصخرة ! فقال الحجاج : أهون ببلاد تحجبها عني صخرة ، والله لا وليتها أبداً . 10 - أخصب من صبيحة يوم الظلمـــة ؟ وذلك أنه أصابت الناس ببغداد ليلة فيها ريح لم تأت قط ريح مثلها ، وكانت مع شدتها مظلمة حتى تيقن الناس نزول العذاب ، وذلك في أيام الخليفة المهدي بن أبي جعفر المنصور ، وفي تلك الليلة ألفى أحدهم الخليفة ساجداً وهو يقول : اللهم احفظنا ولا تشمت بنا أعداءنا من الأمم ، وإن كنت يارب أخذت الناس بذنبي فهذه ناصيتي بيدك ، اللهم ارحمنا يا أرحم الراحمين ، في دعاء طويل حفظ منه هذا ، فلما أصبح وقد انكشفت الغمة وسكنت الريح وزالت الظلمة ، تصدق الخليفة بألف ألف درهم ، وأعتق مائة رقبة ، وأحج مائة رجل ، ففعل مثل ذلك جُل قواده وبطانته والخيزران وغيرهم تأسياً به ، فكان الناس بعد ذلك إذا ذكروا الخصب قالوا : أخصب من صبيحة يوم الظلمة . 11- أعز من كليب وائل : يضرب للمتناهي في العزة ، وكليب بن ربيعة كان سيد ربيعة في زمانه ، كان يحمي الكلأ فلا يقرب أحد حماه ، وكان من عزه لا يتكلم أحد في مجلسه ولذلك قال أخوه المهلهل بعد موته وكان قد قتله جساس بن مرة الشيباني في قصته الشهيرة فهاجت بسبب ذلك حرب البسوس ، قال المهلهل : نُبِّأتُ أنَّ النار بعدك أوقِدت ... واستبَّ بعدك يا كليب المجلسُ وتكلموا في أمر كل عظيمةٍ ... لو كنتَ حاضر أمرهم لم ينبسوا ! 12 - أَحَن من شارِفْ : والشارف هي الناقة المسنة ، فالنوق شديدة الحنين الى أعطانها ، كأفئدة الناس شديدة الحنين الى أوطانها ، وربما بكت الناقة عند فراق صاحبها الذي لم يبخل بإكرامها والتيسير عليها أو عند رؤيته بعد فراق خاصة إذا كان يراقب الله فيها . ومما يروى أن رجلاً باع ناقته المحببة إليه لأحد الأمراء بمبلغ أغراه وكان محتاجاً ، وبعد سنوات طويلة ، أقام هذا الأمير وليمة في الصحراء ومن المدعوين صاحب الناقة الأول ، فسأله الأمير : أتراها تعرفك يا فلان أم نسيتك ؟ فقال الرجل : أظن إن ناديتها ستأتيني ! فأكبر ذلك الأمير ومن حضر ثم أمره بمنادتها ، وكانت النوق الكثيرة بعيدة عنهم بعض الشيء وهي مرسلة رؤوسها نحو الأسفل تشرب من الماء ، فناداها بالصوت الذي كان يناديها به في سنين قد خلت ، وبعد لحظات رفعت إحدى النوق رأسها وتلفتت ثم خطت خطوة للوراء واستدارت ثم اتجهت نحو البساط الذي يجلسون عليه ، فقتربت تتحسس برأسها الرجال الى أن لمست رأسه برأسها وانحدرت دموعها ، فبكى صاحبها وأبكى الموقف جميع الحاضرين فما كان من الأمير الى أن رد الناقة لصاحبها بلا ثمن تقديراً لنُبْلِ هذا الموقف .
|
|
سلمت يمينك أخي طـلال ..موضوع مميز جداً
أتفق معك أن المبالغه للبعض وليس الكل ...وأعتقد أن المبالغه ما هي إلا لتأكيد الصوره المبنيه على الوصف شكراً على جمال الموضوع ...
|
|
|
|
|
|
|
شي جميل التمعن بالأمثال العربية
في زمن ضاع فيه مفهوم الكلمة واللغه الفصحى ~ : ) قواك الله طلال
|
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|
مواضيع مشابهة | ||||
الموضوع | الكاتب | القسم | الردود | آخر مشاركة |
،،، أمثال قديمه ،،، | الوآآفي | المنتدى الأدبــــــــــــي | 6 | 29-09-2014 01:09 AM |
أمثال محرمة !!! | أثير الشوق | المنتدى الإسلامـــي | 6 | 08-09-2010 03:05 AM |
أمثال محرمه | كبرياء امراة | المنتدى الإسلامـــي | 9 | 16-05-2010 09:16 PM |
أمثال محرمه | أبو رهف الرشيدي | المنتدى العــــــــــــــــام | 8 | 23-08-2008 01:37 AM |
تحليل قصيدة ناصر الفراعنة بعيدا عن المبالغة | سيف عبس | منتدى الشـــعــــر | 3 | 21-02-2008 06:00 AM |