|
خيارات الموضوع |
|
رمضان والقرآن (1-4) تنزل كريم في ليلة السابع عشر من رمضان و النبي صلى الله عليه وسلم في الأربعين من عمره أذن الله عز وجل للنور أن يتنزل ، فإذا جبريل عليه السلام آخذ بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول له : اقرأ ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال { اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم } فرجع بها رسول الله صلى اللهم عليه وسلم يرجف فؤاده )) [ البخاري 3 ]وهكذا نزلت أول آية من هذا الكتاب العظيم على النبي الرؤوف الرحيم في هذا الشهر العظيم . وهكذا شهدت أيامه المباركة اتصال الأرض بالسماء ، و تنزل الوحي بالنور و الضياء ، فأشرقت الأرض بنور ربها وانقشعت ظلمات الجاهلية الجهلاء . و من قبل ذلك شهد هذا الشهر الكريم نزولا آخر ، إنه نزول القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا ، وكان ذلك في ليلة القدر … { إنا أنزلناه في ليلة القدر } { إنا أنزلنا في ليلة مباركة } ، قال ابن عباس : أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة [ النسائي و الحاكم ] ، وقال ابن جرير : نزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان ثم أنزل إلى محمد صلى الله عليه و سلم على ما أراد الله إنزاله إليه . إنها تلك " الليلة الموعودة التي سجلها الوجود كله في فرح و غبطة و ابتهال ، ليلة الاتصال بين الأرض و الملأ الأعلى … ليلة ذلك الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته و في دلالته و في آثاره في حياة البشرية جميعا ، العظمة التي لا يحيط بها الإدراك البشري ... والنصوص القرآنية التي تذكر هذا الحدث تكاد ترف و تنير بل هي تفيض بالنور الهادئ الساري الرائق الودود نور الله المشرق في قرآنه { إنا أنزلناه في ليلة القدر } ، و نور الملائكة و الروح و هم في غدوهم ورواحهم طوال الليلة بين الأرض و الملأ الأعلى { تنزل الملائكة و الروح فيها } و نور الفجــر الذي تعرضهالنصوص متناسقا مع نور الوحي و نور الملائكة … { سلام هي حتى مطلع الفجر } " [ الظلال 6/3944 ] و أي نعمة أعظم من نعمة نزول القرآن ؟ نعمة لا يسعها حمد البشر فحمد الله نفسه على هذه النعمة { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجا } . وهكذا إذن ، شهد شهر رمضان هذا النزول الفريد لكتاب الله ، و من يومذاك ارتبط القرآن بشهر رمضان { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان } ومن يوم ذاك أصبح شهر رمضان هو شهر القرآن . (2-4) إكثار و اجتهاد عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى اللهم عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى اللهم عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة [ البخاري 6 مسلم 2308 ].قال الإمام ابن رجب : دل الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك ، و عرض القرآن على من هو أحفظ له … و فيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان ، وفي حديث فاطمة عليها السلام عن أبيها أنه أخبرها أن جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن كل عام مرة و أنه عارضه في عام وفاته مرتـــين [ البخاري 3624 و مسلم 2450 ] [ لطائف المعارف 354،355 ]. قال رحمه الله : و في حديث ابن عباس أن المدارسة بينه و بين جبريل كانت ليلا يدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلا فإن الليل تنقطع فيه الشواغل و يجتمع فيه الهم ، و يتواطأ فيه القلب و اللسان على التدبر كما قال تعـالى { إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا } [ لطائف المعارف 355 ] وقد كان للسلف رحمهم الله اجتهاد عجيب في قراءة القرآن في رمضان بل لم يكونوا يشتغلون فيه بغيره . كان الزهري إذا دخل رمضان يقول : إنما هو قراءة القرآن و إطعام الطعام . قال ابن الحكم : كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث و مجالسة أهل العلم . قال عبد الرزاق : كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة و أقبل على قراءة القرآن . وقال سفيان : كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف و جمع إليه أصحابه .