|
خيارات الموضوع |
|
بسم الله الرحمن الرحيم إن العلاقة بين الأمة و الإمام عقد بين طرفين تكون فيها الأمة الأصل ويكون الإمام الوكيل المفوض و المخول بإدارة شئونها . ولا يبرم إلا بعقد البيعة , لا بالوراثة كما ادعى أدعياء السلفية ومن سار طريقهم ولا بالحق الموروث كما تنجم بذلك علماء الشيعة وغيرهم , فهو عقد بين أمه و إمام , وما أدل على ذلك من فعل الحبيب المصطفى ببيعه العقبة الأولى و التي هي بيعه الإسلام و البيعه الثانية وهي بيعه إقامة الدولة المدنية النبوية , وكذلك مبايعة الوفود من القبائل في علاقة متينة وقائمة على الإيمان و التصديق و الالتزام بطاعة الدولة الإسلامية بقيادة الحبيب المصطفى , وترسخ أيضا هذا المفهوم عند الصحابة رضوان الله عليهم فكان انعقاد البيعة لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعلى ذلك أصبحوا خلفاء لديهم الصلاحيات اللازمة و المعطاة لهم من قبل الأمة , فهي وكاله من طرف إلى طرف ويستحيل قطعا أن تحدث هذه الوكالة دون رضا من الطرف الأول و إقرار منه أي الأمة , و الأكثر من ذلك مما يجب ذكره أن الإمام لا يقيل نفسه من نفسه بل على من وكله أن يقيله أي الأمة هي المخولة فقط بعزل أجيرها . ولكم عبرة في فهم الصديق قال أبو بكر رضي الله عنه - أقيلوني أقيلوني - قالوا لا نقيلك - وكما أسلفنا بيانا يستحيل قطعا أن تكون هذه الوكالة جبرا أو إكراها بل لا بد من الرضا , فلا تكون إلا عن تراض , وكل العقود في شريعة الله الخاتمة لا تتم إلا عن رضا الطرفين فكيف ببيعة الإمامة !!!!!!!! ومن الجميل الذي يجب ذكره أن عمر رضي الله عنه فاروق الأمة عزل سعدا عن الكوفة لكون أهلها عنه غير راضيين , وهي وقفه تدعوا للتأمل في روعة الخطاب الإسلامي وفهم الصحابة السليم له , ومما يثبت هذا المفهوم جواب عمر رضي الله عنه عن سبب إقالة سعد (( بقوله إني لم أعزله عن عجز وخيانة )) فإذا نزولا عند مطالب الأمة ووصونا لحقها كما فهمه عمر . ومن الضروريات التي لا بد من ذكرها أن كل تلك المقومات لا بد لها من الركن الركين ألا وهو الشورى , وتلك الشوروية تتضح في الاختيار للإمام وكذلك المشاركة في الرأي قال تعالى - وشاورهم في الأمر , وقوله تعالى - و أمرهم شورى بينهم . وعلى ذلك فهي لا تنعقد من دون تشاور بين المسلمين ورضاهم كما أسلفنا وعلى ذلك قال عمر رضي الله عنه - من تأمر منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه . وفي خطبة أبن شيبه قال (( إنه لا خلافة إلا عن مشورة)) , وما عنكم خطبة علي رضي الله وكرم الله وجهه ببعيد حيث قال إن بيعتي لا تكون إلا عن رضا المسلمين , وفي مقولة أخرى - يا أيه الناس إن هذا الأمر أمركم ليس لأحد فيه حق إلا من أمرتم , فإن شئت قعدت لكم , و إلا فلا أجد على أحد )) . ومن الجدير بالذكر للامه أن تشترط على الإمام ما تره مناسبا كما في بيعه أهل مصر لعثمان , كل تلك الشروط صبوها جميعا في قالب واحد حرية الاختيار , الحرية التي كفلها الله وصانها بشهادة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله فجعل العبودية منطلقه منه و إليه فقط ومن دون ذلك فلا مفاضلة إلا بما أمر و اخبر , وهذا هو المبدأ الإسلامي الرفيع الذي يقرن حتى السمع و الطاعة لمن ولته الأمة فورا بطاعة الله وفي حدود ما أمر الله . أي أن الأمير مطاع فقط لكون الله أمر بطاعته لا لعرقه ولا نسبه كما يتوهم البعض من المرضى النفسيين الذين ضنوا أن لهؤلاء دم ملكي أزرق وما دونهم فهم عبيد . إنها الحرية رسخها الإسلام منذ الوهلة الأولى من دخلوه و إعلان الشهادة فأنا لهؤلاء الحمقى أن يفهموا . (( يرجى مراجعة كتاب طاعة أولي الأمر حدودها وقيودها )) . الحرية تعني عدم مصادرة القرار وحق الاعتراض على تصرفات الدولة وهي أيضا تعني حرية إبداء الرأي , أضرب مثال بسيط للنقاوة التي كان عليها هذا الفهم السليم الفهم الذي رسخه الحبيب المصطفى بين أصحابه , حين أدار بلال رضي الله عنه حزبا سياسيا مخالفا لرأي عمر بن الخطاب رضون الله عليه في الأرض المغنومه وكانت مطالبات التنظيم الذي ساسه بلال أن تقسم على الفاتحين بينما كان رأي الفاروق وقفها على جميع