|
خيارات الموضوع |
|
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيهـ ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آلهـ وأصحابهـ إلى يوم الدين أما بعد: أيها المؤمنون: إن من مسائل التوحيد المهمة والتي يغفل عنها كثير من الناس بل حتى بعض من لهم حظ من العلم مسألة حسن الظن بالله ، وقد بوب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمهـ الله على هذهـ المسألة في كتاب التوحيد منبهاً بها على وجوب حسن الظن بالله لأن ذلكـ من واجبات التوحيد، ولذلكـ ذم الله من أساء الظن بهـ ، لأن حسن الظن بهـ مبني على العلم برحمة الله وعزتهـ وإحسانهـ وقدرتهـ وعلمهـ وحسن اختيارهـ وقوة التوكل عليهـ ، فإذا تم العلم بكل هذا أثمر حسن الظن بالله سبحانهـ. وفي الحديث القدسي قال الله تعالى ( أنا عند ظن عبدي بي ) الحديث . وعن الترمذي: ((حسن الظن بالله من حسن العبادة)). ومما يجلي أهمية هذا الأمر واقع الناس وحالهم مع حسن الظن بالله ، فمن الناس من اتكل على حسن ظنهـ بربهـ واعتمد عليهـ مع إقامتهـ على المعاصي متناسياً ما توعد الله بهـ من وقع في ما يسخطهـ ويغضبهـ ، غافلاً عن الخوف من الله حتى وقع في الغرور. قال ابن القيم رحمهـ الله: "ولا ريب أن حسن الظن إنما يكون مع الإحسان، فإن المحسن أحسن الظن بربهـ أن يجازيهـ على إحسانهـ وأن لا يخلف وعدهـ وأن يقبل توبتهـ ، وأما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعهـ من حسن الظن بربهـ" . وفي مقابل هذا الصنف من الناس صنف آخر على النقيض ساء ظنهـ بربهـ فاعتقد خلاف مقتضى أسمائهـ وصفاتهـ ، فوقع فيما وقع فيه الكفار والمنافقون الذين ظنوا بالله غير الحق ظن الجاهلية. قال ابن القيم رحمه الله في وصفهـ لحال هذا الصنف من الناس: "فأكثر الخلق بل كلهم إلا ما شاء الله يظنون بالله غير الحق ظن السوء، فإن غالب بني آدم يعتقد أنهـ مبخوس الحق ناقص الحظ وأنهـ يستحق فوق ما أعطاه الله ، ولسان حاله يقول: ظلمني ربي ومنعني ما أستحق ونفسهـ تشهد عليهـ وإن كان لسانهـ ينكرهـ ولا يتجاسر على التصريح بهـ . ومن فتش نفسهـ وتغلغل في معرفة دفائنها وطواياها رأى ذلك فيها. ولو فتشت من فتشتهـ لرأيت عندهـ تعنتاً على القدر وملامة لهـ، وأنهـ ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر". أيها المؤمنون: إن لحسن الظن بالله أثراً في حياة المؤمن وبعد مماتهـ ، فأما في حياتهـ فإن المؤمن حين يحسن الظن بربهـ لا يزال قلبهـ مطمئناً ونفسهـ آمنة راضية بقضاء الله وقدرهـ ، يتوقع الخير منهـ سبحانهـ دائماً في حال السراء والضراء. كما أن من أحسن الظن بربهـ فأيقن صدق وعدهـ وتمام أمرهـ وما أخبر بهـ من نصرة الدين والتمكين في الأرض للمؤمنين اجتهد نفسهـ في العمل لهذا الدين والدعوة إلى الله والجهاد في سبيلهـ بمالهـ ونفسهـ ، يقدم إقدام الواثق بنصر الله وموعودهـ لا يصدفهـ عن ذلك تسلط الكافرين وتخاذل المسلمين وضعفهم وهوانهم. وأما بعد الممات فإن لحسن الظن أثراً في مغفرة الذنب وقبول التوبة. فمن ظن أن الله