[ انظر اللطائف359،360 ] وكانت لهم مجاهدات من كثرة الختمات رواها الأئمة الثقات الأثبات رحمهم الله . كان الأسود يختم القرآن في رمضان كل ليلتين ، وكان قتادة إذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة ، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة ، وقال ربيع بن سليمان : كان محمد بن إدريس الشافعي يختم في شهر رمضان ستين ختمة ما منها شيء إلا في صلاة ، وروى ابن أبي داود بسند صحيح أن مجاهدا رحمه الله كان يختم القرآن في رمضان فيما بين المغرب و العشاء ، وكانوا يؤخرون العشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل ، وكان علي الأزدي يختم فيما بين المغرب و العشاء في كل ليلة من رمضان ، قال مالك : و لقد أخبرني من كان يصلي إلى جنب عمر بن حسين في رمضان قال : كنت أسمعه يستفتح القرآن في كل ليلة . [ البيهقي في الشعب] قال النووي : وأما الذي يختم القرآن في ركعة فلا يحصون لكثرتهم فمن المتقدمين عثمان بن عفان ، و تميم الداري ، و سعيد بن جبير رضي الله ختمة في كل ركعة في الكعبة [ التبيان 48 ][وانظر اللطائف 358-360 و صلاح الأمة 3/5-85 ] قال القاسم عن أبيه الحافظ ابن عساكر : كان مواظبا على صلاة الجماعة و تلاوة القرآن ، يختم كل جمعة و يختم في رمضان كل يوم [ سير أعلام النبلاء20/562 ] (3-4) صور أخرى وفي رمضان يجتمع الصوم و القرآن ، وهذه صورة أخرى من صور ارتباط رمضان بالقرآن ، فتدرك المؤمن الصادق شفاعتان ، يشفع له القرآن لقيامه ، و يشفع له الصيام لصيامه ، قال صلى الله عليه وسلم : (( الصيام و القرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ، و يقول القرآن : رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان )) [ أحمد ] و عند ابن ماجه عن ابن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول : أنا الذي أسهرت ليلك و أظمأت نهارك )) ." واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه جهاد بالنهار على الصيام و جهاد بالليل على القيام فمن جمع بين هذين الجهادين و وفيى بحقوقهما و صبر عليهما وقي أجره بغير حساب " [ لطائف المعارف 360 ] و من صور اختصاص شهر رمضان بالقرآن الكريم صلاة التراويح ، فهذه الصلاة أكثر ما فيها قراءة القرآن ، وكأنها شرعت ليسمع الناس كتاب الله مجودا مرتلا ، و لذلك استحب للإمام أن يختم فيها ختمة كاملة . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في قيام رمضان بالليل أكثر من غيره [ لطائف المعارف 356 ] ومما يؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد عن حذيفة قال أتيت النبي صلى اللهم عليه وسلم في ليلة من رمضان فقام يصلي فلما كبر قال الله أكبر ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة ثم قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران لا يمر بآية تخويف إلا وقف عندها ثم ركع يقول سبحان ربي العظيم مثل ما كان قائما ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد مثل ما كان قائما ثم سجد يقول سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائما ثم رفع رأسه فقال رب اغفر لي مثل ما كان قائما ثم سجد يقول سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائما ثم رفع رأسه فقام فما صلى إلا ركعتين حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة [ أحمد ، باقي مسند الأنصار ، رقم 22309] وكان عمر قد أمر أبي بن كعب و تميما الداري أن يقوما بالناس في شهر رمضان فكان القارئ يقرأ بالمائتين في ركعة حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام و ما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر ، و في رواية أنهم كانوا يربطون الحبال بين السواري ثم يتعلقون بها [ لطائف المعارف 356 ] وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال و بعضهم في كل سبع منهم قتادة و بعضهم في كل عشرة منهم أبو رجاء العطاردي [ لطائف المعارف 358 ] كل هذا التطويل و القيام من أجل تلاوة القرآن و تعطير ليالي شهر القرآن بآيات القرآن . (4-4) مسارات ثلاثة وإذا كان هذا شأن القرآن في رمضان فما أجدر العبد المؤمن أن يقبل عليه ، و يديم النظر فيه ، و إني أقترح على الأخ المؤمن الصادق أن يجعل له مع القرآن في هذا الشهر ثلاثة مسارات : المسار الأول : مسار الإكثار من التلاوة و تكرار الختمات ، فيجعل الإنسان لنفسه جدولا ينضبط به ، بحيث يتمكن من ختم القرآن مرات عديدة ينال خيراتها و ينعم ببركاتها . المسار الثاني : مسار التأمل و التدبر ، فيستفتح الإنسان في هذا الشهر الكريم ختمة طويلة المدى يأخذ منها في اليوم صفحة أو نحوها مع مراجعة تفسيرها وتأمل معانيها ، و التبصر في دلالاتها و استخراج أوامرها و نواهيها ثم العزم على تطبيق ذلك و محاسبة النفس عليه ، و لا مانع أن تطول مدة هذه الختمة إلى سنة أو نحوها شريطة أن ينتظم القارئ فيها و يكثر التأمل و يأخذ نفسه بالعمل ، و لعل في هذا بعض من معنى قول الصحابي الجليل : كنا نتعلم العشر آيات فلا نجاوزهن حتى نعلم ما فيهن من العلم و العمل . المسار الثالث : مسار الحفظ و المراجعة ، فيجعل لنفسه مقدارا يوميا من الحفظ و مثله من المراجعة ، و إن كان قد حفظ و نسي فهي فرصة عظمى لتثبيت الحفظ و استرجاع ما ذهب ، و لست بحاجة إلى التذكير بجلالة منزلة الحافظ لكتاب الله و رفيع مكانته ، و حسبه أنه قد استدرج النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى له . أخي الكريم … هاقد عرفت من فضل القرآن ما قد عرفت ، و علمت من ارتباط هذا الشهر الكريم بالقرآن العظيم ما قد علمت ، فلم يبق إلا أن تشمر عن ساعد الجد ، و تأخذ نفسك بالعزم ، و تدرع الصبر ، و تكون مع القرآن كما قال القائل : أسرى مع القرآن في أفق فذ تبارك ذلك الأفق " عباد الله هذا شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، و في بقيته للعابدين مستمتع ، و هذا كتاب الله يتلى فيه بين أظهركم و يسمع ، و هو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا يتصدع ، و مع هذا فلا قلب يخشع و لاعين تدمع ولا صيام يصان عن الحرام فينفع ولا قيام استقام فيرجى في صاحبه أن يشفع .[ لطائف المعارف 364ا/365 ]وسرى به في رحلة عجب من واحة الإيمان تنطلق وارتاد منه عوالما ملئت سحرا به الأرواح تنعتق يامن يريد العيش في دعة نبع السعادة منه ينبثق فهل للنفس إقبال ؟ و هل للقلب اشتياق ؟ و هل نملأ شهر القرآن بتلاوة القرآن ؟
|
|
|
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|
مواضيع مشابهة | ||||
الموضوع | الكاتب | القسم | الردود | آخر مشاركة |
لن احزن والقران بين يدى | طلال محمد ناهس | المنتدى الإسلامـــي | 4 | 19-09-2013 01:32 AM |
اقراء بتمعن وبهدوء | الرساله | منتدى الصحه والتغذيه | 6 | 27-07-2010 02:15 PM |
اقراء هذا الدعــــــــــاء | الماجدالذيابي | المنتدى الإسلامـــي | 7 | 01-02-2010 07:53 PM |
اقراء القران عبر الانترنت | الغريب | المنتدى الإسلامـــي | 2 | 28-05-2008 07:02 PM |
لاتتعجب ......فقط اقراء بصمت | عبد العزيز | المنتدى العــــــــــــــــام | 4 | 28-08-2007 12:22 AM |