المسلمين , وتطور هذا الخلاف السياسي بين السلطة و المعارضة إلى أن دعت السلطة على المعارضة بقول الفاروق اللهم اكفني بلال , طبعا تلك الحرية طبعت ونسجت في عقول الصحابة فلم يزج بهم في السجون ولم يخاطبوا بالنصائح السرية ومن تحت الطاولة وربما من تحت سرير النوم كما يفعل في زمن أدعياء السلفية . و إن التطور الواضح لأشكال المعارضة السياسية و التي كانت تحمل شعار التغيير و الإصلاح كما حصل في عهد عثمان رضي الله عنه مع أهل مصر , فكانت معارضة أخذت بعدا آخر من التنظيم و العمل الجماعي بل خرطت في صفوفها مبعوث الخليفة نفسه الذي وجهه عثمان لتقصي الحقائق , فأصبح جزئا منها و أدرج نفسه ضمن صفوفها (( عمار بن ياسر )) فكانت مطالبهم تتضمن – إقالة الأمراء الجدد و إعادة قادة المعارضة من جديد بعد نفيهم - تقسيم الفيء بالشكل السليم و الأموال بالعدل – وكذلك ما أعابوا عثمان عليه بتقريبه لأهله وذويه في الإمارة فكان لا بد من يطالبوا بتسليمها من هو أهل لها و أجدر بها , كانت مطالب سليمة لدرجه دخول المبعوث نفسه ضمن حركتها وانتهى المطاف بأن الخليفة أقرهم على مطالبهم و أثنى عليهم وعلى حقهم . بل مما يجب ذكره ويعطي برهانا قاطعا على مدى الحرية و التعددية السياسية التي كانت متواجدة وبقوة في الفترة الراشدة . حركة الخوارج و التي تعد نموذجا واضحا لحركة متطرفة وصل بها الحال لتكفير علي رضي الله عنه ومع ذلك من الضروري الإطلاع على الكيفية التي تعاملت بها السلطة مع هذه الحركة , حيث قال - لهم علينا ثلاث - ألا نبدأهم بقتال ما لم يقاتلونا , و ألا نمنعهم مساجد الله أن يذكروا فيه أسمه , و ألا نحرمهم من الفيء ما دامت أيديهم مع أيدينا , و اشترط عليهم شروطا فقال على أن لا تسفكوا دما حراما ولا تقطعوا سبيلا ولا تظلموا ذميا ) قالت عائشة رضون الله عليها فلم قاتلهم إذا ؟ قال عبد الله بن شداد - و الله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدماء و استحلوا الذمة ) , وهذا من بديع الكلام رغم أنها حركة متطرفة وصلت إلى أقصى الدرجات لكن كان خطاب الخليفة لو أردنا ترجمته باللغة الحالية لكان الحرية الفكرية و السياسية و العقائدية , وكذلك الحق المالي من إرادات الدولة . بل إن الوعي السليم لدى علي كرم الله وجهه جعله يعطي التصور الصحيح لهذه الحركة المعارضة حين سئل عنها (( أكفار هم ؟ قال - من الكفر فروا , فقيل له - أمنافقون هم ؟ قال - إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا . قيل فما هم ؟ قال - قوم بغوا علينا )) . وهذا بكل بساطة يعطيك دلاله واضحة على الوعي السياسي و الفقهي العميق الذي تجلى في فترة الخلافة الراشدة . و لا أستطيع أن أدع موقف عمر بن عبد العزيز رضوان الله عليه من دون أن اذكره حين كتب له عدي بن أرطأة أن الخوارج يسبونك فكتب إليه إن سبوني فسبوهم أو أعفوا عنهم , و إن أشهروا السلاح فأشهروا عليهم و إن ضربوا فاضربوا .. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرض للمنافقين الذين معه في المدينة فغيرهم أولى . كل تلك المواقف التي ذكرنها ليست من عالم آخر بل هي ما تكفل الإسلام به وعلى ذلك كان الحرص الشديد من أأمة الهدى بعدم مصادرة هذا الحق بل ساهموا بكل ما استطاعوا في تكريسه و الحفاظ عليه . و أنه لا حرية من دون عدل , العدل في القضاء و المساواة في العطاء قال تعالى [إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا] {النساء:58} وكرس الإسلام هذا المبدأ قاطعا الطريق على تكون الطبقية في المجتمع واختزال المال لدى شريحة دون أخرى قال تعالى ( كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ) الحشر:7 , فتداول السلطة بين أطياف الأمة يمنع نشوء طبقة تستأثر بالحكم و المال في آن معن . وتأكيد ذلك يأتي بما رسخه الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم حين قال ((أيها الناس، إنه ليس لي من هذا المال إلا الخمس، والخمس مردود عليكم )) وقال أيضا ((ما أعطيكم ولا أمنعكم، إنما أنا قاسم أضع حيث ُأمرت )) , وعلى ذلك كانت أفعال الصحابة المتينة و الواضحة بناءا على تعاليم رسولنا الكريم بالحفاظ على المال العام