|
خيارات الموضوع | ابحث بهذا الموضوع |
|
مقدمه
"بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الظاهر بدلائل وحدانيته في الكائنات المنعم بجلائل النعم ودقائقها بمحض الفضل والجود والإحسان. ونشهد أن لا إله إلا الله وحـده لا شريك له واحد أحد فرد صمد تنزه عن المثيل والشبيه والصاحبة والولد وتقدس عن الند والشريك في الذات والصفات والأفعال وتعالى فوق عباده بألوهيته وعظمته وكبريائه ، تفرد بالوحدانية في علو مجده وعزته واستوى على عرشه كما يليق بكماله العلي بواسع رحمته وعظيم سلطانه. ونشهد أن سيدنا محمدا عبدالله ورسوله الذي أكمل الله به الدين وأتم به النعمة، وأرسله رحمة للعالمين وجعله خاتم الأنبياء وأفضل المرسلين ، جاءنا بالتوحيد الخالص، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه والتابعين. أما بعد … فإن المسلم لابد أن يكون على معرفة يقينية بالمعلوم من الدين بالضرورة ومنها أركان الإسلام والإيمان ولما كان الإسلام عقيدة وعمل ، ولا يقبل الله العمل إلا إذا صحت العقيدة. كان من ألزم الواجبات على المسلم أن يتلقى العقيدة الخالصة من شوائب الشرك والبدع والخرافات وذلك لا يكون إلا من مصدرها الحقيقي حتى لا يضل الإنسان باتباع السبل التي تفرق عن الحق وتنأى عن الصراط المستقيم. قال الله تعالى :{ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } سورة الأنعام ، آية : 153 وقبل البدء في بيان تلك العقيدة والعبادة لابد من التمهيد لبيان الدين الحق الذي جاء به جميع الأنبياء . هذا فإن أصبت فبفضل الله تعالى وما كان من تقصير فمني . ضارعاً إلى الله تعالى أن يجعل هذا الكتاب خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به إنه سميع مجيب. الفقير لله تعالى د. محمد سليمان فرج." اهـ العقيدة الإسلامية الإسلام مصدر السعادة للبشرية "لقد أصبحت سفينة الحياة البشرية حائرة مضطربة بعد أن تلقفها مارد الهوى ، وأخذ يسير بها في بحر لجي من الغفلة والشهوات ، ويعصف بها موج شديد من الخطر والانحراف ، من فوقه موج قاتل للمثل والأخلاق ، من فوقه سحاب كثيف يحمل الحيرة والقلق والاضطراب ، ظلمات بعضها فوق بعض. ظلمات من المادية الطاغية والأنانية البغيضة ، والشهوات الدنيئة والتفكك والانحلال والظلم ولذلك باءت بالحرمان من السعادة الحقيقية وما ذلك إلا لأنها تفلتت من مصدر الأمان ومنهج الإيمان ، وهدى الله تعالى عن طريق الوحي للأنبياء والمرسلين. ولذا فإن الإنسانية المعذبة الضائعة في هذا العصر المادي المسرف في ماديته أحوج ما تكون إلى أن تستظل بسماء الإيمان لتعيش في رحمة الله ورعايته ويوم أن تعود إلى المصدر الحقيقي للسعادة المنشودة تحقق وجودها وتجد نفسها في رياض البهجة والسلام وليس هذا المصدر إلا دين الله تعالى الذي ارتضاه لعباده وبينه في كتابه المجيد وعلى لسان رسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه وآله. فإليك أخي المسلم هذا العرض الموجز المبسط لعقيدة الإيمان وأركان الإسلام ولابد أن تعرف ما هو الدين وبماذا عرفه العلماء: تعريف الدين : لقد عرف العلماء الدين بتعريفات كثيرة منها ما ذكره الإمام السيد محمد ماضي أبوالعزائم رضي الله عنه في كتابه : الإسلام دين الله تعالى : " الدين وضع إلهي ، يدعو أصحاب العقول إلى قبول ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ". وذلك يشير إلى أن الدين قانون سماوي يهدي الناس إلى اتباع ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقبوله والإذعان له. أو هو : "وضع إلهي سائغ لذوي العقول السليمة باختيارهم المحمود إلى الخير بالذات" أي أن الدين قانون إلهي تقبله العقول السليمة الخالية عن العناد والتعصب، وأن اتباعهم له إنما هو عن اقتناع لما فيه من الخير المطلق لأنه من الله الحق وهو مفيض الخيرات كلها . أو هو:" دين الله المرضي، الذي لا لبس فيه، ولا حجاب عليه ولا عوج له" وهذا التعريف يوضح خصائص الدين من حيث وضوحه وعدم التباسه بالباطل لأنه الحق الذي لا عوج فيه ولا غطاء عليه. وكل هذه التعريفات وإن اختلفت في عباراتها إلا أنها تدل على معنى واحد. فالتعريف الأول : يشير إلى أن الدين منهج رباني يدعو أرباب النظر والفكر للإيمان به . والثاني : يبين أن هذا الدين تقبله الفطرة السليمة والعقول المستقيمة لما يحويه من خير مطلق . والثالث : يوضح طبيعة هذا الدين وما به من وضوح وجلاء وسهولة في تقبل عقيدته وفهم مبادئه ." اهـ الدين الحق " إن الإسلام هو دين الله الحق ، وإن الأديان التي جاءت بها الأنبياء والرسل قبل بعثته صلى الله عليه وآله وسلم قد نسخت بدينه فمن لم يؤمن بدين الإسلام ولم يهتد بنوره ، ضل ضلالا شديدا ، وخسر خسرانا مبينا لأنه صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الرسل ولا نبي بعده ولا يزال نور رسالته مشرقا في الآفاق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فالإسلام هو دين الفطرة الخالصة والتوحيد الحق ولن يقبل الله من أحد دينا غير الإسلام فمن لم يؤمن به فمآله إلى الخلود في النار وغضب الجبار. قال تباركت أسماؤه :{ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } - سورة آل عمران ، آية : 85 وإن الإسلام هو دين الله الذي ارتضاه لعباده من لدن سيدنا آدم عليه السلام إلى نبينا أفضل الرسل وخاتمهم صلى الله عليه وآله وسلم. وقد أخذ الله العهد والميثاق على الأنبياء ، أن يؤمنوا به ويبشروا بأنه صلى الله عليه وآله وسلم الخاتم ، الذي يأتي على فترة من الرسل كافة للناس بشيرا ونذيرا. قال الله تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ } سورة آل عمران ، آية : 81 هذا ولا يكون الدين خالدا ومصلحا للعالم أجمع إلا إذا كان مستوفيا للتشريع الذي تظهر مقتضياته في كل عصر إلى قيام الساعة ليحقق سعادة الإنسان في دنياه وآخرته وهو ليس إلا دين الإسلام الذي جمع ما أنزل على الرســل – صلوات الله وسلامه عليهم – من فضائل وكمالات واشتمل على كل ما تحتاجه البشرية في محيط العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات في حاضرها ومستقبلها. " اهـ الإسلام دعوة الأنبياء جميعا "إن الإسلام دين الأنبياء جميعا بل وكل من في السموات والأرض فقال تعالى سبحانه :{ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } سورة آل عمران ، آية : 83 أي : أيريدون دينا غير دين الإسلام وهو دين الأنبياء والمرسلين جميعا – وهو وحده دين الله – الذي خضع له كل من في السموات والأرض طوعا بالإرادة والاختيار، أو كرها بالقهر والتسيير - وإليه وحده يرجع الأمر كله. وهو الدين الذي دعا إليه سيدنا نوح عليه السلام قال جل شأنه :{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ. فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } سورة يونس ، آية : 71/72 أي يشير الله تعالى إلى قصة سيدنا نوح عليه السلام لما أحس بعناد قومه وعدائهم لرسالته فقال لهم يا قوم : إن كان وجودي فيكم لتبليغ رسالة ربي قد عظم عليكم ، فإني ثابت على دعوتي متوكل على الله في أمري ، فاحزموا أمركم ومعكم شركاؤكم في التدبير ولا يكن في عدائكم لي أي خفاء، ولا تمهلوني بما تريدون لي من سوء ، إن استطعتم إيذائي فإن ربي يحفظني ويتولى عصمتي منكم وان أعرضتم عن دعوتي فإن ذلك لن يضيرني لأني لم أؤد رسالة ربي لآخذ عليها أجرا أخاف عليه من الضياع لأجل إعراضكم إنما أجري عليها من ربي الذي أرسلني وحده ، وقد أمرني أن أكون موحدا لله في جميع شئوني ، داعيا إلى دين الحق وهو الإسلام لله. وهو دين سيدنا يوسف عليه السلام وآبائه قال جل جلاله :{ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } سورة يوسف ، آية : 101 أي توجه سيدنا يوسف عليه السلام إلى الله تعالى يشكره ويعدد نعمه عليه ويرجوه المزيد من فضله قائلا : يارب ما أعظم نعمك علي ، وما أجلها ، لقد منحتني من الملك ما أحمدك عليه ووهبتني من علم الرؤيا ما أعجز عن شكره أنت مبدع السموات والأرض ومنشئهما من العدم وأنت مالك أمري ومتولي شأني في محياي وبعد مماتي ، توفني إليك على ما ارتضيت لأنبيائك من دين الإسلام وأدخلني في حزب من هديتهم إلى الحق من آبائي وعبادك الصالحين المقربين. وكذلك دين سيدنا موسى عليه السلام ومن تبعه من المؤمنين. قال عز من قائل:{َقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ } سورة يونس ، آية : 84 أي قال موسى للمؤمنين يا قوم ، إن كان الإيمان قد دخل قلوبكم حقا فلا تشركوا مع الله أحدا سواه وأسلموا أموركم إليه وتوكلوا عليه وثقوا به إن كنتم ثابتين على دين الله الحق وهو الإسلام. وكذلك الحواريون قالوا للمسيح عليه السلام بأنهم آمنوا بالله ليشهد لهم بالإسلام. قال الله تبارك وتعالى :{ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } سورة آل عمران ، آية : 52 وقد أشار سبحانه وتعالى إلى أن الكتب السابقة تدعو إلى دين الله وهو الإسلام قال تعالى: { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ. وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ } سورة القصص ، آية : 52/53 أي أن أهل الكتاب الذين يؤمنون بكتبهم الصحيحة حقا هم يؤمنون بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم. ولذلك إذا يقرأ عليهم القرآن قالوا – مسارعين إلى الإيمان – آمنا به لأنه الحق من ربنا ونحن عرفنا هذا الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم وكتابه قبل نزوله ، فإسلامنا سابق على تلاوته." اهـ7
آخر تعديل بواسطة الاجهر ، 29-12-2007 الساعة 09:31 PM.
