[سعود]

من الالفاظ والامثال الكويتية القديمة «والله وطلعت راسبوتي» راهب روسي حاولوا اغتياله بالسم والضرب والرصاص والغرق
بقلم: طلال الجويعد
من الالفاظ الكويتية الدارجة والقديمة نجد لفظا غريبا وهو لفظ «راسبوتي» فنسمع احيانا من يقال له «طلعت راسبوتي» وهي كلمة تطلق عادة على الشخص المحتال الذي يستخدم الدين وسيلة له في تحقيق غاياته ومصالحه. ولاشك ان هذه اللفظة وهذا المثل سائر كغيره من الالفاظ الكويتية القديمة نحو الانقراض، نظرا لعدم استخدامه في زمننا الحاضر فلا نجد من يستخدمه سوى كبار السن من اهل الكويت والذين توارثوها من ابائهم واجدادهم. فللسائل الحق في ان يتساءل عن اصل هذه اللفظة واصل هذا المثل ومن اين اتت للكويت وما مصدرها حتى اصبحت من الالفاظ الكويتية الدارجة. فمن المعلوم ان الكويت قديما لم تكن بمعزل عن العالم فمن درس تاريخ الكويت فيما قبل النفط وجد انها كانت محطة تجارية مهمة على الخليج العربي حيث كانت تقصدها السفن التجارية من كل حدب وصوب وتنقل اليها مختلف البضائع والسلع والتي بدورها تحمل الى جميع انحاء العالم حيث كانت الكويت محطة ترانزيت مهمة. ومن الطبيعي على بلد مهم كالكويت ان تنتقل اليه الاخبار من جميع العالم ويعرف اهله اهم الاحداث وابرز الشخصيات العالمية ناهيك على ما يتميز به اهل الكويت من ثقافة وحب للعلم واهله وحرصا على معرفة اخبار العالم اضافة الى وصول العديد من الصحف العربية اليها عن طريق اشتراك بعض الاهالي بها.
فلا يستغرب ان تكون هذه اللفظة قد انتقلت الى الكويت في اثناء الحرب العالمية الاولى.
وكنت قبل ايام قد فرغت من قراءة كتابا يحتوي على دراسة تاريخية لحياة الراهب الروسي «راسبوتين» والذي عرف باسم الراهب الشيطان فتبادر الى ذهني التشابه الكبير بين اللفظة السابقة وصفة هذا الراهب واسمه. فكلمة راسبوتي تعود ولاشك الى الراهب الروسي الشهير «راسبوتين» وهو من اشهر الشخصيات العالمية في ذلك الوقت فحين نذكر اسمه يعلق في ذهننا كل الفاظ الدجل والمكر والخداع واستخدام الدين للوصول الى الغايات الفاسدة والرذيلة فمن هنا كان لزاما علينا تسليط الضوء على هذه الشخصية المريبة والغامضة في تاريخ روسيا القيصرية بل في تاريخ العالم الحديث والمعاصر فمن هو راسبوتين؟ ولد غريغوري يافيموفيتش راسبوتين في العاشر من يناير عام 1872 في قرية بوكروفسكوي الريفية الواقعة في سيبريا اكتسب في فترة مراهقته اسم راسبوتين «اي الفاجر» بسبب علاقته الجنسية الفاضحة.
وحين بلغ راسبوتين الثلاثين من عمره كان زوجا وابا لاربعة اطفال، الا ان ولعه بالشراب وسرقة الجياد كان دائما ما يتناقض واصول الحياة العائلية التقليدية، وكان حادث اتهامه ذات مرة بسرقة حصان نقطة تحول في حياته، هرب على أثرها من القرية ولاذ بأحد الأديرة حيث اتخذ صفة الرهبانية التي لازمته بعد ذلك طيلة حياته. ومع تأثره بتجاربه الروحانية، رحل راسبوتين عن قريته ليصبح مسافرا جوالا في انحاء روسيا وخارجها.
وأثناء فترة تجواله، اصبح راسبوتين تحت تأثير طائفة متطرفة غير شرعية تعرف باسم خاليستي، وتنزع الى الجلد والممارسات الجنسية. ولعل سمة الجمع الشاذ بين الورع والافعال الجنسية غير الشرعية، وخاصة الفاضح منها، هي التي شكلت القاعدة التي ارتكزت عليها ممارسات راسبوتين الدينية فيما بعد. فلم تفارقه ابدا فكرة ان الفرد يمكن ان يصبح اكثر قربا من الله اذا ارتكب عمدا ذنبا شهوانيا ثم تاب توبة نصوحا.