وتحديد ما للسلطة منه ومقداره , فكان للإمام أن يأخذ منه فقط بما سنه لنا رسول الله صلى الله عليه و أقر عليه أبو بكر في بيعته , العازب يزوج و إن لم يكن مركبا أو بيتا يصرف له أي بقدر ما تسير به حوائجه وعلى ذلك أقر أبو بكر ففي الرواية: (لما ولي أبو بكر قال أصحاب رسول الله , أفرضوا لخليفة رسول الله ما يغنيه , قالوا نعم , برده إذا أخلقهما وضعهما و أخذ مثلهما , وظهره إذا سافر , ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف , فقال أبو بكر رضيت )) وحتى هذه النفقة لا تتم دون رضى من المبايع و إطلاع كامل عليها . فكان بذلك لمال المسلمين حرمته و الرقابة عليه كاملة بل إن عمر أحصى المال قبل وبعد الإمارة ورد ما زاد . ولكن نظرا للتحول الطارئ و الخطير على نظام الحكم أصبح بيت مال المسلمين منهبه يطأ عليه كل من على السلطة و أصبح هذا المال أن أعطي للناس فتحت بنود شتى منها مكرمه ملكيه وعطايا أميريه أي بعد إذلال وامتهانه لأهل الحق فيه . كل تلك التأكيدات تأطرت وترسخت لدى الطرفين سواء الإمام أو الأمة , فكان الإطلاع المباشر و المحاسبة الصارمة , وحق الاعتراض على أي سياسة مالية و التعديل لأي مخالفه لا تقر من الطرف الأصيل أمة الإسلام . ومما لا شك فيه أن الخطاب الإسلامي رسخ مبدأ كرامه الإنسان وجعل من الأساسيات حماية حقوقه , فكان منها حق الإنسان في الحياة وحمايته من الاعتداء ووضع قواعد صارمة في ذلك ورفع العقوبة لأقصى الدرجات حتى وجعل ذلك على حد السواسية أكان مسلما أو كافرا , فقال تعالى [وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ ] الإسراء:33 , وقال تعالى - [ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ] {المائدة:32} فكان قتل النفس الإنسانية الواحدة كقتل الناس جميعا في الحرمة و أحيائها كحياء الناس جميعا , وقد اخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن القتل للنفس المحرمة يعادل الشرك, وجعل تلك الفعلة من السبع الموبقات المهلكات وجعل حدها القصاص , وهو معلوم من الإسلام بالضروره فلم يقتل أحد لإبدائه وجهة نظره السياسية أو لكونه معارض للحكم في قراراته ولم يعرف أصلا الإسلام ذلك , بل إن رسول الله ترك المنافقين في حالهم حتى بعد مقولتهم الخبيثة لتخرجن الأعز منها الأذل , ومن الواجب ذكره ما حدث لأبي بكر رضي الله عنه حين شتم رجلا الصديق فأراد أبو برزة أن يقتله فغضب أبو بكر على برازه أشد الغضب وقال له ( لا و الله , ما كانت لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . ومن المواقف المشهودة التي تعطيك نموذج واضح وجلي لا غبار فيه على حفاظ الإسلام وصونه لكرامة الإنسان و أن السلطة ليست مخولة بأي وجه في مصادرة حق الحياة لمجرد الخلاف السياسي , حين أتى رجل برجل آخر لعلي رضي الله عنه _ وهو خليفة _ فقال يا أمير المؤمنين إني وجدت هذا يسبك قال فسبه كما سبني , قال ويتوعدك أي بالقتل فقال علي لا اقتل من لم يقتلني . أن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله تعني أنه لا معبود بحق إلا الله وحده فهي تنفي العبودية بشتى أطيافها وصورها ومضامينها عن البشر وتحيل كل العبودية كاملة غير منقوصة لرب البشر , أي إفراد الله بالعبادة، أي بالخضوع والطاعة، والتسليم، المبنية على منتهى المحبة والتوقير والتعظيم . وعلى ذلك فأنه لا سلطة لبشر على بشر إلا بما شرعه الله و أمر به و أن السيادة لله وحده لا سيادة فوقها ولا حتى قربها ولا دونها و وأعوذ بالله أن تكون أصلا . فالأصل هو حرية الإنسان وتكريمه كما قال تعالى (( ولقد كرمنا بني آدم )) وحتى و إن طرأ الرق فهو حاله مرحلية لا تنفي الأصل ومع ذلك كان الإسلام يدفع بقوة نحو تحرير الرقيق و رفع العبودية عنهم ويحث على ذلك بل حتى دفعهم بعد خلاصهم من الرق نحو حياة كريمه تؤمن لهم حاجاتهم وتقضي مصالحهم , يا لله ما أروع هذا الدين يا لله ما أجمل ما فيه من جواهر , أنظر معي أخي وأخرج البخاري، ومسلم، وأحمد بإسناد صحيح عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة، رضي الله عنه، يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وضئ ربك، اسق ربك، وليقل: سيدي، مولاي؛ ولا يقل أحدكم: عبدي، أمتي، وليقل: فتاي، وفتاتي، وغلامي». و إن من تمام الأدب مع الله تعالى أن تنتقى الكلمات انتقاء واضحا لا شبهة في وهذا جانب و الجانب الآخر الذي لا بد ذكره أيضا أن الإسلام حضر حتى مفاهيم الاستعباد لغير الله في قوله (( ولا يقل أحدكم عبدي و أمتي )) وكذلك عدم كسر وجرح النفس البشرية بجعلها مستعبده من بني جنسها , فكلنا عبيد لله , قال تقدست أسماؤه: }إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً{، (مريم؛ 19:93 . ومن الأفعال التي لا بد من ذكرها الحركة الكبرى التي قام بها الفاروق عمر رضي الله عنه برفع الرق بين العرب في الجزيرة العربية ودفع بالمال لتخليص الناس منها , فكانت من أعظم و أجمل و أفضل حركات التحرير على وجه الإطلاق . ومن هذا المبدأ كان ولا بد أن نعي وندرك أن السلطة لا تخضع الناس بالقوة فتستعبدهم وتلزمهم بما هم فيه مكرهين , ومن باب أولى عدم إلزامهم برأي أو توجه بالقوة الجبرية كما حصل بعد ذلك . وإن الحرية تقتضي أن يكون للإنسان الإرداه في اختيار توجهه السياسي وتنظيمه الفكري , وهذا الفهم السليم تأصل لدى الخلفاء فلم يبدي علي رضي الله عنه اعتراضا على من توجه في سياسة الخوارج و الذين كانوا أكثر تطرفا من أي حركة أخرى ظهرت في وقت الخلافة الراشدة فقد كفل لهم حقهم وحرية اختيارهم في حدود الشريعة الإسلامية . كل ما ذكرنا كان لا بد منه حتى نكون أقرب و أوصل لمفهوم السياسة في الشريعة الإسلامية وكيف كانت في العهد النبوي و الراشدي وحتى يطلع القارئ فيما بعد ويعلم مقدار هذا التحول الواضح من نظام قائم على البيعة و الشورى و الحرية وعدم الإكراه إلى نظام مغاير ومختلف يؤصل الاستبداد و القمع ومصادرة الحقوق وتغييب قوامة الأمة وهتك سيادتها في التعيين و الاستخلاف , وتحويل الناس من أحرار إلى عبودية تتعامل مع الفرد المسلم وبيت ماله على أنه إقطاعية أو مزرعة إنتاجية , ومن هنا نحن نعرض هذه الوقفة لا لشخص معاوية وبني أمية بل لاستعادة الحقوق التي ضيعت وغيبت , فلك أن تنظر أن البدء كان بمصادرة الحق العام في الاختيار و المشورة بلا إكراه وكانت نهايتها مصادرة الحاكمية وسيادة الشرع وتقسيم البلاد وفق مطالب الدول العظمى , بل طمس الدين . فليس الخلاف كما يصوره بعض المرض و المأفونين على أنه طعن في شخص معاوية وكما يحلوا لهم تصويره و فالخلاف هنا أن نظام حل مكان نظام آخر وانتقلت من راشدة إلى ملكية هذا هو بكل بساطة , فإن كانوا على إصرارهم فهذا يعطي انطباع ليس بالسليم إطلاقا عنهم وعن نوياهم التي ترتكز على تضييع الحقوق وترك الأمور تسير نحو الهاوية . من الطبيعي جدا أن نظهر للقارئ كلا الفترتين و التغيير الجذري الطارئ على سنة الحبيب المصطفى وحجم التبديل و التغيير فحتى تكون هنالك مقارنة يسهل من خلالها الحكم والمعرفة , فلا بد من ذكر فترة الانتقال للملكية البغيضة . إن أولى الخطوات التي ظهرت للعيان حجم المصادرة الذي تم في حق الأمة في اختيارها لمن يسوسها ويقودها وكذلك في مصادرة حق الشورى الذي هو حق أصيل ثابت للأمة الإسلامية , تجد أن الخطاب إنتقل من صورة إلى أخرى , فبعد أن كان ابو بكر يقول في أول خطبه ( أني وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني و إن أسأت فقوموني )) , وقول عمر ( الإمارة شورى بين المسلمين , من بايع رجلا دون شورى المسلمين فلا يتبع هو و لا الذي بايعه )) وقول علي إنما الأمير من أمرتموه . ليصبح على النحو التالي كما قال معاوية (( من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه , فنحن أحق به ومن أبيه )) ويقول من أحق بهذا منا ؟؟ ومن ينازعنا ؟؟ ليصبح الأمر ترهيبا و أخذا بالقوة ونزعا للحق الذي هو حق الأمة و ومما يجدر ذكره أن الرسول بلغ عن هذا التحول وحدث بمن سوف يكون المفتاح لهذا التبديل حين قال عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم (( أول من يغير سنتي رجل من بني أميه )) وتولى الانهيار ليأخذ صور شتى بعد ما سنه معاوية لتصبح على وجه الحق الوراثي كما قال أبو العباس السفاح (( وزعمت السبئية أن غيرنا أحق بالرياسة و السياسة و الخلافة منا , فشاهت وجوههم )) وقال عمه داود (( و أحيا شرفنا وعزنا ورد إلينا حقنا و غرثنا فاعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخارج منا حتى نسلمه إلى عيسى بن مريم !!!! وبذلك تصبح هذه الدعوى الباطلة جملة وتفصيلا الباب الأسود بسواد الليل للحكم الوراثي , كما حصل بعد ذلك مع يزيد , وبدئ الطريق لإيجاد حاجب يستتر به و إضفاء الشرعية عليها , فمما قيل أن أبو بكر عهد لعمر و أن الرسول صلى الله عليه وسلم عهدها لأهل بيته كل يبحث لنفسه عن مبرر لاستلاب الحق , وقد كان فهم الصحابة السليم لهذا التغيير الخطير بأن وقفوا ضده وحملوا عليه عبر تحركات كثيرة في منها موقف عبد الله بن عمر حين أراد وهم أن يرد على معاوية في مقولته (( من أحق بهذا الأمر منا )) قال أبن عمر ( فخشيت أ ن أقول كلمه تفرق الجمع وتسفك الدم )) وباليته قالها . بل إن الاعتراض كان ولا زال من أكابر الصحابة على معاوية في تولية ابنه وتوريثه إياه . فمنهم عبد الله ابن عمر وعبد الله أبن الزبير وعبد الله بن العباس و عبد الرحمن بن أبي بكر و الحسين بن علي وما موقف عبد الرحمن عنكم ببعيد حين قطع على معاوية خطبته قائلا ((إنك و الله لوددت أنا وكلناك في أمر أبنك إلى الله , و إنا و الله لا نفعل , و الله لتردن هذا الأمر شورى بين المسلمين أو لنع يدنها عليك جذعه ( أي الحرب ) ثم خرج )) قال لما بايع معاوية لابنه قال مروان: (سنة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما)، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه: (سنة هرقل وقيصر!)، فقال مروان: (هذا الذي أنزل الله تعالى فيه والذي قال لوالديه أف لكما الآية)، فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها فقالت: (كذب مروان، والله ما هو به، ولو شئت أن أسمي الذي أنزلت فيه لسميته، ولكن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لعن أبا مروان، ومروان في صلبه: فمروان فضض من لعنة الله)]، قال كنت في المسجد حين خطب مروان فقال: (إن الله قد رأى أمير المؤمنين رأيا حسنا في يزيد وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر)، فقال عبد الرحمن: (هرقلية؟! إن أبا بكر والله ما جعلها في أحد من ولده ولا في أهل بيته وما جعلها معاوية إلا كرامة لولده!) قوله: فقال: (خذوه!)، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا أي امتنعوا من الدخول خلفه إعظاما لعائشة. ومن المعلوم أن مرون كان أجير معاوية على المدينة وتم بطلب منه . ومن الأمور المخلة التي فهمها الصحابة أن معاوية كان يدير أمر التوريث وهو حي يرزق فما كان إلا أن دخلوا عليه جميعا وخطب عبد الله بن الزبير فقال لمعاوية - إن كنت مللت الإمارة فاعتزلها و وهلم ابنك فلنبايعه , أرأيت إذا بايعنا ابنك معك , لأيكما نسمع ؟ لأيكما نطيع ؟ لا نجمع لكم بيعه و الله أبدا . وفي كلام عبد الله ابن الزبير جواهر وحكم ودلالات فمنها , أنه حدد المفهوم بأنها لا تعقد إلا بشورى المسلمين خلعا وتعيينا , وكذلك ردا على اخذ البيعة حال وجود الخليفة في حياته . فهي لفته ذكية من هذا الصحابي الجليل . لقد أحسن بلا أدنى شك عبد الرحمن بن أبي بكر في قراءة الواقع الجديد وصنفه بشكل سليم واضح بأن هذا التحول لم يكن قط سنة الرسول بل هي الهرقلية الكسروية وعلى ذلك كان رفضه القاطع لهذا التحول في الخطاب السياسي الشرعي بل تهديده بالحرب وكذلك أللفته الجميلة من عبد الله ابن الزبير وعدم رضوخه لهذا التحول المخيف وصرف الأمر عن خيرية الأمة . قال ابن كثير: (لما أخذت البيعة ليزيد في حياة أبيه كان الحسين ممن امتنع من مبايعته هو وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر وابن عمر وابن عباس . وحتى معاوية فقد أقر على نفسه بأن ما سار به كان خاطئا ولم يكن الصواب حيث لا بد من البحث عن حجه مهما كانت ضعيفة فقد قال - إني خفت أن أدع الرعية من بعدي كالغنم المطيرة ليس لها راع . متناسيا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف أحدا بعده فهل كان اشد حرصا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم من سيدها وقائدها ؟؟؟ وعاد عبد الله بن عمر ليؤكد على حق الأمة حين بعث يزيد بأمير المدينة ليأخذ ببيعه عبد الله فما كان منه إلا أنه أحالها للأمة بأنه حق شرعي لها لا يقبل التبديل ولا التأويل , فقال مجيبا - ما أحب أن يقتتلوا ولا يختلفوا ولا يتفانوا , ولكن إذا بايع الناس ولم يبقى غيري بايعت . فبذلك أكد الصحابة على هذا الحق ومما يزيد الأمر وضوحا حين بايعت الأمصار حينها فقط بايع هو أبن عباس . و أما الحسين فلم يبايع ولا إبن الزبير , حيث خرج الحسين للعراق بعد أن جاءه كتابهم بالقدوم وبيعته , فقتل الحسين رضوان الله عليه وأما ابن الزبير فمتنع بمكة المكرمة ولا زال عليها مناديا بعودتها شورى بين الأمة , ومما يجب ذكره أن بعض الممسوخين الذين لا خلاق لهم أنكروا على الحسين بن علي خروجه بحجه أن يزيد خليفة راشدي أفنوا وكذبوا . ومن ثم فضت المدينة بيعتها من يزيد بعد أن علموا حاله و أقدموا على بيع عبد الله بن حنظله غسيل الملائكة , وكان من خيرة العابدين رضون الله عليه وعلى أبيه . وكانت دعوته من صميم فهم الصاحبة السليم المستقيم للسياسة الشرعية ((( الرضا و الشورى ))) , لكن ما لبث أن أرسل إليه يزيد بجيش ورماه بما أوصى به أبيه الذي كان يعلم أن المدينة بصحابتها وعلمائها و أفاضلها لن تدع هذا الأمر يسري هكذا دون محاسبة و انتفاضة . وقال الإمام الحافظ في «فتح الباري شرح صحيح البخاري»: [وأخرج أبو بكر بن أبي خيثمة بسند صحيح الى جويرية بن أسماء سمعت أشياخ أهل المدينة يتحدثون ان معاوية لما احتضر دعى يزيد فقال له: (أن لك من أهل المدينة يوما فان فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة فاني عرفت نصيحته)، فلما ولي يزيد وفد عليه عبد الله بن حنظلة وجماعة فأكرمهم وأجازهم فرجع فحرض الناس على يزيد وعابه ودعاهم الى خلع يزيد فأجابوه فبلغ يزيد فجهز إليهم مسلم بن عقبة فاستقبلهم أهل المدينة بجموع كثيرة فهابهم أهل الشام وكرهوا قتالهم فلما نشب القتال سمعوا في جوف المدينة التكبير وذلك ان بني حارثة أدخلوا قوما من الشاميين من جانب الخندق فترك أهل المدينة القتال ودخلوا المدينة خوفا على أهلهم فكانت الهزيمة، وقتل من قتل، وبايع مسلم الناس (على إنهم خول ليزيد يحكم في دمائهم وأموالهم وأهلهم بما شاء)]. فكانت واقعة الحرة قرب المدينة وقتل فيها من خيرة أهلها الكثير ومنهم عبد الله بن حنظلة رحمه الله و أسكنه الفردوس الأعلى , ولم يكتفوا بذلك فقد أستباح المدينه ولثلاثة أيام بلياليها قتلا وتشريدا ولا حول ولا قوة إلا بالله , وبذلك يكون يزيد أول من أستباح حرم ومدينة رسول الله عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم , و أما ما هو أشنع منه فقد حكم فيهم حكما لا يخلوا من المخالفة الصريحة للإسلام ونقيض منه كلية 0 وبايع الباقين على إنهم خول ليزيد 0 * قال الإمام الحافظ في «فتح الباري شرح صحيح البخاري»: [قلت وكان السبب فيه ما ذكره الطبري مسندا ان يزيد بن معاوية كان أمر على المدينة بن عمه عثمان بن محمد بن أبي سفيان فأوفد الى يزيد جماعة من أهل المدينة منهم عبد الله بن غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر وعبد الله بن أبي عمرو بن حفص المخزومي في آخرين فأكرمهم وأجازهم فرجعوا فأظهروا عيبه ونسبوه الى شرب الخمر وغير ذلك ثم وثبوا على عثمان فأخرجوه وخلعوا يزيد بن معاوية فبلغ ذلك يزيد فجهز إليهم جيشا مع مسلم بن عقبة المري وأمره ان يدعوهم ثلاثا فان رجعوا والا فقاتلهم، فإذا ظهرت فأبحها للجيش ثلاثا ثم أكفف عنهم. فتوجه إليهم فوصل في ذي الحجة سنة ثلاث وستين فحاربوه وكان الأمير على الأنصار عبد الله بن حنظلة وعلى قريش عبد الله بن مطيع وعلى غيرهم من القبائل معقل بن يسار الأشجعي وكانوا اتخذوا خندقا فلما وقعت الوقعة، انهزم أهل المدينة: فقتل بن حنظلة؛ وفر بن مطيع؛ وأباح مسلم بن عقبة المدينة ثلاثا، فقتل جماعة صبرا منهم:معقل بن سنان ومحمد بن أبي الجهم بن حذيفة ويزيد بن عبد الله بن زمعة وبايع الباقين على انهم خول ليزيد!]