|
خيارات الموضوع |
|
(إيران هي القاسم المشترك لكل مشاكلنا في المنطقة) هكذا قال مسئول أمريكي في تصريح ينم عن مدى التوتر وعمق الأزمة في العلاقات الإيرانية الأمريكية، ولكنه يكشف في الوقت نفسه عن الوعي الأمريكي بالدور المتعاظم لإيران في المنطقة؛ ما يدفع المرء إلى التساؤل: هل تسعى أمريكا حقًا نحو تجريد إيران من السلاح النووي ؟ و ما إذن حقيقة الموقف الأمريكي من السلاح النووي الإيراني ؟
فالموقف الأمريكي كما عبرت عنه التصريحات الرسمية المعلنة تعتمد موقف المواجهة للمشروع النووي الإيراني، ووصلت إلى التهديد بالحرب وإجهاض هذا المشروع بالقوة المسلحة سواء بالطريق المباشر، أي استخدام القوات الأمريكية الخاصة المتواجدة بالجوار العراقي، أو التلويح بالذراع الإسرائيلي والتذكير بما فعله الطيران الإسرائيلي بالمفاعل النووي العراقي في ضربة قاصمة عام 1981 ولكنه في نفس الوقت فإيران تبدو ماضية في مشروعها بالمزج بين الوسائل الدبلوماسية والسياسية والتلويح بأوراقها المختلفة في المنطقة، ومنها الردالعسكري على أية ضربة توجّه لها، بينما يبدو الموقف الأمريكي في نظر البعض وكأنه غير مكترث بما يجري. وما بين التهديدات واللامبالاة يدور المشهد الأمريكي في حلقة غامضة تثير الحيرة والبلبلة. و لفك معضلات هذا المشهد، يجب أولاً تتبع الإستراتيجية النووية الأمريكية في العالم، ثم فهم دوافع السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ومن ثم موقع إيران في هذه الإستراتيجيات . الإستراتيجية الأمريكية النووية كان اكتشاف السلاح النووي بما يحمله من قوة تدميرية هائلة ومرعبة، والاستخدام المبكر له في "هيروشيما ونجازاكي" على يد الولايات المتحدة الأمريكية في الأيام الأخيرة للحرب العالمية الثانية، قد صاغ بشكل تفصيلي وحاسم مفردات النظام العالمي الذي ساد بعد الحرب واستمر حتى بداية التسعينيات من القرن المنصرم. وفي هذا المجال يرى الاستراتيجي الأمريكي البارز "برنارد برودي" أنّ الأسلحة النووية قد فتحت عصرًا جديدًا طوى الاستراتيجيات والخبرات العسكرية السابقة، وقلل من شأنها وطرح إستراتيجية فعّالة وحيدة هي: إستراتيجية الردع النووي. وتقوم إستراتيجية الردع النووي قبل كل شيء على المناورة بالتهديد باستخدام السلاح النووي، هذه المناورة التي تجعل الشك ممكنًا . كانت فكرة الردع أحد أحجار الزاوية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها خلال كل الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، وحسب التصريحات الرسمية في ذاك الحين؛ فإن القوات المسلحة الأمريكية لن تستخدم لبدء الحرب، ولكن قواتها بوجود الأسلحة النووية ستردع أي عدو محتمل في اتخاذ خطوات عدوانية. فالمساواة الكمية العددية بين أسلحة الطرفين المتصارعين مسألة لا قيمة لها في ميدان التوازن النووي. إن معيار الردع النووي يتضمن جانبين أساسين هما: الأول: هو القدرة على تدمير المراكز السكانية والاقتصادية والمدنية الهامة. الثاني: هو القدرة على امتصاص الضربة المعادية النووية الأولى وحماية المراكز البشرية