|
|
الملة الحنيفية السمحة
"الإسلام هو دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب عليهم السلام قال الله تعالى مشيرا إلى ذلك : { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ . إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } سورة البقرة ، آية 130/133 أي أنه لا يعرض عن دين إبراهيم إلا من ازدرى إنسانيته وهبط بعقله إلى الدرك الأسفل ولقد اصطفاه الله في الدنيا بالرسالة الخالدة، وانه في الآخرة لمن الصالحين المقربين لأنه استجاب لربه عندما طلب إليه أن يذعن ويؤمن بدين الله وهو الإسلام فقال : " أذعنت وأسلمت لرب العالمين". ولقد أوصى بنيه أن يتبعوا هذا الدين وبين لهم أن الله اصطفى لهم دين التوحيد وأخذ عليهم العهد أن يثبتوا عليه حتى لا يموتوا إلا وهم مسلمون. ثم شنع الحق تعالى على اليهود قائلا لهم : أيها اليهود لقد زعمتم أنكم تسيرون على الدين الذي مات عليه يعقوب فهل كنتم شهداء إذا حضره الموت فرأيتم ملته التي مات عليها ، ألا فلتعلموا أن يعقوب وأبناءه كانوا مسلمين موحدين ولم يكونوا يهودا مثلكم ولا نصارى ، وأن يعقوب حينما جاءه الموت جمع بنيه وقال لهم : ما تعبدون من بعدي؟ فقالوا : نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له خاضعون مذعنون للحق مؤمنون بدين الإسلام. ولقد بين لنا جل شأنه بأنه أكمل النعمة علينا بأن خصنا بتسميتنا مسلمين في الكتب المنزلة السابقة لأننا خير أمة أخرجت للناس وأن كل الأنبياء بعثوا مبشرين بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم لأن دينه الإسلام الذي هو الملة الحنيفية السمحة دين أبينا إبراهيم الخليل عليه السلام وجميع الأنبياء والمرسلين. قال تعالى :{ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ } سورة الحج ، آية : 78 أي جاهدوا لإعلاء كلمة الله سبحانه فقد اختاركم وارتضاكم لدينه وجعلكم أمة وسطا ولم يفرض عليكم فيما شرعه لكم ما فيه مشقة لا تطيقونها فالزموا هذا الدين فهو دين أبيكم إبراهيم عليه السلام لتكونوا شهداء على الأمم السابقة بما جاء في القرآن من أن الرسل قد قاموا بالتبليغ إليهم. وقد بين سبحانه وتعالى دين إبراهيم وما كان عليه من الحق والدين القيم. قال سبحانه وتعالى: { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } سورة آل عمران ، آية : 67 أي أن إبراهيم عليه السلام ما كان على دين اليهودية ولا على دين النصرانية ولكن كان على الملة الحنيفية السمحة تاركا الأديان الباطلة متجها إلى الدين الحق وهو إسلام الوجه لله تعالى. وأشار جل جلاله إلى الصلة الوثيقة بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأتباعه وبين خليله عليه السلام قال تعالى : { إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ } سورة آل عمران ، آية : 68 أي أن أحـق الناس بالانتساب إلى خليل الله إبراهيم عليه السلام هم الذين أجابوا دعوته واتبعوا هديه في زمنه وكذا هذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن آمن معه، فإنهم أهل الدين القويم والتوحيد الخالص وهو دين خليل الله إبراهيم عليه السلام والله يحب المؤمنين ويؤيدهم بنصره لأنهم أولياؤه وأتباع دينه فيتولاهم برعايته ويمنحهم فضله العظيم . وقد أمر الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يبين أنه على دين الإسلام الحنيف الذي هو دين الخليل . قال جل شأنه : { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } سورة الأنعام ، آية : 161/163 أي قل يا أيها النبي موضحا ما أنت عليه من الدين الحق:إن ربي منحني الهداية وأرشدني إلى طريق الحق ومنهج الصدق الذي بلغ نهاية الكمال في الاستقامة وكان هو الملة السمحاء والدين الذي اتبعه إبراهيم عليه السلام لم يشرك مع الله إلها آخر بل كان موحدا لله مخلصا في عبادته ولذا قال: إن صلاتي وجميع ما أتقرب به إلى الله تعالى في حال حياتي وما أموت عليه من الإيمان والطاعة كله خالص لوجه الله الذي يملك جميع الكائنات فيربيها على موائد كرمه وإحسانه ولا شريك له في الأمر والخلق والتدبير ولا في استحقاق الخضوع والتسليم، وقد أمرني ربي بذلك الإخلاص في التوحيد والعبادة ، وأنا أول من أسلم وجهه لله." اهـ الإسلام دين الله "لقد وضح بعد هذه الدلائل الساطعة والبراهين القاطعة من محكم كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، أن الإسلام هو دين الله الحق الذي ارتضاه لعباده . قال الله تعالى : { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ.فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } سورة آل عمران ، آية 19/20 أي أن الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده هو منهج الإسلام والتوحيد والخضوع التام لأوامر الله تعالى ، ولقد اختلف اليهود والنصارى فحرفوا وبدلوا ولم يكن اختلافهم عن جهل اذ جاءهم العلم بل كان حسدا وبغيا وعنادا وان من يجحد بآيات الله فلينتظر حساب الله وعقابه وهو أسرع الحاسبين. ثـم بين الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم بأن شيمتهم المراء والجدل فقال له : فإن جادلك هؤلاء في هذا الدين بعد أن أقمت لهم الدلائل فلا تجارهم في الجدل وقل : سلمت أمري لله الذي رضي لنا الإسلام دينا ، وأخلصت عبادتي لله وحده أنا ومن اتبعني من المؤمنين ،وقل لليهود والنصارى ومشركي العرب : قد وضحت لكم الحجج وظهرت لكم الدلائل فأسلموا فإن أسلموا فقد اهتدوا إلى طريق الحق واتبعوه وإن أعرضوا فلا مسئولية عليك في إصرارهم على الباطل فليس عليك إلا أن تبلغهم رسالة الله وتدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة وتجادل الذين يقبلون ويخضعون للحق بالتي هي أحسن. وهكذا لو تتبعنا جميع الأنبياء والمرسلين لظهر جليا أنهم بعثوا بدين الله وهو الإسلام ولكن الإنسانية في تدرجها الفكري والحضاري كانت تحتاج إلى تشريعات تناسبها وتعالج أدواءها ، فكان كل نبي يرسل بمنهج رباني يلائم فطرتها ويسمو بطبيعتها من الحضيض إلى المستوى الذي أراده الله تعالى لها وهكذا كلما تقدمت البشرية في نضجها العقلي أدركها الله تعالى بأحكام تكفل سعادتها في الدنيا والآخرة ، حتى بلغت الإنسانية رشدها وكمالها ، فأرسل الله نبيه سيدنا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وأتم علينا النعمة بإكمال الدين الذي اختاره لنا مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً } سورة المائدة ، آية : 3. "اهـ10