. بعد هذه الجريمة الشنعاء توجه الجيش لمكة المكرمة فلم يقدروا عليها وعلى أبن الزبير وهزموا و أتى الخبر بموت يزيد و ومن لطف الله ببيته الحرام أن جنبها مصير أختها المدينه . نذكر تلك الوقائع ليثبت الناس من شر ونكسة هذا التحول الذي أستباح المدينة المنورة حرم رسول الله وسلب الأمة حقها وحولها تحويلا متكاملا عن شرعيتها . و أدى إلى تمرد الولايات فكما تمردت المدينة كذلك مكة وكان دعواهم واحده (( الرضا و الشورى )) , وتبعها بذلك العراق ونجد . ومع التقدم في هذا الانحراف السياسي الشرعي الخطير وصلنا لمرحلية السطو المسلح على الخلافة و أخذها بقوة السلاح , كما عبر عن ذلك سديف ابن ميمون بقوله - اللهم صار فيئنا دولة بعد القسمة، وإمارتنا غلبة بعد المشورة، وعهدنا ميراثا بعد الاختيار للأمة . ومن ذلك ما فعله عبد الملك أبن مروان , و الذي لم يكتفي بذلك بل تغصبها بأكثر من ذلك حين طالب بالبيعة لأبنيه الوليد وسليمان وهو حي !!!! وحين وصل الخبر المدينة قال سعيد إبن المسيب إمام التابعين (( لا أبايع أثنين ما اختلف الليل و النهار )) وحتج بحديث (( نهى عن بيعتين في بيعه )) بل إن سعيد حين دخلوا عليه السجن يخوفوه ويرهبوه فقالوا له أتق الله فإنا نخاف على دمك فقال لهم جوابا من بليغ الكلام , فأجاب الإمام - أخرجا عني أتراني العب بديني كما لعبتما بدينكما . رحم الله الإمام وجعل مثواه الجنة . ومع ذهاب حق الأمة في البيعة تبعها أيضا حق الأمة في الشورى فأصبح مجرد الاعتراض على القرار السياسي يؤدي بصاحبه السجن ويعرضه لصنوف العذاب , ليأخذ الإمام طور جديد من أطور الانتكاس , فأصبح مستأثرا بالرأي مختزلا له , وفيما بعد أصبح بقدرة قادر ظل الله في أرضه أعوذ بالله من هذا الإفك المبين . و أما بيت المال فحدث ولا حرج فمن الصعب الوثوب على المال دون مصادرة حق الأمة في قراراتها السياسية و اختياراتها , فبعد أن تم سلب الأمه من الشورى و البيعه , إنتقل الحال لبيت المال . كما جاء رجل إلى سعد بن أبي وقاص فقال له: إني سمعت مروان بن الحكم يزعم أن مال الله ماله، من شاء أعطاه ومن شاء منعه؟ فقال له سعد: أنت سمعته يقول ذلك؟ قال: نعم. فذهب سعد بن أبي وقاص ومعه سعيد بن المسيب والحارث بن البرصاء، فدخل على مروان – وهو أمير المدينة من جهة معاوية – فقال: يا مروان، أنت تزعم أن مال الله مالك من شئت أعطيته، ومن شئت منعته؟ قال: نعم. قال سعد: فأدعو. يديه للدعاء، فوثب إليه مروان. وقال: أنشدك الله أن تدعو، هو مال الله من شاء أعطاه ومن شاء منعه . ومن ذلك أيضا ,خطب المنصور العباسي في الناس فقال: (أيها الناس، إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه ورشده، وخازنه على ماله، أقسمه بإرادته وأعطيه بإذنه، وقد جعلني عليه قفلا إن شاء فتحني وإن شاء أغلقني )) وعلى ذلك نفهم أن الانحراف الخطير و المصادرة الواضحة لحق الأمة السيادي في الاختيار و العزل وحقها الثابت في الشورى و الإمامة تم إنهائه بشكل تدريجي حتى وصلنا لبيت المال الذي أصبح فيه الأمراء ظلالا تارة و أخرى أقفالا ومفاتيح , وقد كانت هنالك محاولاه للتعديل على يد عمر بن عبد العزيز فمنع المال المسروق على بني أمية ورعاياهم و أمر برده و إعطائه أهله فسمي بمال المظالم . هذه التصورات و التي طرأت وتجاسرت حتى بسب إمام الهدى علي كرم الله وجهه وبتوجيه مباشر من معاوية , ومن ثم استلاب حق الأمة وتوريثها ليزيد ومن بعد ذلك أخذها قصرا سلبا ونهبا لكل واثب عليها غيرت و أنهت النظام الإسلامي السليم و الطبيعي المتمثل بالخلافة مبايعه وعن رضا ومشورة وعقد له طرفين . كل ذلك تبخر وعلى ذلك نقول أن خلافنا ليس شخصيا و أعوذ بالله من هذا القول لكنه خلاف على نظام إسلامي شرعي تم تبديله عنوة وقصرا . فمن أراد التجرد فعليه ان يذعن للحقائق المثبتة بالأحاديث الصحيحة ومواقف الصحابة الكرام التي كانت واضحة وضوح الشمس . هذا و الحمد لله رب العالمين =يتبع=
آخر تعديل بواسطة خالد العويمري ، 31-08-2010 الساعة 09:43 PM.
|
|
شكرا خالد العويمري علي الطرح الجميل الذي سردت فيه اهم شئ وهي ولاية المسلمين
|
|
خالد العويمرى الله ايعافيك على الموضوع ومشكور
|
|
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه ,,, على الموضوووووع,,,,,...