والإنتاجية والمدنية والعسكرية المهمة، وخاصة وسائط الردع النووي ،وبالتالي امتلاك القدرة على الرد. ومنذ العام 1978 تعهدت الولايات المتحدة بعدم استخدام السلاح النووي ضد دول لا تمتلكه, وقد التزمت الدول النووية الرسمية الخمس (الصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا وأمريكا) بهذا التعهد بشكل علني عند إقرار معاهدة الحد من نشر الأسلحة النووية في العام 1994 بعد 26 عامًا على توقيعها. لذلك بعد انتهاء الحرب فَقََد مبدأ استبعاد القوة النووية مبرره، وذلك مع انتهاء عصرالثنائية القطبية وظهور عالم القطب الواحد، وانفراد الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم، و بدا ذلك في استحداث إستراتيجية أمريكية نووية بديلة عن الإستراتيجية السائدة في فترة الحرب الباردة، والتي ظلت فيها الأسلحة النووية بعيدة عن الاستخدام الفعلي، ولكن الخاضعة في الوقت نفسه للتطوير والتحديث، وفي سبتمبر 1996 وقّع الرئيس "بيل كلنتون" مذكرة رئاسية تراجع فيها عن التعهد الذي أقره في العام 1978 بعدم استخدام الأسلحة النووية ضد دول لا تمتلك هذا السلاح. وفي مايو2002 تعهدت الولايات المتحدة لروسيا بتقليص عدد الرؤوس النووية الهجومية التي تمتلكها من 6000 إلى 2000, وقد تبين فيما بعد أنّ هذا الوعد كان مجرد سراب! إذ إن العسكريين الأمريكيين احتفظوا في الواقع بحق امتلاك 10 رؤوس نووية مخزونة يمكن إعادة تنشيطها خلال بضعة أيام عند الحاجة. وفي يناير 2005 خطت الولايات المتحدة خطوة غير مسبوقة، فقد قدم وزيرالدفاع "دونالد رامسفيلد" إلى الكونغرس مشروعًا باسم إعادة النظر في السياسة النووية، وفيه تناول أساسًا إحاطة مشروع إعادة إطلاق الترسانة الأمريكية النووية بصيغة إستراتيجية. وتذكر هذه الوثيقة أن الولايات المتحدة باتت تواجه أخطارًا متعددة ذات مصادر متنوعة، ليست كلها متوقعة، وأن الترسانة المتوفرة لا تحوي أسلحة دقيقة بشكل كاف، بل أسلحة قوية جدًا وذات قدرة محدودة جدًا على اختراق الأرض. وقد استعرض التقرير 1400 هدف تحت الأرض, واعتبر أنه ليس للأسلحة التقليدية قوة اختراق كافية لتدميرها وأوصى بضرورة العودة إلى التجارب النووية, من أجل تأمين زمن سير أطول للأسلحة البعيدة المدى ومن أجل إنجاز تصنيع الرؤوس النووية الجديدة. وقد وضع مشروع لائحة بأسماء سبع دول يمكن استخدام السلاح النووي التكتيكي من الجيل الجديد ضدها وهي روسيا والصين والعراق وإيران وكوريا الشمالية وليبيا وسوريا. وقد أشار "مايكل شايفز" الناطق باسم البنتاغون إلى أنه على واشنطن أن تعتمد إستراتيجية نووية تواجه بها مباشرة الأخطار المستجدة في حين ذكر "بول روبنسون" مدير مختبر "سانديا"، أنه سيكون بإمكان الولايات المتحدة أن تردع أعداءها بشكل أفضل إذا ما تضاءل الفرق بين الأسلحة النووية والأسلحة التقليدية. وفي شهر مايو 2005 كتبت صحيفة الـ "واشنطون بوست" تقول: قبل أن نبحث في كيفية تطوير ترسانتنا النووية العجوز علينا أن نناقش دور الأسلحة النووية ومدى أهميتها في الحفاظ على أمن الولايات المتحدة و استعرضت