|
|
مكانة الشهادتين في الإسلام
"إن الإيمان بالشهادتين في الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله شرط في دخول الإسلام ويستلزم الإيمان بهما القيام بمبادئ الإسلام واعتقاد أركان الإيمان. فقد روى عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إن الإسلام بني على خمس : " شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت ". أخرجه أحمد والبخاري ومسلم فهذا الحديث النبوي الشريف يوضح أركان الإسلام والأسس التي يقوم عليها بنيانه وأن أول هذه الأركان هو الإقرار التام والإذعان الكامل والنطق بالشهادتين ، وهذا هو المقصود بيانه والاستفاضة فيه لأنه الركن الركين ، والحصن الحصين ، وأساس العقيدة الإسلامية وعليه تبنى جميع الأحكام ولا يقبل الله من العبد باقي الأركان من الصلاة والزكاة والصيام والحج إلا بعد الإتيان به ، وهذا الركن الأساسي الذي هو الشهادتان تستلزم معرفته أركان الإيمان وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره من الله تعالى وقد بينها الحديث النبوي الجامع للإسلام والإيمان. فعـن عمر رضي الله عنه قال : " بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت ان استطعت إليه سبيلا " قال : صدقت ، فعجبنا له يسأله ويصدقه ، قال فأخبرني عن الإيمان؟ قال : " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ". قال : صدقت : فأخبرني عن الإحسان ؟ قال : " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". قال : فأخبرني عن الساعة؟ قال : " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ". قال : فأخبرني عن أماراتها ؟ قال : " أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان " . ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال : " يا عمر أتدرى من السائل ؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال : " فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ". رواه مسلم فهذا الحديث الشريف من جوامع كلمه صلوات الله وسلامه عليه ، لأنه جمع الإسلام والإيمان والإحسان وأشراط الساعة في إيجاز مركز محكم فقد كان الصحابة رضوان الله عنهم جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يهتدون بنوره ودخل عليهم رجل لا يعرفونه شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ، لم يعلق بشيء من ثيابه ولا من جسمه غبار ، ورأوه يجلس أمام الرسول صلوات الله وسلامه عليه جلسة من له معرفة وصلة وثيقة بينه وبينه فهو يسند ركبتيه إلى ركبتيه ويضع يديه على فخذيه ويوجه الخطاب إليه قائلا: أخبرني عن الإسلام؟ أي عما يتحقق به من الأعمال التي من عملها يحكم عليه بأنه مسلم له ما للمسلمين وعليه ما عليهم ، فأخبره صلوات الله وسلامه عليه بأن الإسلام يتحقق لمن نطق بالشهادتين. وهذه هي الدعامة الأولى : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، إقراراً بلسانه مع التصديق بالقلب بأنه لا معبود بحق إلا الله الذي اتصف بجميع صفات الكمال وتنزه عن جميع النقائص ، فلم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يكن له شريك في الملك ، بل هو الله الواحد الأحد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وأنه سبحانه وتعالى المنفرد بالإيجاد والإمداد ولا نافع ولا ضار سواه لأنه وحده الذي يملك الرزق والأجل والسعادة والشقاء فلا ينبغي الخوف إلا منه ولا الخضوع إلا له ، ولا التذلل إلا بين يديه جل جلاله وعز سلطانه. وهذا ما سيأتي تفصيله فيما بعد إن شاء الله تعالى ويسمى بالإلهيات. فهذا الحديث الشريف بين أيضا أن رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم عامة وباقية والاعتراف له صلى الله عليه وآله وسلم يتضمن الإيمان بجميع الرسل والأنبياء وأن المؤمن لا يكون مؤمنا إلا إذا كان مؤمنا بجميع ما جاء به صلى الله عليه وآله وسلم مما هو معلوم من الدين بالضرورة، وهذا ما يسمى في علم التوحيد بالنبوات والسمعيات . والدعامة الثانية : " وتقيم الصلاة " أي تؤديها بخشوعها في أوقاتها ، مستوفية جميع الشرائط والأركان لأنها عماد الدين والفرق الواضح بين المؤمن والكافر وأول شيء يسأل عنه العبد يوم القيامة. والدعامة الثالثة : " وتؤتي الزكاة " وهي من أهم أركان الإسلام ولذلك قال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه: " لأقاتلن من يفرق بين الصلاة والزكاة" وهي مطلوبة في الزروع والثمار عند الحصاد إذا بلغت نصابا وفي النعم السائمة من الإبل والبقر والغنم التي ترعى في كلأ مباح إذا بلغت النصاب وفي عروض التجارة والنقود التي يحول عليها الحول إذا بلغت النصاب وكذلك زكاة الفطر في رمضان والدعامة الرابعة : " وتصوم رمضان ، والصيام فريضة يجب أداؤها متى توفرت شروط وجوبها وهي الإسلام والبلوغ والعقل والقدرة على الصوم كما جاء في الشريعة المطهرة من أحكام مفصلة للصوم . والدعامة الخامسة : " وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " لأن الحج مفروض على المستطيع مرة واحدة في العمر. فقد روى الإمام مسلم عن أبي رضي الله عنه هريرة رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: " يا أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا " فقال رجل : أكل عام يارسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم " وتتحقق الاستطاعة بوجود النفقة والزاد وأمن الطريق والقدرة الجسمية وغير ذلك وللحج ميقاته الزماني المحدد قال الله تعالى : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } سورة البقرة ، آية : 197 وتلك الأركان الأربعة هي من مباحث علم الفقه الإسلامي. ودهش الصحابة حين قال الزائر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدقت كأنما يسأله عن شيء معلوم له ، ثم انتقل من هذا السؤال إلى السؤال عن الإيمان ، أي عما يصير به الإنسان مؤمنا به إيمانا منجيا من العذاب مستجلباً للرحمة ودخول الجنة ، فأجابه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبين له أركانه الستة وهي : الإيمان بالله : وهو التصديق القلبي بوحدانية الله تعالى وقدرته وإرادته وأسمائه وصفاته ، واتصافه بصفات الكمال والجمال والجلال ، وأنه منزه عن كل نقص . والإيمان بالملائكة : كما وصفهم الله تعالى أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء وهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، ولا يوصفون بذكورة ولا بأنوثة ولهم رسالات يؤدونها كالنزول بالوحي على الأنبياء ، وكتابة الحسنات والسيئات وقبض الأرواح وسؤال القبر وخزنة الجنة وخزنة النار وهكذا. والإيمان بالكتب المنزلة : وهي الزبور والتوراة والإنجيل، وأن جميعها نسخت بالقرآن ، فهو المهيمن عليها والمصدق بها والصحف المنزلة كصحف إبراهيم وموسى عليهما السلام. والإيمان بجميع الرسل والأنبياء : وأنهم بشر معصومون اختصهم الله برسالته إلى الخلق يدعونهم إلى التوحيد والطاعة ، ويجب أن يتصفوا بالصدق والأمانة والتبليغ والفطانة ويستحيل عليهم الكذب والخيانة والكتمان والبلادة ويجوز عليهم الأعراض البشرية كالنسيان والأمراض التي لا تخل بكرامتهم وأن الله تعالى ختمهم بأفضل الخلائق جميعا وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ورسالته باقيه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. والإيمان باليوم الآخر : وما فيه من حشر ونشر وثواب وعقاب وحساب وميزان وصراط وما ورد بشأنه في الكتاب الكريم وصحيح السنة النبوية الشريفة. والإيمان بالقضاء والقدر : أي أن الله تعالى قدر الأشياء في القدم وعلم سبحانه ما سيقع من العباد في أوقات معلومة وأمكنة محدودة على حسب ما قدره الله تعالى من خيرها وشرها حلوها ومرها ، وكل إنسان ميسر لما خلق له ولله الحجة البالغة على خلقه ، لأن الله تعالى يحاسب على الكسب الاختياري وهو سبحانه الخالق للعباد وأعمالهم. ثم انتقل السائل فسأل عن الإحسان فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " أن تعبد الله كأنك تراه، فان لم تكن تراه فإنه يراك ". أي الإحسان : أن تطيع الله تعالى وأنت مخلص في عبادته خاضع لجلاله كأنك تعاينه ، فإن لم تكن في عبادتك كأنك تراه ، بأن غفلت عن المشاهدة فاستمر على إحسان العبادة واستحضر أنك بين يدي الله تعالى وأنه مطلع على سرك وعلانيتك لتحصل لك المراقبة التي تجلب الخشية . ثم سأل بعد ذلك عن الساعة فأجابه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه مثله في ذلك ، يستويان لأن علمها عند الله تعالى ، فقال : أخبرني عن أماراتها ؟ أي علاماتها قال صلى الله عليه وآله وسلم: "أن تلد الأمة ربتها" أي سيدتها فهو إخبار بأحوال ستكون فيما بعد من كثرة العقوق أو إكثار الناس من إنجاب الأولاد ممن دونهم كالجارية التي تحمل ابنة تكون لها ربة وسيدة. ومن أمارات الساعة أيضا : " أن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان " أي أن تقبل الدنيا على كثير من الفقراء الذين لم يكن لهم عمل إلا رعي الإبل والغنم فكانوا لذلك حفاة الأقدام عليهم ثياب بالية لا تكاد تواري الأجسام فإذا بهم وقد كثرت أموالهم ، ونمت ثروتهم ، وصاروا يتطاولون في البنيان فخرا وعجباً أي يرفعون البنيان بدون حاجة. وقيل معناه : أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة يرتقون في البنيان والدنيا تبسط لهم حتى يتفاخروا بالبنيان ويشتغلوا عن أوامر الله تعالى. فلما أتم السائل أسئلته بادر بالانصراف حتى اختفى عن الأبصار. ومعنى " فلبثت مليا " أي مكثت وقتا طويلا وهو سيدنا رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه راوي الحديث . ثم قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت "الله ورسوله أعلم. قال : " فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " وفي هذا دليل على ان الإسلام والإيمان والإحسان تسمى كلها دينا." اهـ
|
|
معنى الإيمان والإسلام شرعا
"وجدير بالذكر أن تقف على حقيقة الإيمان والإسلام والارتباط بينهما ، فالإيمان هو : التصديق القلبي الجازم والتسليم بكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وثبت بالأدلة القطعية وعلم مجيئه من الدين بالضرورة. أما الإسلام فمعناه : الإذعان والخضوع التام والتسليم المطلق لكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلم من الدين بالضرورة : أي بدون اعتراض على أي أمر من أوامر الدين وتلقيه بالقبول والاستسلام . وعلى ذلك يكون هو عقيدة قلبية، مثل الإيمان ، والفرق بينهما أن الإيمان تصديق قلبي جازم ، وأن الإسلام تصديق وتسليم قلبي وعدم منازعة لأي أمر شرعه الله تعالى بل رضاء تام لكل ما علم من الدين بالضرورة فالإنسان قد يصدق بوجود أمر ولا يسلم به ولا يرضاه فمن يقول أنا أومن بالإسلام ولكني غير مقتنع بالصلاة والصيام مثلا ، فهذا يخرجه من حظيرة الإسلام ، لأن التسليم والخضوع والاذعان لم يتوفر ولا ينفع إيمانه لأنه لو صدق بالله تعالى حقا لأسلم نفسه ورضي بكل ما فرضه الله تعالى لذلك فإن الإيمان الصادق يستلزم الإسلام بهذا المعنى ولذلك إذا أطلق الإيمان فيراد به التصديق والتسليم فيكون مرادفا للإسلام وهذا ما ورد في كتاب الله تعالى قال جل شأنه: { فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } - سورة الذاريات ، آية : 35/36 وقد يراد بالإسلام الإذعان الظاهري فتجري على المسلم الأحكام الإسلامية ولــو كان منافقا أي غير معتقد بقلبه ما دام لم يعلن ذلك ولم يفعل ما ينافي الإسلام وقد شنع الله تعالى على أناس أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر . فقال تعالى : { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } - سورة الحجرات ، آية :14 والإسلام بهذا المعنى محله ظاهر الإنسان ، لأن التصديق والتسليم لأوامر الدين أمر باطني والخضوع لأحكامه أمر ظاهري . وعلى هذا فالإسلام هو الذي يظهر للناس دون الإيمان ، والإيمان أخص من الإسلام والإيمان باطني محله القلب وقد تدل عليه أعمال المؤمن. حكم التلفظ بالشهادتين: التلفظ بالشهادتين بأن ينطق المسلم قائلا : "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله" شرط لإجراء الأحكام الشرعية في الدنيا ، مثل الزواج والصلاة عليه عند موته . فإذا تعذر النطق لخرس أو مرض فإيمانه صحيح وهو ناج عند الله تعالى ، أما الذي يستطيع النطق ولم ينطق بهما فهو كافر أما إذا لم ينطق بالشهادتين جهارا لخوفه من الهلاك فإيمانه صحيح لقوله تعالى : { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ } سورة النحل ، آية : 106" اهـ14 فضل الشهادتين وحسن الختام "ورد في فضل التوحيد والاعتراف بالشهادتين ترغيب عظيم وبشريات كبرى تسعد المؤمنين وتحرك لطائف قلوبهم من فرط البهجة ونعيم الرضا بنوال المغفرة والفوز بالجنة والبعد عن النار قال تعالى :{ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } سورة النساء ، آية : 48 وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، وأن الجنة حق والنار حق ، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ". أخرجه البخاري ومسلم فمن شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أي آمن بقلبه إيمانا صادقا ويقينا خالصا ، بأنه لا معبود بحق إلا الله وحده ولم يشرك معه غيره في العبادة والخضوع والدعاء وشهد أن – سيدنا - محمدا عبد الله ورسوله ، جاء بالهدى ودين الحق ، وأنه المعصوم الذي تجب طاعته وتوقيره واتباع سنته ، وأن شريعته باقية إلى يوم القيامة وقد نسخت جميع الشرائع السابقة وشهد أن عيسى عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن النصارى الذين قالوا : المسيح ابن الله ، أو هو الله ، أو أن الله ثالث ثلاثة ، قد كفروا كفرانا مبينا ، وضلوا ضلالا شديدا قال الله تعالى: { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ } سورة المائدة ، آية : 72 وقال سبحانه وتعالى : { لقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ } سورة المائدة ، آية : 73 وشهد أن الجنة حق أعدها الله تعالى للمؤمنين يوم القيامة وأن النار حق جعلها للكافرين أدخله الله الجنة ومنحه المغفرة والرضوان ولو وقع في الكبائر تاب منها لأن التوحيد الخالص يهدم السيئات إذا مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولا يشرك بالله شيئا فيحرمه الله على النار ويقيه شر العذاب والخلود في الجحيم الأبدي . وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على حمار فقال لي :" يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وماحق العباد على الله؟" فقلت : الله ورسوله أعلم قال : " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا " قلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس ؟ قال:"لا تبشرهم فيتكلوا" أخرجه البخاري ومسلم فما أعظم هذه البشرى للموحدين وما أجلّ هذه النعمة للمؤمنين وليس على الله حق واجب كما زعمت المعتزلة ولكن الله سبحانه وتعالى هو الذي كتب على نفسه الرحمة وألزم ذاته العلية تفضلا وإحسانا للموحدين المخلصين. فينبغي للمؤمن أن يكثر من ذكر شهادة التوحيد التي هي كلمة التقوى وأن يدعو بها ربه صادقا مخلصا ملتزما بما تقتضيه معانيها وهي لا إله إلا الله لما جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " قال موسى : يارب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به؟ قال : قل يا موسى لا إله إلا الله، قال : يارب كل عبادك يقولون هذا؟ قال : يا موسى لو أن السموات السبع وعامرهن – غيري – والأراضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله " رواه ابن حبان والحاكم وصححه فمن نقى قلبه من أوضار الشرك وعَمّر سريرته بنور التوحيد الخالص ومات لا يشرك بالله شيئا لقي الله تعالى مغفورا له من جميع الذنوب التي لم يمت مصرا عليها وتاب إلى الله منها ، فعن أنس : قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " قال الله تعالى : يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة " رواه الترمذي وحسنه فالتوحيد هو أساس السعادة وسبب النجاة من أهوال يوم القيامة والشرك هو مصدر الشقاء ومنبع الغضب الإلهي وموجب للخلود في النار فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : " من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار"رواه البخاري وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : " من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار ".رواه مسلم فمن مات وهو يدعو لله ندا: أي مثلا أو شبيها أو يطلب من أحد مالا يقدر عليه إلا الله معتقدا فيه النفع أو الضر استقلالا أدخله الله النار وعذبه عذابا شديدا ومن لقي الله تعالى موحدا في العقيدة مبرءا من الشرك أكرمه الله تعالى بدخول الجنة ونوال المغفرة والنعيم المقيم ، بل إن الله تعالى يجعل له حرمة عظيمة في الدنيا فيعصم ماله ودمه ما دام يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ويكفر بالجبت والطاغوت وما يعبد من دون الله من حجر أو شجر أو حيوان أو بشر. فعن النبي رضي الله عنه أنه قال : " من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله ، حرم ماله ودمه ، وحسابه على الله عز وجل " رواه مسلم ولذلك يجب على المسلم تصحيح عقيدته ومعرفة معنى الشهادتين معرفة يقينية وهي شهادة أن لا إله إلا الله التي تشمل التوحيد وما يتصل بذات الله تعالى من عقائد وشهادة أن محمدا رسول الله التي تشمل الرسالة ، وما يتصل بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم من معتقدات لأنهما قطب الرحى الذي يقوم عليه الإيمان وتنبني عليه السعادة والشقاء." اهـ15/95