|
|
|
ومما لا شك فيه أن الخطاب الإسلامي رسخ مبدأ كرامه الإنسان وجعل من الأساسيات حماية حقوقه , فكان منها حق الإنسان في الحياة وحمايته من الاعتداء ووضع قواعد صارمة في ذلك ورفع العقوبة لأقصى الدرجات حتى وجعل ذلك على حد السواسية أكان مسلما أو كافرا , فقال تعالى [وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ ] الإسراء:33 , وقال تعالى - [ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ] {المائدة:32}
فكان قتل النفس الإنسانية الواحدة كقتل الناس جميعا في الحرمة و أحيائها كحياء الناس جميعا , وقد اخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن القتل للنفس المحرمة يعادل الشرك, وجعل تلك الفعلة من السبع الموبقات المهلكات وجعل حدها القصاص , وهو معلوم من الإسلام بالضروره فلم يقتل أحد لإبدائه وجهة نظره السياسية أو لكونه معارض للحكم في قراراته ولم يعرف أصلا الإسلام ذلك , بل إن رسول الله ترك المنافقين في حالهم حتى بعد مقولتهم الخبيثة لتخرجن الأعز منها الأذل , ومن الواجب ذكره ما حدث لأبي بكر رضي الله عنه حين شتم رجلا الصديق فأراد أبو برزة أن يقتله فغضب أبو بكر على برازه أشد الغضب وقال له ( لا و الله , ما كانت لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . ومن المواقف المشهودة التي تعطيك نموذج واضح وجلي لا غبار فيه على حفاظ الإسلام وصونه لكرامة الإنسان و أن السلطة ليست مخولة بأي وجه في مصادرة حق الحياة لمجرد الخلاف السياسي , حين أتى رجل برجل آخر لعلي رضي الله عنه _ وهو خليفة _ فقال يا أمير المؤمنين إني وجدت هذا يسبك قال فسبه كما سبني , قال ويتوعدك أي بالقتل فقال علي لا اقتل من لم يقتلني . أن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله تعني أنه لا معبود بحق إلا الله وحده فهي تنفي العبودية بشتى أطيافها وصورها ومضامينها عن البشر وتحيل كل العبودية كاملة غير منقوصة لرب البشر , أي إفراد الله بالعبادة، أي بالخضوع والطاعة، والتسليم، المبنية على منتهى المحبة والتوقير والتعظيم . وعلى ذلك فأنه لا سلطة لبشر على بشر إلا بما شرعه الله و أمر به و أن السيادة لله وحده لا سيادة فوقها ولا حتى قربها ولا دونها و وأعوذ بالله أن تكون أصلا . فالأصل هو حرية الإنسان وتكريمه كما قال تعالى (( ولقد كرمنا بني آدم )) وحتى و إن طرأ الرق فهو حاله مرحلية لا تنفي الأصل ومع ذلك كان الإسلام يدفع بقوة نحو تحرير الرقيق و رفع العبودية عنهم ويحث على ذلك بل حتى دفعهم بعد خلاصهم من الرق نحو حياة كريمه تؤمن لهم حاجاتهم وتقضي مصالحهم , يا لله ما أروع هذا الدين يا لله ما أجمل ما فيه من جواهر , أنظر معي أخي وأخرج البخاري، ومسلم، وأحمد بإسناد صحيح عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة، رضي الله عنه، يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وضئ ربك، اسق ربك، وليقل: سيدي، مولاي؛ ولا يقل أحدكم: عبدي، أمتي، وليقل: فتاي، وفتاتي، وغلامي». و إن من تمام الأدب مع الله تعالى أن تنتقى الكلمات انتقاء واضحا لا شبهة في وهذا جانب و الجانب الآخر الذي لا بد ذكره أيضا أن الإسلام حضر حتى مفاهيم الاستعباد لغير الله في قوله (( ولا يقل أحدكم عبدي و أمتي )) وكذلك عدم كسر وجرح النفس البشرية بجعلها مستعبده من بني جنسها , فكلنا عبيد لله , قال تقدست أسماؤه: }إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً{، (مريم؛ 19:93 . |
|
ففي الرواية: (لما ولي أبو بكر قال أصحاب رسول الله , أفرضوا لخليفة رسول الله ما يغنيه , قالوا نعم , برده إذا أخلقهما وضعهما و أخذ مثلهما , وظهره إذا سافر , ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف , فقال أبو بكر رضيت )) وحتى هذه النفقة لا تتم دون رضى من المبايع و إطلاع كامل عليها . فكان بذلك لمال المسلمين حرمته و الرقابة عليه كاملة بل إن عمر أحصى المال قبل وبعد الإمارة ورد ما زاد . ولكن نظرا للتحول الطارئ و الخطير على نظام الحكم أصبح بيت مال المسلمين منهبه يطأ عليه كل من على السلطة و أصبح هذا المال أن أعطي للناس فتحت بنود شتى منها مكرمه ملكيه وعطايا أميريه أي بعد إذلال وامتهانه لأهل الحق فيه .
كل تلك التأكيدات تأطرت وترسخت لدى الطرفين سواء الإمام أو الأمة , فكان الإطلاع المباشر و المحاسبة الصارمة , وحق الاعتراض على أي سياسة مالية و التعديل لأي مخالفه لا تقر من الطرف الأصيل أمة الإسلام . |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|
مواضيع مشابهة | ||||
الموضوع | الكاتب | القسم | الردود | آخر مشاركة |
شاهده الان قد يغير حياتك | بن سرور | المنتدى العــــــــــــــــام | 9 | 12-06-2012 08:16 PM |
قالت لي مليت مليت ودي باحد غيرك . | بندر الشويلع | منتدى الشـــعــــر | 14 | 31-08-2011 10:04 PM |
«أبو طبيع ما يغير طبعه»! | بندرأبن طريف المظيبري | منتدى الأسره والمجتمع | 8 | 17-03-2011 01:54 AM |
اختراع قد يغير العالم | ابوغاية | المنتدى الإعلامــــي | 2 | 14-12-2009 11:37 PM |
حمار يبي يغير اسمه | الاجهر | المنتدى الأدبــــــــــــي | 5 | 19-10-2008 08:29 PM |