ومثلما ذاع صيت راسبوتين، خلال جولاته التي استقطب فيها اعجاب الارستقراطيين ورجال الدين، ازدادت ايضا قوة بصيرته. ففي احدى المناسبات ادعى انه مريم العذراء ظهرت له وطلبت منه مساعدة الاسرة الحاكمة. ومنها اتصل بأسرة القيصر نيقولا الثاني واصبح من المقربين اليها وخصوصا زوجته الكسندرا التي كانت معجبة به وبسحره حيث اعتبرته مخلصا ومباركا وصاحب قدرة خارقة على الشفاء. ومع ذلك لم يخف راسبوتين ولعه ومجاهرته بالشراب والنساء والفجور. وفوق ذلك اصبحت سلطته في الحكم توازي سلطة القيصر نفسه بسبب سيطرته على القيصرة وتسلطة عليها وهي لا تعصي له امرا.
مما احفظ القيصر ونبلاء الطبقة الارستقراطية عليه وحقدوا عليه لتصرفاته الفاجرة والتي كان يعملها باسم الدين.
فدبروا لاغتياله مرات عدة الا انه كان ينجو منها بسهولة ويزداد طغيانه وفجوره بعدها وتسلطه. وفي ديسمبر عام الف وتسعمئة وستة عشر كتب راسبوتين خطابا للقيصر يتنبأ فيه بقتله. وعن قتلته المحتملين، كتب يقول «اذا قتلني اقاربك فلن يبقى اي فرد من عائلك حيا لاكثر من عامين، وتستطيع ان تقول اي من اولادك او اقاربك، فسوف يقتلهم الشعب الروسي.. سأقتل، لم يعد لي وجود في هذه الحياة. صل ارجوك، صل، وكن قويا، وفكر في عائلتك المصونة».
وبعد ثلاثة وعشرين يوما فقط، قتل اثنان من اقارب القيصر نيقولا الثاني راسبوتين. وبعد مرور تسعة عشر شهرا على مقتله، اعدم قيصر روسيا وعائلته بأيدي الثوار البلشفيين. فقد تزامن مع نبوءته ان حضر راسبوتين لمقابلة الامير فيليكس يوسوبوي، الزوج لايرينا ابنة اخ القيصر. وأراد يوسوبوي قتل راسبوتين، شأنه شأن أبنا عم القيصر الغراندوق ديميرتي بافالويتش، والسياسي فلاديمير بيرشيكفيتش. وتآمر الثلاثة معا على قتل راسبوتين والحفاظ على سلالة العائلة المالكة.
وفي ليلة السادس عشر من ديسمبر عام الف وتسعمائة وستة عشر دعا يوسوبوي راسبوتين الى قصر مويكا بحجة ان ايرينا التي يشار عنها انها اجمل امرأة في سان بطرسبرغ تريد مقابلته. وبينما كان ينتظر ظهورها، قدم رجل لراسبوتين كعكا وخمرا مدسوس بهما سما مميتا. وقد اصيب المتآمر بالهلع لما بدا من حصانة راسبوتين ضد السم، ولم يستطع يوسوبوي السيطرة على نفسه فنزع مسدسه واطلق النيران على راسبوتين. وبصعوبة بالغة ترنح راسبوتين خارجا الى ساحة القصر حيث كان بفالوفيتش وبيرشيكفيتش يستعدان للمغادرة، فاطلق يرشيكفيتش النيران ثانية على راسبوتين المترنح، وضرباه بهراوة وقيداه قبل ان يلقيا بجسده في نهر نيفا. وعندما تم العثور على الجثة بعد يومين دل تشريحها الذي كشف عن وجود مياه في الرئتين ان راسبوتين كان مازال حيا عندما القى به في النهر. وكانت نهاية راسبوتين علامة على بداية النهاية للقيصر نيقولا والامبراطورة الكساندرا. فبعد عشر اسابيع فقط من وفاته. اطاحت الثورة الروسية التي اندلعت عام الف وتسعمائة وسبعة عشر باخر جيل من سلالة رومانوي. وبعد مرور اقل من عامين قامت فرقة معزولة باعدام القيصر نيقولا وعائلته باكملها في سيبريا. وبعد حوالي قرن مازال السؤال مطروحا، هل كان راسبوتين معجزة حقيقية، أم نصابا بارعا؟ سواء كان فلاحا غامضا، أم شيطانا في جسد انسان، فما زال ارث راسبوتين الأسود موجودا حتى الآن.

الموضوع الأصلي: من الالفاظ والامثال الكويتية القديمة «والله وطلعت راسبوتي» | | الكاتب: سعود | | المصدر: شبكة بني عبس