|
|
الإيمان والعمل الصالح
"الإسلام يتكون من الإيمان والعمل الصالح ، فالإيمان بالله تعالى هو الصلة بين العبد وربه ، وقد كرم الله تعالى الإنسان وكرم أشرف ما فيه وهو قلبه ، وكرم قلبه بأفضل ما فيه وهو الإيمان. ومن ثم كان الإيمان أجل النعم وأفضلها على الإطلاق قال الله تعالى : {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } سورة الحجرات ، آية : 17 وقال تباركت أسماؤه: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ } سورة الحجرات ، آية : 7 هذا ولا يكفي في الإيمان مجرد النطق باللسان والاقتناع بالعقل، بل لابد أن يكون عقيدة في القلب تظهر آثارها على الجوارح وتسري في حياة المؤمن وسلوكه ولذلك جاء الإيمان في القرآن الكريم مقترنا بالعمل الصالح وحب الله ورسوله والجهاد في سبيله والخشية منه سبحانه والرضا بحكمه وحكم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهكذا. ومن هنا تشرق علينا الحقيقة واضحة جلية ، أن دين الإسلام يقوم على العقيدة الحقة والعبادة الخالصة والأخلاق السامية والمعاملات الإسلامية فمن آمن بقلبه ونطق الشهادتين بلسانه ولم يقم بأداء العبادة المفروضة من الصلاة والزكاة مع إيمانه بفرضيتها أو وقع في الكبائر المحرمة مع اعتقاد حرمتها فهو فاسق عاص تقام عليه حدود الإسلام التي شرعها الله تعالى زجرا وتأديبا وأمره إلى الله تعالى إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ولكن مآلـــه الجنة إن كان قد ختم له بالإسلام ولا يحكم بكفره عند الجمهور من أهل السنة والجماعة ." اهـ 18
|
|
الإيمان حياة ونور والكفر موت وظلمات
"إن الإنسان بغير عقيدة الإيمان الصادق يعيش مقبورا في ظلمات الضلال والعمى بل هو في الحقيقة ميت القلب والعقل فاقد الإدراك والمعرفة ، يتخبط في دياجير الحيرة والشكوك محروما من نور الحياة وحياة الإيمان لأنه يسير بلا هدف ويجري وراء سراب خادع فلا يذوق للحياة طعما ولا للوجود معنى ولذلك بين الله تعالى أن المؤمنين يحيون بالإيمان ويستضيئون بنوره ، وأن المشركين والكفار في عداد الأموات المطموسين بظلمات الشرك والخسران. قال تعالى :{ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } سورة الأنعام ، آية : 122 أي انكم بإيمانكم لستم مثل الكافرين في شيء فليس حال من كان كالميت في ضلاله فأنار الله بصيرته بالهداية التي هي كالحياة وجعل له نور الإيمان والعقيدة الحقة يهتدي به ويسير في ضوئه كحال الذي يعيش في الظلام المتكاثف وكما زين الله الإيمان في قلوب أهل الإيمان زين الشيطان الشرك في نفوس الجاحدين المعاندين . وقد أشار سبحانه وتعالى إلى ضلال الكفار وإلى ما هم غارقون فيه من ظلمات لأنهم حرموا نور الهداية للإسلام. قال الله تعالى : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ } سورة النور ، آية : 40 وهذا مثل آخر للكفار فمثلهم كراكب في ظلمات البحر الواسع العميق الذي تتلاطم أمواجه ويعلو بعضها فوق بعض ويغطيها سحاب كثيف قاتم يحجب النور عنه فهذه ظلمات متراكمة لا يستطيع راكب البحر معها أن يرى يده ولو قربها إلى بصره فتراه متحيرا مبهوتا وكيف يرى شيئا وينجو من هذه الحيرة بدون نور يهديه في طريقه وسيره ويقيه الارتطام والهلاك ، فمن لم يوفقه الله لنور الإيمان الخالص فلن يجد نورا يهديه إلى الحق ويدله على سبيل الاستقامة فيكون من الهالكين والعياذ بالله. وأوضح سبحانه وتعالى بأن الاستجابة لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم هي الحياة والنور. قال الله تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} سورة الآنفال ، آية : 24 أي يا أيها الذين صدقوا بالحق وأذعنوا له، أجيبوا الله بقلوبكم وجوارحكم وأجيبوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إذا دعاكم إلى العقائد والأحكام التي فيها حياة أرواحكم وعقولكم وقلوبكم ، واعلموا علم اليقين أن الله تعالى قائم على قلوبكم يوجهها كما يشاء فيحول بينكم وبين قلوبكم إذا زين الشيطان لها الهوى فهو متوليكم إن اتجهتم إلى الحق المبين وإنكم جميعا ستجمعون يوم القيامة فيكون الجزاء العادل الرحيم . فمن آمن بالله حقا عاش في نور الله وهدايته ونجا من ظلمات الشر والباطل لأنه في ظل الولي الحميد . قال الله تعالى : { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } سورة البقرة ، آية : 257 أي أن الله متولي شؤون المؤمنين وناصرهم ومؤيدهم بفضله فيخرجهم من ظلمات الشرك والحيرة والضلال إلى نور التوحيد والهدى والاطمئنان والكافرون بالله تعالى تستولي عليهم الشياطين ودعاة الشر والضلال فهم يخرجونهم من نور الإيمان الذي فطروا عليه والذي ظهر لهم بالأدلة الواضحة والآيات البينة إلى ظلمات الكفر والفساد فهؤلاء هم الكافرون المستحقون للخلود في النار باتخاذهم الطاغوت أولياء من دون الله تعالى فمن أشرب قلبه بنور الإسلام فهو على المحجة البيضاء والملة السمحاء يكون منشرح الصدر بنور الإيمان والهدى. قال الله تعالى : { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } سورة الزمر ، آية : 22 أي أكل الناس سواء أفمن شرح الله صدره للإسلام باستعداده لقبول الحق فهو على بصيرة وهدى من ربه كمن أعرض عن التفكير في آياته فالعذاب الشديد للذين قست قلوبهم عن ذكر الله لأنهم في هوة الضلال ساقطون وعن طريق الحق الأبلج منحرفون . فأهل الإيمان هم الثابتون على الحق المطمئنون الذين لا تعصف بهم رياح الشكوك والريب فهم في رياض البهجة والسلام يتنعمون وفي نعيم الإيمان والهدى يعيشون قال الله تعالى :{ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ }سورة الأنعام ، آية : 82 أي أن الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أي لم يخلطوا إيمانهم بشرك أولئك وحدهم هم الآمنون المطمئنون الذين لا يعرفون الحيرة والمخاوف وهم وحدهم المهتدون إلى طريق