|
خيارات الموضوع |
الحكي الهلامي: التحول والتفرد
من يتقدم في رمال المفازة. خطواته غير واثقة، والماء غور وبالنفس تندلع الرغبة كالحريق كلذة مذبوحة على عتبات الحلق، ودمها الحامي يصرخ ويصرخ، هكذا هو الحكي الهلامي. هو حكي يختلف عن الحكي التقليدي المتواتر المطمئن إلى خطواته، الطافح ماء المعنى فيه، المستسلم لتقدمه، المقتنع، المسالم، المهادن. وبذلك تكون صفة الهلامية نوعا من الجنوح بالحكي نحو المغايرة والحداثة. وكتابة/كتابات أحمد بوزفور، الذي التزم بجنس القصة القصيرة يحفر في أرضه ويزرع بها لقاحه، تنحو جهة البحث في أشكال الكتابة وصيغها، خاصة في المجموعة الأولى “النظر في الوجه العزيز” والمجموعة الأخيرة “صياد النعام” الصادرة سنة 1993. ¯ ¯ ¯ في “صياد النعام” (المجموعة القصصية الثالثة للكاتب) تبرز ثلاثة مستويات للحكي الهلامي، وهذه المستويات مترابطة فيما بينهما: أ- المستوى الأول : حسي شعوري. ب- المستوى الثاني : "أسلوبي". ج- المستوى الثالث: نصي. ¯ ¯ ¯ 1- "La dépression" يربط بين نصوص المجموعة القصصية شعور باطني موحد تجاه الذات، وتجاه العالم الخارجي خصوصا. إنه الشعور باللاجدوى واللافائدة، لم يبق هناك ما نفعله. انتهى كل شيء، الكاتب والكتابة، الكلام والكلمة. كل شيء لا يجدي ولا يقدم أية فائدة. في "صياد النعام" (القصة ) لا فائدة من طرق الباب بعد انغلاقه. في قصة "ماء" تذوب فائدة نصيحة الأم حين يعلو نباح الكلب فتستسلم الساقان للريح. واللافائدة لها معنى واحد لكنه بلبوس مختلفة، مثل اللاجدوى وهي لفظة متكررة في عدد من قصص المجموعة، والفراغ كما في نص "أيها الرقبة" حيث تتلون دلالته بين معنى "الخلاء والخواء" حين يرتبط بالمكان والأشياء والحيوان والإنسان، ومعنى “الغموض” حين يتحول إلى الإحساس الباطني. وهو الصمت والكلام معا، حين يصبح الكلام أثقل على النفس من كل هم. كما في قصة "صاد" وفي قصة "سرنمة". وهو الموت حين تبتعد بالشخص الخطوات في الضياع كما في قصة "الفنان". ويبلغ الإحساس باللافائدة واللاجدوى ذروته في قصة"ماء"، حين تستسلم الشخصية تماما لمصيرها الفاجع دون مقاومة في القول التالي: "(...) وأنا أغمض عيني، وألقى برأسي إلى الوراء كالمنتحر ... كالمستسلم للنحر. لا أحد ينتحر، ولكنه الإستسلام بعد اليأس...".ص.(76) من يجعل الشخصيات المتكلمة (الرواة ) في قصص المجموعة تحس باللافائدة ؟ هل المؤثرات البعيدة في زمن الطفولة هو ما تحاول القصص في المجموعة الكشف عنه واستجلاء غموضه، كحكايات الأعمام عن بطولاتهم في الشباب-مثلا- تلك الحكايات التي تعلق بها فؤاد الطفل، أو تفسيرات زوجة الأب السلبية، التي لا ترى في تلك البطولات غير الفظاعة والوحشية والكفر، أو الهزة المروعة في ظلام الليل في قصة"نانا"، أو حكايات الهند في قصة "الهندي" ...إلخ. لعل كل البذور في زمن الطفل الطفولة ترزح وتقبع كالديدان، لكن محتوى القصص يعلن عن شيء آخر، أعني باعثا آخر هو امتلاء العالم الخارجي بالضوضاء وحاجة النفس إلى ملاذ تحتمي به وفيه كما تحتمي الجوهرة ببريقها، وكما يحتمي الطفل بأحلامه. يعبر النص القصصي بجلاء عن هذا الباعث في قصة "صياد النعام "، عندما يقول: "(...) لا أحد يتدخل في شؤون الآخر.لا أحد يهتم بأحد. ولو وجدنا على الدرج جثة، لمررنا بجانبها في صمت ولا مبالاة فقط قد نسرع الخطو قليلا، لنهرب إلى الشارع حيث الناس أكثر، أي حيث لا أحد". ص.(81). إن لفظة "لامبالاة" تحمل معنى اللافائدة واللاجدوى حيث تعبر عن فقدان الدفء الاجتماعي الذي يسود العلاقات في المدن الكبرى. حيث الزمان غير الزمان. والإنسان غير الإنسان. إلا أن هذه اللامبالاة تعلن اندماج الشخصية القصصية في الواقع الذي تحكي عنه وفي المرحلة التي تحكي أحداثها. هذا الإحساس ولد لدى الشخصية رد فعل تجلى في الرفض. وهو رفض متعدد: - رفض الضوضاء في الشارع ("صياد النعام"). - رفض الثرثرة("سرنمة"). - رفض الإطراء ("ماء"). - رفض عالم الكبار("صياد النعام"). - رفض الإطناب (أسلوب القصص في المجموعة). ¯ ¯ ¯ 2- الحذف والإختزال: وأنت تقرأ الحكي الهلامي تجد أمامك علامة تعجب كبيرة تتوسط مثلثا أحمر ، تقول لك:"انتبه خطر متنوع على بعد كلمة أو عبارة أو حكاية". ذلك يعني أن سطح قصص المجموعة مملوء بالحفر. السير عليه بسرعة. إنها طريق ترفض الركوب، ركوب الحكي السهل والمسترسل. كما ترفض كثرة الكلام الذي لا فائدة منه في عالم غاص بالناس حتى الانمحاء والعدم. إن الهبوط "La dépression" الذي تحدثنا عنه كشعور وحس يلحم محتوى القصص، يتجلى في "الأسلوب " من خلال "الحذف والاختزال" والإقتار من الكلام. فما هي مظاهره في الكتابة؟ 