الصحيفة بعض النقاط من أجل الإشارة إلى أهمية الأسلحة النووية بالنسبة لأمن الولايات المتحدة ومستقبلها منها أن العديد من الدول يملك هذا النوع من الأسلحة والعديد من الدول الأخرى يسعى جاهدًا لامتلاكها كذلك فإن الأسلحة النووية التي بحوزة أمريكا اليوم لا تتماشى ومتطلبات العالم الحديث، فقد كانت مناسبة في إطار الحرب الباردة ولكنها أصبحت بائدة اليوم. وتتابع الصحيفة تعداد نقاط أخرى تشكل بنظرها دوافع مهمة كي تطور الولايات المتحدة برنامجها النووي وأهمها امتلاك الإرهابيين على حد تعبير الصحيفة أسرار صنع القنبلة النووية. وتعزز هذا المسعى بإصدار الوثيقة المعنونة (مبادىء العمليات النووية المشتركة ) بتاريخ 11/9/2005 بغرض توسيع هامش الاستخدام الميداني للأسلحة النووية الميدانية . وفي فبراير الماضي وقعت الولايات المتحدة اتفاقية خاصة بأنظمة المفاعلات السريعة المبرّدة بالصوديوم مع فرنسا واليابان مما يوفر إطارًا للتعاون بين الدول الثلاث في مجال الأبحاث والتطوير لصنع مفاعلات نووية متطورة. وجاء في بيان صحافي أصدرته وزارة الطاقة الأمريكية في 17 فبراير أن هذا الترتيب سيدعم تطوير تكنولوجيا ضمن شراكة الطاقة النووية العالمية التي تتزعمها الولايات المتحدة، والتي كان قد أعلنها وزير الطاقة الأمريكي "سامويل بودمان" في وقت سابق من هذا الشهر. وشراكة الطاقة النووية العالمية هي استراتيجية شاملة تهدف إلى زيادة الأمن الأمريكي والعالمي في مجال الطاقة وتشجيع التنمية النظيفة حول العالم وتقليص خطر انتشار الأسلحة النووية فضلاً عن تحسين البيئة. ولكن لماذا هذا التغير في السلوك الإستراتيجي الأمريكي النووي؟ يقول الدكتور "عماد الشعيبي" رئيس مركز المعطيات والدراسات الإستراتيجية بدمشق: إن مخاطر السياسة الجديدة التي تتبعها الولايات المتحدة تتجلى في اعتمادها سياسة لحظر نشر الأسلحة ليس عن طريق المعاهدات بل بالهجوم, فهي تتنكر جذريًا لفرضية الردع الكلاسيكية كي تنحو في اتجاه مخطط استخدام الأسلحة النووية وضرب النظام الذي ينتج أسلحة محظورة وتعطي الأولوية لنشر الأسلحة النووية. فخلال الحرب الباردة كان الخطر يتأتى من الأسلحة النووية السوفييتية, أما الآن فإن التحصينات تحت الأرضية لدى من يسمونهم (الديكتاتوريين) هي التي على ما يبدو يرتعد لها مسئولو الشئون الدفاعية في الولايات المتحدة, وهذا هو سر العمل في الكونغرس لاستصدار قرار يسمح باستخدام أسلحة نووية تكتيكية وكأنها أسلحة تقليدية. و في هذا الصدد يقول الباحث الأمريكي المعروف "أنتونى كوردسمان" في كتاب "تهديدات إستراتيجية"، إصدار مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن: "منذ نهاية الحرب الباردة تغير التهديد للولايات المتحدة من تهديد إستراتيجي إلى خليط من تهديدات جديدة، فأراضي الولايات المتحدة أصبحت الآن من المحتمل أن تُضرب نتيجة صراعات من أجل القوة في مسارح بعيدة عن أراضي الولايات المتحدة، وبسبب الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة بفتح قواتها على مسافات بعيدة في تلك المناطق ." ويعتقد