يغفر لهـ ويتوب عليهـ فإن الله يكون عند ظن عبدهـ بهـ ولا يخيب رجاءهـ فيهـ. ولذا عتني السلف بهذا الأمر أشد الاعتناء، فكانوا أحرص الناس عليهـ وأكثرهم دعوة إليهـ وحثاً عليهـ ، قال ابن مسعود : (والذي لا إلهـ غيرهـ ما أعطي عبد مؤمن شيئاً خيراً من حسن الظن بالله عز وجل، والذي لا إلهـ غيرهـ لا يحسن عبد بالله عز وجل الظن إلا أعطاهـ الله ظنهـ ، ذلكـ بأن الخير بيدهـ). وكان سعيد بن جبير رحمهـ الله يدعو: "اللهم إني أسألكـ صدق التوكل عليكـ وحسن الظن بكـ". أيها المؤمنون: وكما أن حسن الظن بالله سمة المؤمنين في حياتهم تطمئن بهـ قلوبهم، فإن سوء الظن بالله أو ظن ما لا يليق بهـ سبحانهـ هو صفة المنافقين والمشركين قال الله تعالى: { ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء }. ولو تأمل المتأمل في أحوال كثيرٍ من الناس لظهرت لهـ صور وأحوال من الظن السيء بالله لا تخطر لهم على بال. فمن ظنباللهأنهـ إذا تضرع إليهـ وسألهـ واستعان بهـ وتوكل عليهـ أنهـ يخيبهـ ولا يعطيهـ ما سألهـ فقد ظن بهـ ظن السوء، فكم من الناس يدعو ويتضرع وفي نفسهـ أن لا يستجاب لهـ أقرب من أن يستجيباللهدعاءهـ وإن كان لا ينطبق بذلكـ لسانهـ. ومن ظن بالله أنهـ إذا تركـ شيئاً لأجلهـ طلباً لرضاهـ لم يعوضهـ الله خيراً فقد ظن بهـ ظن السوء. ومن ظن بهـ أنهـ ينال ما عندهـ من النعيم والرحمة والغفران بمعصيتهـ ومخالفتهـ كما ينال ذلكـ بطاعتهـ والتقرب إليهـ فقد ظن بهـ خلاف حكمتهـ وهو من ظن السوء. وكم من الناس ممن استهان بمحارم الله ولم يقم لها وزناً قد أسرف على نفسهـ بالمعاصي ، حين يكلم في تركـ ما حرم الله والقيام بأمر الله يتعلق بأحاديث من الرجاء يجعلها حاجزاً له عن التوبة دافعة له في الانهماك في معصية الله، وما علم المسكين أن هذا من الاغترار والأمن من مكر الله. ومن ظن أن الله يعذب أولياءهـ مع إخلاصهم ويسوي بينهم وبين أعدائهـ أو أنهـ يتركـ خلقهـ سدى بلا أمر ولا نهي أو أن لا يجمع عبيدهـ بعد موتهم للثواب والعقاب أو ظن أن الله يضيع عليهـ عملهـ الصالح الذي عملهـ خالصاً لوجههـ على وفق أمرهـ ، من ظن ذلكـ كلهـ فقد ظن بهـ ظن السوء. هذهـ صور من الظن السيء فيما يخص العبد نفسهـ وهناكـ ظن سيء فيما يخص غيرهـ. فكم من الناس يظن أن لن ينتصر هذا الدين ولن يتم أمرهـ أو يظن أنهـ لا يؤيد الله حزبهـ ويعليهم ويظفرهم بأعدائهـ ويظهرهم عليهم، ويظن كذلكـ أن الله يجعل الغلبة للباطل وأهلهـ على الحق وأهلهـ غلبة ظاهرة دائمة لا تقوم للحق بعدهـ قائمة. وكل هذا من ظن السوء بالله، وهو خلاف ما يليق بكمالهـ سبحانهـ وجلالهـ وصفاتهـ ونعوتهـ ، فإن حمدهـ وعزتهـ وحكمتهـ وإلاهيتهـ تأبى ذلكـ وتأبى أن يذل حزبهـ وجندهـ وأن تكون النصرة المستقرة والظفر الدائم لأعدائهـ المشركين بهـ، فمن ظن بهـ ذلكـ فما عرف الله ولا عرف أسماءهـ وصفاتهـ وكمالهـ، وقد دعا هؤلاء إلى مثل هذا الظن السيء بالله ما يشاهدونهـ من المحن والمآسي التي تصيب المسلمين في الشرق والغرب فما إن تنفرج محنة حتى تقوم أخرى فيستبطئ هؤلاء الفرج ويغفلون عن أسباب النصر والتمكين إضافة إلى ما بهر عقولهم من قوة العدو ومكرهـ غافلين عن قوة الله وعظمتهـ ومكرهـ بأعدائهـ. ولو تأمل هؤلاء التاريخ لظهر لهم مثل هذهـ الابتلاءات التي حلت بالمسلمين لحكمة أرادها الله ثم أعقبها الله بالنصر والتمكين لأوليائهـ حين حصل المقصود من البلاء، فهذهـ غزوة أحد قد حصل فيها الابتلاء للمؤمنين، وبين ظهرانيهم رسول الله كسرت رباعيتهـ وشج رأسهـ وقتل كوكبة من أصحابهـ وفر بعضهم حينها ظن المنافقون بالله ظن السوء. وكل هذا لحكمة أرادها الله ، فكان من حكمة هذا التقدير والابتلاء أن تميز صف المؤمنين وظهر المنافقون وتكلموا بما في نفوسهم،فلله كم من حكمة في هذا الحدث العظيم وكم فيها من تحذير وتخويف وإرشاد وتنبيهـ وتعريف بأسباب الخير والشر، وكل هذا قد حكاهـ الله في كتابهـ فكان أول الأمر محنة وآخرهـ منحة. وقل مثل ذلكـ فيما حدث في غزوة الأحزاب حيث زلزلت القلوب وبدا النفاق وقطعت اليهود المواثيق وحصل للمؤمنين ما حصل من البلاء فأعقبهم الله نصراً مبيناً وفرق شمل عدوهم وقذف الرعب في قلوب اليهود. ومثل ذلكـ ما حدث للمسلمين حين غزاهم التتار فحصل من الابتلاء ما الله بهـ عليم، ومثلهـ ما حصل للمسلمين بسبب الحملات الصليبية، وكل ذلك لحكمة أرادها الله فحصل من بعد ذلكـ نصر عظيم للمؤمنين قوض الله بهـ صروح الباطل وأحيا بهـ قلوب المؤمنين التي غلب عليها حب الدنيا والركون إلى أعدائهم، فكان بعد ذلكـ النصر والتمكين لأولياء الله. وما أشبه الليلة بالبارحة فما يصيب المسلمين اليوم في مشارق الأرض ومغاربها من تقتيل وتنكيل وتسلط لأعدائهم عليهم إنما هو لحكمة أرادها الله، فنظن بهـ سبحانهـ أن يكون ذلكـ إرهاصاً وتقدمة لعودة الأمة إلى دينها وتبصيراً لها بأعدائها من اليهود والنصارى والملحدين ممن لا يقيمون لدم المسلم وزنا، وإن تعالت صيحاتهم بالعدل والمساواة وحقوق الإنسان وتنبيهاً للأمة أيضاً بأن أعداءها لم يتخلوا عن توراتهم وإنجيلهم وعداواتهم وأحقادهم في الوقت الذي تخلت فيه الأمة عن العمل بكتابها وتاريخها، هذا ظننا بربنا أن يعلي كلمته وينصر دينهـ وهو سبحانهـ عند ظن عبادهـ بهـ. والله غالب على أمرهـ ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
|
|
|
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|
مواضيع مشابهة | ||||
الموضوع | الكاتب | القسم | الردود | آخر مشاركة |
الرزق والبلاء وحسن الظن بالله الشيخ المغامسي | كرستال11 | السمعيات والمرئيات الإسلاميه | 3 | 30-08-2014 05:32 PM |
الظن لامن خاب ! .. لاتقول لي : ليه ؟ وش فايدة ؟ .. تفهيمك الظن لاخاب ،،،،} ~ ق.ش | الجمره البارده | منتدى الشـــعــــر | 5 | 17-12-2011 05:22 PM |
حسن الظن بالله.. | عبدالسلام عارف | المنتدى الإسلامـــي | 3 | 06-08-2010 09:25 PM |
من الروائع في حسن الظن بالله عز وجل ..... | الداعية | المنتدى الإسلامـــي | 9 | 20-06-2008 07:38 PM |
سوء الظن | 161970 | المنتدى الإسلامـــي | 3 | 15-03-2008 01:53 AM |