1- ملأ القصص ينقط الحذف (........). وهنا تقدم قصص المجموعة وبدون استثناء كنماذج للتمثيل. مع ملاحظة حذف الفقرات في قصتي "حصان الساعة اليابانية" و"أيها الرقبة". 2-توظيف الكاتب لشبه الجملة الإختزالية، (إلخ) وتكرار لفظة "أيضا" مما يدل على الشعور بالتعب من الكلام ومن لاجدواه. 3-تقطيع الألفاظ، سواء بتمطيط اللفظة كملا في قصة "نانا":"ا..ج..م..ي..م..د"ص.(9 ) أو تكرار مع الإحتفاظ فقط بحرف أو بحرفين منها كرجع الصوت /للصدى وهو ايحاء بأن الصيحة في واد مثل: "-أنا...أنا...أنا...أ...أ...أ.." في قصة "صدر حديثا" ص.(25) -أو في قصة "الهندي":"فاكتب ...تب"ص.(42) (وقس على ذلك ) أو تقطيع التعابير مثل ما في قصة "سرنمة": "وأنا وحدي، لم يكن الصديق قد سكت بعد، والعرس لم..والتلفزيون لم... والصحف لم...والعالم لم..."ص.(34). هذا التقطيع يعلن ما تشعر به النفس من ثقل الكلام وكأن فقد معناه. أو أن المتكلم يتأفف/يتعفف عن الكلام لأنه فقد كل أمل في التغيير(؟)/ التعبير(!)/التواصل مع الخارج. يوظف النص بالإضافة إلى ذلك أسماء الأصوات أو لنقل فقط الأصوات لأنه يريد منها اللامعنى . يريدها ألا تقول شيئا، يريدنا(نحن القراء) أن نسمع إلى أن نقرأه، ونراه: ربما السمع أفيد في عالم ضاج أصبح فيه المعنى والكلام سببا إلا "غالاغالاغالاغا"ص.(34) في قصة "سرنمة". و"بلا بلا بلا بلا.." في قصة "أيها الرقبة"ص.(61) إن توظيف الأصوات بخفي في داخله، بالإضافة إلى لاجدوى الكلام، الحاجة إلى العودة إلى بداية النطق، بداية تعلم الإنسان "البلبلة" في مدينة "بابل". حيث يلذ السمع ويعلو نجم الإصغاء. هل هو رفض للغة أو رفض للكلام؟ هل هو إعلان الحاجة إلى الصمت؟ هل يريد الكاتب أن يقول لنا من خلال تلك "الأساليب" أننا وضعنا بيننا وبين الحقيقة حجابا حين ابتكرنا اللغة؟ هل يريد القول أن القصة القصيرة لا تحتمل الكثير من الكلمات؟ وأنها في حاجة فقط إلى الإيحاء والإشارة، وإلى كثير من الاختزال وحذف ما لا يفيد. 3- هلامية النص. تنعكس الهلامية الحسية الشعورية والأسلوبية على النص في مستوياتها الهامة كالبناء والزمان. أ- على مستوى البناء الخارجي للحكاية تلاحظ على قصص المجموعة شغفها بزمنين هما: الحاضر والماضي مع إقصاء لكل تنبؤ مستقبلي. وبذلك يكون الحاضر سطح الحكاية المثقل بالعياء والكلام والزيف. أما الماضي فهو باطن الحكاية، "لا شعورها "، تسترجع فيه الشخصية/الراوي مرحلة الطفولة .. وحتى الحلم! زمن الحلم يبقى مشدودا إلى الماضي لا إلى المستقبل وهذا لا يتنافى مع المستويات السابقة في قصص المجموعة ويعبر عن هذا الكلام قصة "صياد النعام" أحسن تعبير. ب- على مستوى الزمان تبرز فكرة التماهي وأقصد بها تداخل حكي الماضي مع حكي الحاضر دون وضع حدود فاصلة (أسلوبية ). ما عدا في قصص قليلة حيث يوضع الكلام المسترجع بين قوسين. كما نجد في قصة "ماء" عندما يسترجع الطفل حواره مع أمه ففي الصفحة (75).
|
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|
مواضيع مشابهة | ||||
الموضوع | الكاتب | القسم | الردود | آخر مشاركة |
اليكي انتي يامناي | مساعد الشويلع | منتدى الشـــعــــر | 7 | 17-09-2012 05:28 PM |
صندوق التنمية العقاري.. التحول إلى «بنك تمويل» دون تأخير! | بندرأبن طريف المظيبري | المنتدى الإعلامــــي | 3 | 24-03-2011 09:17 AM |
شعيب ام الحكي | المر العذب | قسم الشاعر ثامر شبيب الدقباسي | 7 | 15-02-2010 08:57 PM |
يامعذبي مل الحكي..........؟؟؟ | مـآجـد | منتدى الشـــعــــر | 6 | 29-12-2009 03:53 PM |
موقع رائع يتيح لك التجول في جدة شارع بشارع !!!!! | ღريم الفلاღ | المنتدى الإعلامــــي | 7 | 01-11-2008 01:47 AM |