البعض أن التغير في الموقف النووي قاصر على الولايات المتحدة، ولكن فرنسا "شيراك" دخلت أيضًا على هذا التغير الإستراتيجي النووي، فقد أفادت الأنباء يوم 20 يناير2006 أن الرئيس الفرنسي ألقى كلمة في القاعدة البحرية بجزيرة ليل لونج، قبالة سواحل مدينة برست، الواقعة في مقاطعة بريتانيا الفرنسية، وأنه أعلن في هذه الكلمة- بالنص – ما يلي: "يجب على قادة الدول الذين قد يلجأون إلى وسائل إرهابية ضدنا أو أولئك الذين قد يستخدمون أسلحة التدمير الشامل أن يدركوا أنهم يمكن أن يعرّضوا أنفسهم لرد صارم وملائم قد يكون بوسائل تقليدية أو ذات طبيعة أخرى". وأضاف شيراك: إن الإمدادات الإستراتيجية والدفاع عن الحلفاء هي من المصالح التي نعتبرها حيوية وتبرر بالتالي اللجوء إلى قوة الردع النووي ويذكر المحللون أن فرنسا كانت تعتبر حتى الآن أن المصالح الحيوية التي تبرر استخدام السلاح النووي مقتصرة على صون وحدة وسلامة الإقليم الداخلي للدولة الفرنسية وحماية السكان وكفالة ممارسة الدولة لسيادتها. كل ما سبق يعني أن الإستراتيجية الأمريكية الحالية هي عدم التوقف عن إنتاج الأسلحة النووية، ولكن ما يعرف بالنووية التكتيكية والتي تمكّن الولايات المتحدة من الرد على المجموعات الإرهابية أو الدول المارقة بالمنظور الأمريكي ،وليست هذه إستراتيجية أمريكية فقط، ولكنها إستراتيجية أوروبية قد تكون نتيجة تنسيق بين الأطراف المختلفة أو تكون نوعًا من إثبات القوة أمام الهيمنة الأمريكية . وإذا كانت الولايات المتحدة نجحت في إسقاط الاتحاد السوفيتي بما يمثله من قوة نووية هائلة دون إطلاق أية قوة نووية أوغير نووية؛ فإن الولايات المتحدة واثقة من أنها قادرة على من هو أقل منه شأنًا في ذلك المضمار . أهداف السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط : يجمع المراقبون السياسيون على وجود هذه الثلاثية من الأهداف التي تبغي الإدارة الأمريكية تحقيقها في المنطقة و هي: إسرائيل، والنفط، ومحاربة الإرهاب. ولكن خلافهم حول أولويات هذه الأهداف وترتيبها؛ والتي تصب في النهاية لتحقيق الهدف الرئيس الذي عبر عنه "بوش" في خطابه في احتفال البحرية الأمريكية في فلوريدا يوم 13/2/2003م بقوله: "نرغب أن نكون بلدًا فوق الجميع"، هذه الثلاثية في الأهداف نابعة من الشخصية الأمريكية التي جرى تشكلها عبر التاريخ الأمريكي منذ قدوم المهاجرين الإنجليز ونزول الرجل الأبيض على شواطئ ما عُرف فيما بعد باسم (أمريكا ) حيث شكلت ثلاثية "المال والقوة والدين"، الشخصية الأمريكية على مدار التاريخ، وعند تطبيق معالم الشخصية الأمريكية تلك على أهداف الإدارة الأمريكية بالنسبة للشرق الأوسط ؛تتجلى هذه الثلاثية بشكل قاطع، فالتراث الديني في أمريكا يستمد أصوله من المذهب البروتستانتي في انجلترا، وارتحل إلى أمريكا؛ والذي نشأ مع حركة الإصلاح الديني التي قادها "مارتن لوثر" في القرن السادس عشر، وأسهمت هذه الحركة في بعث اليهود من جديد، وبذلك نفهم الحرص الأمريكي على وجود إسرائيل، أما القوة الغاشمة الأمريكية وحرب الإبادة التي شنها الكاوبوي الأمريكي على سكان أمريكا الأصليين من الهنود الحمر تتجلى بشكلٍ صريح في الحرب التي تشنها على ما تزعمه أنه "إرهاب"، أما حبّ المال والسيطرة على مصادره؛ فإن تجلياتها الحديثة تظهر في حب السيطرة على منابع النفط و طرق الوصول إليه . ولكن ما هو موقع إيران من تلك الأهداف الأمريكية؟ بالنسبة للنفط فإن إيران من كبار منتجي النفط في العالم، و فضلا ًعن ذلك قربها من المنتجين الرئيسيين في الخليج، كما تطل بشواطئ طويلة على الخليج تمتد من الممتدة من عبدان وحتى المحيط الهندي، ومع وجود قوات بحرية قوية؛ فإنها تستطيع تهديد مرور نقلات النفط في الخليج، وسبق أن هددت بذلك فبعض التقارير العسكرية التي أقرت بها إيران، تفيد بأن إيران تمتلك غواصة لا يستطيع الرادار كشفها، كما أنها دأبت على تصنيع توربيدات محلية الصُنع قد تسبب أرقًا للبحرية الأمريكية في مياه الخليج الضحلة أساسًا، هذا بالإضافة إلى ترسانة صواريخ الأرض ـ أرض التي تمتلكها والممثلة بتوليفة صاروخية ذات تقنية روسية- صينية وشمال كورية ومحلية الصنع يقف على رأسها "شهاب" . وإسرائيل حاضرة بالنسبة للمنظور الأمريكي لإيران، فالإستراتيجية الأمريكية من ضمن خطوطها العريضة الحفاظ على أمن إسرائيل، وإيران تمتلك الكثير من المؤهلات العسكرية والبشرية والتقنية؛ ما يجعلها ندًا إقليميًا لإسرائيل مكافئًا لها. أما مكافحة الإرهاب فوجود إيران كمعْبرٍ من أفغانستان إلى العراق يشكل هاجسًا مهمًا بالنسبة لأمريكا التي تخوض حربًا ضروسًا مع الجماعات الجهادية والتي تنشط بشكل مكثف في كل من البلدين، و تغرق الجيوش الأمريكية في تلك المناطق حتى أذنيها! فضلاً عن التواجد الشيعي في كل من هذين البلدين . ولكن أين يقع السلاح النووي الإيراني إذن في الإستراتيجية الأمريكية ؟ باستعراض ما سبق نجد أن الولايات المتحدة تنظر إلى إيران بحجمها الإستراتيجي في المنظور الأمريكي كدولة موجودة على الخارطة وقوة لا يمكن تجاهلها بحال من الأحوال؛ ولذلك فإن الولايات المتحدة يمكن أن تغض النظر عن مستوى معين في التسليح النووي الإيراني وذلك من عدة منطلقات: أولاً: أن القوة الإيرانية لم تكن في يوم من الأيام خصمًا من الرصيد الإستراتيجي الأمريكي، بل كانت دائمًا تعزيزًا له وتكريسًا لوجوده . ثانيًا: أن المعلومات المتوفرة تدل على أنّ أمريكا نفسها ساهمت بشكل ما في البرنامج النووي الإيراني، فقد أشار تقرير لعروض الصحف البريطانية أذاعته الـ" بي بي سي" ـ نقلاً عن صحيفة الغارديان ـ تحت عنوان حماقة C.i.a التي ساعدت برنامج إيران النووي، والذي تحدث عن كتاب ٍلمراسل صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية "جيمس رايسن" لشئون المخابرات بعنوان الحرب على الإرهاب: التاريخ السري للسي آي إي وإدارة "بوش". ونقلت "الغارديان" عن الكتاب أنّ وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ربما ساعدت إيران في تصميم قنبلة نووية من خلال محاولة فاشلة لتسريب معلومات سرية مضللة تتعلق بتصميم قنبلة نووية إلى إيران. ويورد الكتاب أن العملية السرية ـ التي سميت "ميرلين" ـ والتي وافقت عليها إدارة الرئيس "بيل كلينتون" ارتدت على نحر المخابرات الأمريكية عندما قام عالم روسي منشق كان يعمل في برنامج نووي سوفييتي يتعاون مع C.i.a كُلّف بتسريب تلك المعلومات النووية السوفييتية التي تلاعبت فيها المخابرات الأمريكية إلى الإيرانيين بإعلام المسئولين في طهران في فبراير عام 2000 بوجود معلومات غير صحيحة في البيانات التي حصلوا عليها. ويقول المؤلف بحسب الـ بي بي سي: إن الهدف الأمريكي كان توجيه العلماء الإيرانيين الذين يعملون على تطوير سلاح نووي إيراني نحو طريق مسدود يصلون إليه بعد سنين من العمل الشاق غير المثمر. ويضيف "رايسن" أنه بدلا ًمن ذلك، ربما ساهمت العملية الفاشلة في تسريع تطوير إيران لبرنامجها النووي. وتتحدث الديلي تيليغراف عن نفس الموضوع في مقال بعنوان "أيدي C.i.a الخرقاء تسلم الإيرانيين دليلاً لصنع قنبلة نووية"، لكنها تورد فشلاً استخباراتيًا أمريكيًا آخر، على حد تعبير "رايسن"، وقع عام 2004، حيث يقول في كتابه: إن ضابطًا في C.i.a سلم عن غير قصد عبر رسالة مشفرة أحد العملاء الإيرانيين- الذي تبين لاحقًا أنه عميل مزدوج يعمل أيضًا مع المخابرات الإيرانية - معلومات أدت إلى إلقاء القبض على كافة العملاء المتعاونين مع C.i.a في إيران، و يرى "رايسن" أن السي.آي.إي ارتكبت أكبر حماقة في تاريخها الحديث مع إيران . ولكن من السذاجة بمكان تصور أن وكالة المخابرات الأمريكية بهذه الغفلة بحيث تمد إيران بمعلومات مغلوطة عن السلاح النووي أو أنها تكشف عميلاً لها للمخابرات الإيرانية. ثالثًا: تاريخ العلاقات الإيرانية الأمريكية لا يوحي بذلك التنافرالحقيقي، نعم تبادل الاتهامات والحملات الإعلامية كانت هي السمة البارزة في العلاقات بين الطرفين، ولكن متى كانت السياسة هي العلاقات الظاهرية خاصة في منطقتنا؟ فالبلدان يتمتعان بعلاقات تحالف وتوافق مصالح وتنسيق سري جرى منذ أيام سقوط الشاه، مرورًا بفضيحة الكونترا، حتى الوصول إلى التحالف لإسقاط "طالبان" ومن بعده نظام "صدام" . رابعًا: أمريكا خبرت جيدًا القنبلة النووية الباكستانية، وبدلاً من أن تكون عاملاً للقوة الباكستانية تستطيع أن تلعب به في الساحة الدولية لتعزيز مكانتها؛ أصبحت بعد 11 سبتمبر عبئًا ثقيلاً على باكستان نتيجة التهديد الأمريكي المبطن بتدميره أوالمشاركة بقصفه إذا لم تتعاون باكستان ضد "طالبان" والقاعدة، وهكذا يمكن أن يكون السلاح النووي ورقة سياسية في يد الإدارة الأمريكية، تبتز بها إيران وتجبرها على ترك أوراقها في أماكن أخرى . خامسًا: الولايات المتحدة تعلم جيدًا الأوراق التي تمتلكها حكومة "الملالي" في إيران فهناك النفط وخطوط نقله كما سبق وبيّنا، وهناك ورقة الانتحاريين الذين يمكن إرسالهم إلى دول مختلفة وإحداث القلاقل في هذه الدول، وهناك أيضًا أفغانستان وطائفة الهزارة الشيعية والصلة بين المخابرات الإيرانية وبعض زعماء الطاجيك، وهناك أيضًا شيعة الخليج والتأثير الإيراني عليهم، وهناك لبنان وحزب الله، بالإضافة إلى الورقة السورية، فضلاً عن الورقة الفلسطينية المتمثلة