|
خيارات الموضوع |
|
بقلم الدكتور أبو بلال عبد الله الحامد
أ-إن الإنسان خلق هلوعا إلا المصلين: يدرك الناس أن الزهد وإعفاء اللحى والسواك، من سمات المصلين، ولكنهم لايكادون يدركون أن القيم المدنية، من سمات المصلين، أي أنها جزء من مفهوم الصلاة نفسها، أي أن الغضب وثوران الأعصاب، جزء من المعاصي ، وأن التؤدة والتروي ، وضبط الأعصاب ، من وظائف الصلاة. ( كما أشارت آيات المعارج : إن الإنسان خلق هلوعاً .... إلا المصلين " فالهلوعون هم الذين لا يضبطون أعصابهم ،فإذا مسهم ترح انهاروا ، فاسودت الدنيا في أعينهم ، وظنوا أنه لن يذهب ، وإذا أصابهم فرح اغتروا فطغوا ولهوا ، فأسكرتهم النعمة ، حتى ظنوا أنهم لن يصابوا بمكروه . ومعنى ذلك أن حسن التصرف والموضوعية وهما صفتان مدنيتان، نوع من الفضائل التي هي من وظائف الصلاة، وأن الفردية والغرور وغيرها من الصفات السلبية شخصية، نوع من الفواحش التي تنهى عنها الصلاة،وأن الإسلام قد استوعبها في خطابه، لأنه يحيي ويثبت كل قيم الفطرة ، التي هي سر نجاح الأفراد والأمم . ب-التقوى هي حمل الزاد كذا قال الله لحجاج اليمن: والأمل الفعال يبث الفعالية والطموح ،حين تجد الفرد يستدين ، ويفتح مصنعاً أو متجراً ، ويواصل كلال الليل بكلال النهار ، فإذا به ثريا في بضع سنين. العلاقة بين التحدي وتنشيط الإرادة، قانون ينطبق على الأفراد والجماعات والأمم، ومثل ذلك في الدول اليابان ، التي غزت العالم رغم شح الموارد الطبيعية . بينما هناك أناس كسالى بأيديهم أموال لا يستثمرونها ، وفرص لا ينتهبونها، لأنهم لم يستثمروا طاقة الحيوية، هذا أمر مشاهد في الأفراد والجماعات والدول ، ففي دول أفريقية كالسودان خيرات طبيعية حسان ، ولكن أين عنها حيوية الإنسان؟. وبذلك يتضح المعني الذي تشوش في ثقافتنا الشائعة لمفهوم التقوى أيضا ، فليست التقوى أن يحج الناس بدون زاد ، متذرعين بأنهم ما دام قد أموا بيت الله ، فإن الله قد تكفل برزقهم . بل إن حمل الزاد جزء لا يمكن تشغيل مكينة التقوى من دونه ،كما نبه الله حجاج اليمن"وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" فمفهوم التقوى نسيج ذو وحدات ومعان ، غيبية وشهادية ، ومعنوية ومادية. ج-السيطرة على الانفعال من علامات قوة الإيمان وجزء من مفهوم التقوى: يدرك الناس أن الأمانة والإنصاف والعدل، داخلات في مفهوم التقوى، ولذلك نقول للظالم والغشاش والكاذب : اتق الله . ولكنهم لا يكادون يدركون أن السيطرة على الانفعال، التي تقي من التصرف الطائش ، جزء أساسي من مفهوم التقوى. ارتباط حسن التفكير وحسن التدبير بالإيمان ،من أسس العقيدة الإسلامية، ذلك هومفهوم قوله تعالى:"ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب"؟، وارتباط الفرج بالتقوى ليس معنى غيبيا، ليس بركة من دون تفكير وتدبير، وقد لانفهم ذلك من دون معرفة مناسبة نزول الآية، إذ معنى التقوى لا يمكن عزل فهمه؛ عن موقف الشقاق بين الزوجين، الذي يوقعهما على حافة الطلاق، إذ إن أحوال الشقاق والخصام؛ تخضع لجدلية الفعل ورد الفعل، فيجر الغضب إلى إطلاق العنان للعواطف الثائرة، ويجر اتقاء الكيد إلى الكيد،ويجر الفعل الغاضب إلى ردود فعل أخرى غضبى، ويؤدي هذا وذاك إلى التباري في الكيد والتلاسن ، والأنانية والتلاعب بالحقوق ، ولذلك جاء الحث على التقوى، أي ضبط الانفعال من الانفلات، بيقظة الضمير والروح الإنسانية، وتحمل المرء واجبه ومسئوليته ( كما أشار في الظلال). من الذي يجعل الله له مخرجا-إذن-؟ أليس هو الذي يروض نفسه على ضبط الأعصاب ونحوها من صفات الشخصية المتزنة، كيف يجعل الله له مخرجاً من ورطته؟ ، لأن المكر يفضي إلى الفساد، والتهاب الأحقاد،والتزام الإنصاف والطيبة يفضي إلى السلام مع الذات والناس،والإحساس بالمسؤولية؛ يفتح أمام الإنسان أبوابا من الرزق. وهذا مشاهد في واقع الحياة ، فالذي يلتزم بدور يكلفه مالاً، يندفع إلى الجد والمثابرة ، وحسن التفكير والتدبير، حتى تفتح له الحاجة طرقا من الكسب والعون، كالقرض الحسن ، وهذا أمر ملاحظ أيضا في من يتحمل نفقة زواج، أو بناء بيت . والإنسان أيضا قد يجد من حوله عونا وتشجيعا، ماديا أو معنويا. وقد فطن ابن عباس إلى أن معنى التقوى،(في هذه الآية) هو الروية والتؤدة والشعور بالمسئولية، كما في قصة الرجل الذي استشاط به الغضب، فطلق زوجته ثلاث طلقات في موقف واحد، مخالفا السنة،التي تأمر بأن يكون طلاق المرأة طلقة واحدة، ثم ندم الرجل وأراد مراجعة زوجته، وجاء إلى ابن عباس، عسى أن يخرجه من الورطة، فقال له ابن عباس: إنك لم تتق الله فلا أجد لك مخرجاً ، لأن ذلك الرجل لم يستطع ضبط انفعاله لما غضب، فأخل بالتقوى ، فطلق زوجته ثلاثاً ، والحكمة والروية اللتان أوصت بهما السنة، أن يطلقها طلقة واحدة . وبالتزام الحكمة والروية- كما ذكر الضحاك ـ يكون له مخرج من الورطة، إما بالرجوع إلى المرأة التي طلقها ، إن كان مستعجلاً في اتخاذ القرار، وإما بإنفاذ الطلاق ، إن كان متئداً في اتخاذ القرار. فالتقوى التي يترتب عليها المخرج والفرج، هي الروية والتبصر في اتخاذ القرار، أي حسن التفكير الذي يفضي إلى حسن التدبير. د-العقلانية الاقتصادية من شروط الإيمان ومن الخطأ أن نجعل الدين لافتة للإسراف ، أو لافتة لتدمير مبادئ تدبير المعاش والاقتصاد ، على مستوى الدولة والجماعة والأفراد ، محتجين بأنصاف الآيات، التي تقف على جانب من جدلية العسر والعسر،جبريا أو اختياريا، فنفصلها عن إطارها العام الكلي، ونغفل مناسبتها الجزئية، التي هي الحث على الإنفاق، ونفهم من الحث أن الله التزم لنا بأنه سيعوضنا ماديا، بصورة آلية.فذلك منهج في التفسير غير سليم. من ذلك أن نتصدق دون حسبان دخلنا، ونظن أن الله سيعوضنا ما دمنا قد أنفقنا في الخير أموالنا، محتجين بمثل قوله تعالى " وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين " ( سبأ : 39 )، فالآية غير صريحة في الخلف المادي الدنيوي العاجل، وما ننفق فإن الله يخلفه إن شاء ، وإن شاء لم يخلفه،لأن الخلف ليس محصورا بالمفهوم المادي ولا الدنيوي. ومن ذلك أن نتصور أن الله سيعوضنا حتما،إذا تركنا مالا لوجه الله،محتجين بقوله صلى الله عليه وسلم"من ترك شيئا لله؛عوضه الله خيرا منه"، فالله يعوض من تركوا شيئا لوجهه خيرا من ماتركوا، ولكن التعويض ليس محصورا بالعوض المادي العاجل، لكي لانفرط في ثرواتنا، ثم نجلس على الرصيف نستجدي العابرين. والتعامل مع الله ليس مبادلة دنيا بدنيا، بل مبادلة دنيا بآخرة، أما التعامل مع الواقع والوقائع؛ فإن من جد فيه وجد، ومن زرع حصد، والصدقة كإجابة الدعاء خلفها وتعويضها ثلاث أشكال: إما بالتعويض المادي العاجل أو الآجل ، وإما بالتعويض المعنوي أي تعويد النفس القناعة، وإما بالتعويض في الدار الآخرة. ولذلك ذكر مجاهد : من كان عنده من هذا المال شيء فليقتصد ، ولا ينفق جميع ما في يده ، ثم يبقى طول عمره في فقر ، ولا يتأول " ما أنفقتم من خير فإن الله يخلفه " فإن هذا الخلف في الآخرة . ومن هنا ينبغي ملاحظة الفرق المهم؛ بين صورتين من الفقه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي: فقه مصباح الكتاب والسنة في مشكاة الطبيق النبوي والراشدي وحقائق العلوم الاجتماعية،صورة التنزيل في صريح القرآن والسنة، وصورة فقههما في التراث العباسي. غالب المفسرين والوعاظ ، لا يصطحبون علوم الحياة ، كالاجتماع والاقتصاد والتربية ، فيختلط عليهم الخاص بالعام والجزئي بالكلي، والمطلق بالمقيد. لذلك يقعون في التناقض فيقررون المعنيين المتناقضين في تفسير آيتين، ذاتي معنى كلي واحد .
|
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|
مواضيع مشابهة | ||||
الموضوع | الكاتب | القسم | الردود | آخر مشاركة |
أن لم تكن من المصلين فكن من المذكرين | الوآآفي | المنتدى الإسلامـــي | 4 | 09-02-2015 04:12 PM |
قتل المصلين في ليبيا | ابوصـالح | منتدى الصوروالفيديو والسفر والسياحه | 8 | 31-03-2011 09:44 PM |
هل انت من المصلين | الرساله | المنتدى الإسلامـــي | 5 | 30-11-2010 07:08 PM |
أخطاء المصلين | الرساله | المنتدى الإسلامـــي | 3 | 17-05-2010 08:46 PM |
دم المصلين | محمدالذيابي | المنتدى الأدبــــــــــــي | 3 | 08-01-2009 02:37 AM |