|
خيارات الموضوع | ابحث بهذا الموضوع |
|
الدكتور عبدالعزيز العثمان
تترسخ في مجتمع ما عادات وتقاليد تمليها ثقافة المجتمع عبر السنين، فتكون سمة واضحة فيه، ويمكن أن تكون في شعب، ويمكن أن تتركز في مجتمع صغير كمنطقة أو قبيلة. تلك العادة قد تبدأ من شخص واحد، فيسير الناس على أثره، فتتربى الأجيال عليها، وتكون جزءاً من شخصيتهم، فعندما يقال منطقة حائل جميعنا نتذكر الكرم الذي بدأه شخص فيها، وتواصل فيمن بعده. ومجتمعنا كله كريم بطبعه ولله الحمد، والكلمة تعني الكرم بكل شيء، وليس الكرم في الطعام فحسب، بل الكرم بالجاه وخدمة الآخرين، والكرم بالخلق الرفيع، بتقدير الناس والتواضع لهم، والكرم بمساعدة المحتاج مادياً أو معنوياً، وصور كثيرة للكرم يصعب حصرها. إلا أن الكرم بتقديم الطعام هو الأبرز عند الناس، ولكن قد يكون الكرم في الطعام مدخلا لمشكلة تصيب الإنسان، فلم يعد أكل الشحوم كرماً، ولكن في المقابل لا يمكن تقديم وجبة صحية للضيوف بدلاً عن "المفاطيح"، بدعوى التوجه للغذاء الصحي. ولكننا نأمل أن نغير هذه العادة يوما ما، هناك أمثلة على تحول الكرم إلى ضرر، فقد قال لي أحد الزملاء إن والده مصاب بالسكري، وقد دعاهم أحد الأقرباء إلى وليمة، ولما قدم الطعام لم يجد ما يناسب والده من الأطعمة التي تعود عليها. ومع أنه يمكن لمريض السكر أن يتناول القليل من الأرز، إلا أن طبيبه منعه من ذلك، اعتقادا منه أنه يشكل خطرا على مريض السكري، يقول الزميل "بعد الغداء قدم الشاي والنعناع وإذا فيه سكر، فتضايق والدي، وبدأ بعد تلك الوليمة يتردد عندما يدعى لوليمة خارج العائلة ". وهنا أقول للداعي.. تذكر أنه في الغالب سيكون أحد ضيوفك مصابا بالسكري، لانتشاره الكبير في مجتمعنا، وفي كل المجتمعات، فاعمل حسابا لمثل هؤلاء، بالذات إن كانوا كباراً في السن تعودوا على طعام خاص، بغض النظر عن ضرورته لمرضى السكري، فالبعض تعود على الأكلات الشعبية مثل القرصان والمرقوق كوجبة رئيسية، فإن لم يقدم له ذلك لا يستطيع تناول البديل، وأعتقد أنه من كمال الكرم الاهتمام بمثل هؤلاء. كبار السن يجب أن يعد لهم المكان المناسب، مثلا أن يقدم لهم الطعام على طاولة مناسبة الارتفاع، لأن جلوسهم على الأرض ثم قيامهم صعب، كذلك أن يحضر لهم الطعام، ولا يدعون له في صالة الطعام، كما نفعل نحن الآن. وتذكروا الآية الكريمة الدالة على كرم إبراهيم عليه السلام حين قال (فقربه إليهم قال ألا تأكلون)، فمن كمال الكرم تقديم الطعام للضيف، لا الدعوة للانتقال إليه. ويضطر أحد المدعوين لتناول غذاء منعه المرض عن تناوله، مثل مرضى ارتفاع الضغط أو الكلى أو الحساسية، أو أي أمراض مزمنة أخرى، ولكن الداعي يصر عليه بتناول هذا الغذاء أو ذاك، اعتقاداً منه أن ذلك من الكرم، مما يسبب للمدعو الحرج. والحقيقة أننا تعودنا على الإلحاح في الدعوة لكل شيء، فإذا لم يلح الداعي معناه أنه غير كريم. ونحن هنا لا نقول يجب أن نكون مثل بعض المجتمعات المناقضة لهذا تماماً، ولكنني أدعو للوسطية، ولنتذكر أن الإلحاح يسبب حرجاً ومأزقاً. وقد حكى لي أحد الزملاء المؤدبين جداً أنه دعي إلى منزل صديق له، وقدم له الشاي، فشرب فنجان الشاي (البيالة)، واكتفى، إلا أن صديقه أعاد ملأه دون مشاورة ضيفه، فاضطر الضيف إلى شربه، وكان صاحب المنزل مشغولاً، فلم يشرب مع ضيفه، وبعدها شكره الضيف وقال يكفي هذا، إلا أنه حلف عليه ليشرب الثالث، بالفعل شربه. وبعد نهاية اللقاء انصرف الضيف، وجلس المضيف وزوجته ليشربا شيئا من ذلك الشاي، وكانت المفاجأة أنهما اكتشفا أن الخادمة التي أعدت الشاي أضافت الملح بدلا من السكر، وتذكر ضيفه المسكين الذي أجبره عدة مرات على شرب المر. نتمنى أن يبادر ذو المراكز المرموقة والوجاهة والمؤثرون اجتماعياً لتبني الغذاء الصحي ولو تدريجياً، لأن الناس سيتخذونهم قدوات، والغذاء الصحي لا يتناقض مع عاداتنا، ولا حتى مع تقديم "المفاطيح"، بل يمكن تعديل بعض السلوك، لتكون صحتنا أفضل، وهو منتهى الكرم والوجاهة. فهل ستتضمن وليمتك المقبلة شيئا من الغذاء الصحي؟ الموضوع الأصلي: تـــقــديــر وضـــع الـــمــريــــض | | الكاتب: البدر المهاجر | | المصدر: شبكة بني عبس
|
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|