في دعم حماس بعد فوزها في الانتخابات، وأخطر هذه الورقات على الإطلاق هي الورقة العراقية وشيعة الجنوب، وفي المعلومات الاستخباراتية أنّ إيران استأجرت واشترت 2700 وحدة سكنية من البيوت والشقق والغرف في مختلف أنحاء العراق، وخاصة في "النجف"، و"كربلاء" ليسكن فيها رجال الاستخبارات الإيرانية ورجال "فيلق القدس" الاستخباراتي، ويشير حجم المساعدات النقدية الإيرانية المدفوعة إلى "مقتدى الصدر" وحده عدا التيارات الأخرى خلال الأشهر الأخيرة، أنّها تجاوز سقف 80 مليون دولار، إلى جانب تدريب رجاله، وإرسال معونات إنسانية شملت الغذاء والأدوية والمعدات والأثاث. كل هذه الأوراق تدفع واشنطن باتجاه واحد وهو التفاوض مع إيران لتبادل الأوراق السياسية معها. وإذا كانت أمريكا تعلم جيدًا بالبرنامج النووي الإيراني، بل ساهمت في إنشائه، فما سر هذه المشاحنات الإعلامية والتهديدات العسكرية والملاسنات السياسية، والتي وصلت إلى مجلس الأمن؟ الإجابة هي أنه لابد وأن هناك خلافًا بين الطرفين على المساومة على الأوراق السياسية المطروحة بينهم، ففي مقابل الأوراق الإيرانية السابقة الذكر، تملك أمريكا ورقة فعّالة وهي ورقة البرنامج النووي الإيراني ،ويشير أكثر المراقبين بأن صفقة يمكن أن تتم بين الطرفين، وأن الخلاف هو حول الأولويات فحسب بعض التقارير الإخبارية فإن الإيرانيين يريدون صفقة شاملة من النووي وحتى التفاصيل الاقتصادية والسياسية في شرق إيران وغربها وجنوبها وشمالها، والأمريكيون يفضلون الاتفاق على المسائل واحدة بعد أخرى من العراق وإلى لبنان . ويرى الدكتور "رضوان السيد" أن الولايات المتحدة الآن في مواقع الدفاع في الشرق الأوسط رغم جيوشها الضاربة في كل مكان ...تحتاج أمريكا إلى الاستقرار في العراق، وإلى الاستقرار في لبنان، وإلى الاستقرار في الخليج . وهكذا تحوّل الاضطراب البنّاء الذي تحدثت عنه "كوندوليزا رايس" لغير صالح الولايات المتحدة، وصار الاضطراب البناء ذاته عملة إيرانية صعبة تستطيع الكسب عن طريقه بتحريك أحجار الشطرنج دونما حاجة لإحراق أصابعها!. الموضوع الأصلي: الموقف الأمريكي من السلاح النووي الإيراني | | الكاتب: rashidhoa | | المصدر: شبكة بني عبس
|
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|
مواضيع مشابهة | ||||
الموضوع | الكاتب | القسم | الردود | آخر مشاركة |
موقع"ديبكا": السعوديون بصواريخهم يتحدون الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني | الوآآفي | المنتدى الإعلامــــي | 0 | 01-05-2014 11:14 PM |
التعاون النووي الإيراني – الروسي. | rashidhoa | المنتدى العــــــــــــــــام | 7 | 07-12-2007 11:54 AM |
قراءة إستراتيجية لأبعاد الملف النووي الإيراني | rashidhoa | المنتدى الإعلامــــي | 0 | 09-04-2007 12:19 PM |
موقف الاتحاد الأوروبي من الملف النووي الإيراني | rashidhoa | المنتدى الإعلامــــي | 0 | 09-04-2007 12:16 PM |
التعاون النووي الإيراني ـ الصيني. | rashidhoa | المنتدى العــــــــــــــــام | 4 | 08-04-2007 12:08 PM |