النجاة وسبيل السعادة . فالإيمان مصدر الخيرات كلها في الدنيا والآخرة ومنبع النعم الظاهرة والباطنة . قال الله تعالى :{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } سورة الأعراف ، آية :96 أي ولو أن أهل تلك القرى آمنوا واتقوا لمنحناهم بركات من السماء والأرض ولكن جحدوا وكذبوا الرسل فأصبناهم بالبلايا والمحن عقوبة لهم على ما كانوا عليه من الشرك والمعاصي فأخذهم بالعقوبة أثر لازم لكسبهم القبيح وعبرة لأمثالهم إن كانوا يعقلون . وقد ضمن الله تعالى للمؤمنين الصالحين حياة الرخاء والهناء والاستقرار والأمن في الدنيا والجزاء العظيم في الآخرة . قال الله تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } سورة النحل ، آية : 97 أي من عمل صالحا سواء أكان ذكرا أم أنثى ، متجها إلى هذا العمل الصالح بدافع الإيمان والعقيدة ، فإننا لابد أن نحييه في هذه الحياة الدنيا حياة طيبة لا قلق فيها تملؤها السعادة الحقة بالقناعة والرضا والصبر على مصائب الدنيا والشكر على نعم الله فيها وفي الآخرة وافر الأجر وعظيم الثواب المضاعف والمغفرة الواسعة والرضوان الأكبر. وأوضح لنا جل جلاله ثمرة الإيمان ونتيجة اليقين بأن المؤمنين في كنف الله وحفظه قال الله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ } سورة محمد ، آية :11 أي ذلك الجزاء العظيم والنصر المؤزر للمؤمنين لأن الله متولي الذين آمنوا وناصرهم ومؤيدهم برعايته وفضله وأن الكافرين لا مولى لهم ينصرهم ويمنع هلاكهم وان المؤمنين عند الله هم السعداء حقا لما لهم عنده من قدم راسخة ومقام كريم. قال الله تعالى:{ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ } سورة يونس ، آية :2 أي وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق أي لهم المنزلة العالية والمكانة الرفيعة عند ربهم ولا يتخلف وعد الله أبدا. فمن سعد بالإيمان والتقوى خصه الله تعالى بكفلين من رحمته وأعطاه نورا يفرق به بين الحق والباطل وعاش قرير العين مطمئن الخاطر . قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } سورة الحديد ، آية : 28 أي يا أيها الذين آمنوا خافوا الله ، واثبتوا على إيمانكم برسوله صلى الله عليه وآله وسلم يمنحكم الله نصيبين من رحمته ويجعل لكم نورا تهتدون به في حياتكم لتسعدوا في الدنيا والآخرة ويغفر لكم ما فرط من ذنوبكم والله واسع المغفرة عظيم الرحمة. وقد بين الله تعالى عاقبة الضلال والشرك وصور حالة المشركين وهم في أقسى حالات الضنك والضيق النفسي الرهيب وما عليه أهل الإيمان من انشراح في الصدر ونور في القلب. قال تعالى :{ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ } سورة الأنعام ، آية : 125 أي فمن يرد الله له الهداية يتسع صدره لنور الإسلام ، ومن يكتب عليه الضلال يكن صدره ضيقا شديد الضيق ، كأنه من الضيق كمن يصعد إلى مكان مرتفع بعيد الارتفاع كالسماء فتتصاعد أنفاسه ولا يستطيع شيئا ولله الحجة البالغة على خلقه ببيان دلائل الحق على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم . ولهذا فالعقيدة الإسلامية هي النعمة العظمى والفضل الكبير لأن الله تعالى تفضل علينا بإكمال الدين وإتمام النعمة بهذا الدين الحنيف . قال الله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } سورة المائدة ، آية :3 أي أكملت لكم أحكام دينكم وأتممت عليكم نعمتي الكبرى لإسعادكم وتثبيت أقدامكم واخترت لكم الإسلام دينا لتنالوا الفوز العظيم في الدنيا والآخرة. وإن الإيمان الخالص بدين الإسلام إذا خالطت بشاشته القلوب وتمكنت في أعماق النفوس وجد المؤمن حلاوة الإيمان الحق وذاق طعم السعادة الكاملة وعاش في نعيم روحي ومتعة قلبية لا تمنحها لذائذ الدنيا بأجمعها ولا يحصلها الإنسان ولو ملك كل شيء من زخارف الحياة بأسرها بل ولو بلغ القمة في السلطان والحكم لأنها من الله تعالى خالق الخلق ومدبر الأمر . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا ، وفي لفظ نبيا " رواه مسلم والترمذي أي تذوق طعم الإيمان من صدق تصديقا جازما وسلم تسليما تاما ورضي رضاء كاملا بأنه عبد لله الواحد القهار ، وإن الإسلام هو المنهج الإلهي القويم والدين الحق المستقيم وان سيدنا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم هو الرسول الخاتم والنبي المعصوم الذي يجب متابعته والإيمان بما جاء به. فالمؤمن الصادق يحيا في نور السعادة الحقيقية ويحس بالبهجة والحبور لأنه يحب الله ورسوله حبا صادقا يغنيه عن كل شيء سواهما ويحب لله ويبغض لله ويكره الكفر كما يكره الوقوع في النار. فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " ثلاثة من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلى لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار" رواه البخاري ومسلم فالمؤمن الصادق يحيا في نور الإيمان وحلاوة اليقين ويذوق طعم القرب من الله تعالى إذا استولت محبة الله ورسوله على سويداء قلبه وملكت عليه نفسه فيحبهما حبا عظيما أشد من حبه لكل ما سواهما من الموجودات ولا يحب أخاه إلا لما يرى من مسارعته لما يحبه الله ويرضاه وأن يبغض الكفر والضلال بغضا شديدا بعد إذ نجاه الله منه أشد من بغضه للسقوط في نار موقدة تأجج لهيبها وزاد إوارها. " اهـ
|
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|
مواضيع مشابهة | ||||
الموضوع | الكاتب | القسم | الردود | آخر مشاركة |
50 سؤالاً وجواباً في العقيدة | مبارك الشويلع | المنتدى الإسلامـــي | 12 | 14-10-2009 04:29 AM |
تنبيه مهم عند دراسة العقيدة | هتاف قلب الرشيدي | المنتدى الإسلامـــي | 6 | 09-01-2009 11:37 PM |
أمر خطيريمس العقيدة | هتاف قلب الرشيدي | المنتدى الإسلامـــي | 10 | 24-11-2008 10:04 PM |
دور العقيدة في صياغة الشخصية | rashidhoa | المنتدى الإسلامـــي | 4 | 20-05-2007 10:27 PM |
تنقية العقيدة من الشوائب . | حادي الجبيل | المنتدى الإسلامـــي | 7 | 10-04-2007 08:29 AM |