|
خيارات الموضوع |
|
ندوات منهج التائبين : المحاضرة "08 / 30" : التحذير من المجاهرة بالذنب وما عواقبها ، لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بسم الله الرحمن الرحيم المذيع : بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه . أيها الإخوة المستمعون ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، نحييكم ، ونستهل وإياكم حلقة جديدة من برنامج منهج التائبين ، أرحب بفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، معنا في هذا البرنامج ، أهلاً ومرحباً بكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . فضيلة الشيخ ، حذّرنا في الحلقة الماضية من محقرات الذنوب ، أي أن يستصغر المرء الذنب ، فلا يلقي له أي بال ، وتتكاثر هذه الصغائر لتصبح كبائر ، الآن نحذر من ظاهرة أخرى ، ألا وهي المجاهرة بالذنب ، فما عواقب المجاهرة ؟ الأستاذ : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين . الحقيقة كما أن الطاعات تتفاوت مراتبها ودرجاتها بحسب العمال ذاتها ، وبحسب العامل ، وبحسب الوقت ، وبحسب السر ، وبحسب الجهر ، فالمعاصي أيضاً تتفاوت مراتبها وآثامها عند الله عز وجل ووزرها بحسب العامل الذي فعلها ، وحرمة الزمان ، وحرمة المكان ، والجهر والإسرار . مبدئياً هناك من يوصف بالمعصية ، وهناك من يوصف بالفجور ، ما الفرق بين العاصي والفاجر ؟ العاصي يفطر في رمضان فيما بينه وبين الله ، غلبته نفسه ، أو شق عليه الصيام ، أما المجاهر فهو الذي يفطر أمام الملأ ، وفي الطريق ، فالذي يرتكب معصية ، ويجهر بها يرتكب معصيتين ، يرتكب المعصية ذاتها ، ويرتكب معصية أخرى وهي المجاهرة بها ، إنه حينما اجترأ عن الله عز وجل ، وأظهر المعصية شجع ضعاف الإيمان أن يقترفوا هذه المعصية ، وأوضَحُ مثلٍ في رمضان ، فقبل خمسين عاماً تقريباً لا يجرؤ إنسان أن يتناول شيئاً في نهار رمضان ، أما حينما كثر العصاة والمفطرون صار تناول الطعام في نهار رمضان شيئًا سهلاً جداً ، المجاهر يشجع ضعاف الإيمان أن يقترفوا هذا الذنب ، يحملون إثمهم وإثم من قلدهم في هذا الذنب ، والمجاهر كما يقال : لا غيبة له ، اذكر الفاجر بما فيه يحذره الناس ، فهناك معصيتان ، المعصية الأساسية بحسب الشرع الإسلامي ، ومعصية أخرى هي الجهر بها ، لأن في الجهر بها تشجيعاً للناس على اقترافها ، لذلك عَنْ أَبٍي هُرَيْرَةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ((كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَيَقُولَ : يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ )) . (صحيح البخاري) المذيع : حتى ولو استفتى رجال الدين أو رجال العلم الشرعي ، وقال لهم : ارتكبت ذنباً ، فما الحكم في هذا ؟ الأستاذ : يجزئه أن يسأل الشيخ المفتي عن صديق له ارتكب ذنباً ، وقد كلفه أن يسأل له عن حكم هذا الذنب ، بهذه الطريقة يستر نفسه . المذيع : قد يرتكب ذنباً آخر بأنه يرتكب كذبة ، ولو كانت صغيرة . الأستاذ : لا ، هذا ليس كذباً مما نهى عنه الشرع ، يقول : لي صديق فعل كذا ، ما سمى اسم الصديق ، هو يوارّي عن نفسه ، في المعاريض مندوحة عن الكذب ، حينما كان النبي e يهاجر مع سيدنا الصديق ، وسأل رجل الصدِّيق : من هذا الرجل ؟ وكان دمه e مهدورًا ، ومئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، فقال الصدّيق : هو رجل يهديني السبيل ، فأنا حينما أقع ـ لا سمح الله ـ في معصية ، ولا أحب أن تشيع عني هذه المعصية ، وأسأل مفتياً حول حكمها ، أنا أواري بأن صديقاً لي سألني عن حكم هذا الذنب ، فما حكمه يا شيخنا العزيز ؟ الشيخ يعطي الحكم فقط ، دون أن يعرف هذا المستفتى أن الذي أمامه هو واقع في هذا الذنب ، هذا أسلوب مقبول عند الله عز وجل . المذيع : المجاهرة بالذنب هي معصية بحد ذاتها ، وفجورها اجتراء على الله سبحانه وتعالى ، ولكن ذكرتم أيضاً المعصية بحسب مكانها وزمانها ، أيْ للمكان حرمة وللزمان حرمة . الأستاذ : الذنب في المسجد له عقاب مضعّف ! والذنب في رمضان له عقاب مضاعف ، وتحرش بامرأة تلوذ بك لها عقاب مضاعف ، الذي يزني بحليلة جاره له عذاب مضاعف ، الذي يزني بالمغيب عنها زوجها عقابه مضعف ، كما أن الطاعات تتفاوت في ثوابها بحسب التضحية ، وبحسب الصبر والصوارف عنها ، كذلك المعاصي تتفاوت في إثمها ، فللزمان حرمة ، وللمكان حرمة ، وللشخص الذي عصيت الله معه حرمة . هذا الذي يدعّ اليتيم ذكره الله كنموذج لذنب كبير ، اليتيم ينبغي أن تحسن إليه ، فإن لم تحسن إليه فأنت بحقه عاص ، فكيف إذا ضربته ؟ فكل ذنب له مستوى . المذيع : ومن يرتكب الذنب في المسجد أو في المسجد الحرام . الأستاذ : في المسجد الحرام نية الذنب ذنب ! الله عز وجل لكرمه لا يحاسب إلا على العمل ، إلا في بيت الله الحرام . (سورة الحج) (سورة النور) (صحيح البخاري) تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك العمل في المقام شنيع لـو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب يطيع المذيع : الستر مطلوب والسؤال مطلوب . الأستاذ : اسأل واستتر ، فالمجاهرة الذنب ذنب آخر ، واجتراء على الله . توجد ملاحظة مهمة جداً : من هذه التي إذا زنت ترجم ؟ المذيع : التي تأتي وتقول : أنا زنيت . الأستاذ : معلوم لديكم أن الذي يزني وهو غير محصن يجلد مئة جلدة ، أما الذي يزني وهو محصن فيرجم حتى الموت ، لكن قد يسأل سائل : متى نقيم الحد على الزاني ؟ الزاني الذي يشهد أربعة رجال أنه زنى بشكل فاضح ، هذا الذي يزني أمام الناس يزني ، ولا يغلق الباب ، لمجرد أن يغلق الباب نجا من عقوبة الرجم ، فعقوبة الرجم ليست للزاني المحصن ، للزاني المحصن الفاجر ، الذي يزني على مرأى من الناس . المذيع : لكن ثبت في السيرة النبوية أن أحدهم جاء لرسول الله ، وقال له : إني زنيت . الأستاذ : هذا لا يتعارض مع ما قلت ، ذلك أن الإنسان ليس من واجبه الديني أن يعترف بذنبه ، لكن شدة الورع التي نجدها عند هؤلاء الأصحاب هي التي حملتهم أن يعترفوا بهذا الذنب ، أما كإنسان مسلم عادي فهل هو مكلف إذا وقع في ذنب أن ينقله إلى الإمام ؟ لا ، ليس مكلفاً ، يقبل ستر الله له ، لكن هناك حالات خاصة ، أنا أفرق دائماً بين الحكم الشرعي وبين الحالات الخاصة ، هذا الذي اعترف بذنبه ، وطلب من النبي e أن يرجمه حتى الموت هذه حالة خاصة . المذيع : إذاً لا تعد مجاهرة ؟ الأستاذ : لا هي من نوع آخر ، المسلم ليس مكلفاً أن يعترف بذنبه من دون أن يحقق معه ، لأنه قبِل ستر الله عز وجل ، هذه رحمة للعباد ، حينما أشعر أن الله ستره أعطاه فرصة . يروى أن أحد الرجال جاء سيدنا عمر متلبساً بالسرقة ، قال : والله هذه أول مرة ، قال : كذبت ، إن الله لا يفضح من أول مرة ، لعلها الثامنة ، فمن رحمة الله بالإنسان أنه يعطيه فرصة ، لذلك المؤمن حينما يتوب من الذنب يشعر أن الله ستره . سمعت أن أحد الرجال التقى سيدنا عمر ، وكانت أخته قد زنت ، وأقيم عليها حد الجلد ، جاءها خاطب ، فاستشار عمر ، قال : يا أمير المؤمنين ، أذكر له ما كان منها ؟ قال : والله لو ذكرت له لقتلتك ! إن الله يحب الستر ، فأنا لست مكلفاً أن أبوح بذنب سترني الله به ، الحكم الشرعي شيء ، والموقف الشخصي شيء آخر . سيدنا الصديق حينما شرب لبناً ، وعلم أنه من مال حرام تقيّأه ، التقيؤ حكم شرعي؟ لا موقف شخصي . سيدنا عمر حينما هاجر جهاراً ، وتحدى المشركين ، هل هذا حكم شرعي ؟ لا ، الحكم الشرعي فعله النبي eحينما هاجر سراً ، لو أن النبي eهاجر كعمر ، وتحدى المشركين لعدّ اقتحام الأخطار واجباً ، و لعدّ أخذ الحيطة حراماً ، و لهلكت أمته من بعده . النبي eمشرع ، وأنا أفرق دائماً بين الحكم الشرعي وبين الموقف الشخصي ، وقد يكون الموقف الشخصي راقياً جداً ، لكنه ليس حكماً شرعياً . المذيع : كالتي زنت ، وطلبت إقامة الحد عليها ، وقال عنها النبي صلى الله عليه وسلم وعن توبتها : إنها تعدل توبة أهل المدينة . الأستاذ : هذا صحيح ، ويسمى موقفًا شخصيًّا . نحن نخاطب عامة المسلمين ، لو أن إنسانًا ارتكب خطاً فليس مكلفاً أن يرفعه إلى أولي الأمر ، أما أولوا الأمر إذا رُفع إليهم فلا عفا الله عنهم إن عفوا ! إذا رفع هذا الخطأ الموجب للحد إلى أولي الأمر ينبغي أن يقيموا حدود الله عز وجل ، أما المسلم فليس له أن يرفع ذنبه إلى أولي الأمر مادام الله قد ستره ، أنا ألح على الستر ، أربعة أخماس الطريق إلى الله حقق بالستر . بالمناسبة أستاذ زياد ، الإنسان لا يغفر ! لو أن إنسانًا جاهر بذنبه ، وتاب منه بعد حين تبقى سمعته ملوثة إلى يوم القيامة ، وتبقى صورة الذنب ماثلة عند الناس إلى يوم القيامة ، فالبطولة أن أستر الذنب الذي ارتكبته في ساعة ضعف ، فإذا تبت إلى الله قبِل الله توبتي ، وبقيت سمعتي كما هي ، لكن الحالتين اللتين ذكرتهما من امرأة في عهد النبي eطلبت منه إقامة الحد ، ومن إنسان أيضاً طلب منه إقامة الحد ، وقد ذكر النبي eأنهما تابا توبة تسع أهل المدينة ، هذا موقف شخصي ، وأنا بينت الفرق بين الموقف الشخصي وبين الموقف الشرعي . مرة صحابيان وقعا في أسر مسيلمة الكذاب ، فمسيلمة هذا ادعى النبوة ، قال لأحدهما : أتشهد أني رسول الله ؟ فقال : ما سمعت شيئاً ، فقطع رأسه ، وقال للثاني : أتشهد أني رسول الله ؟ فشهد له أنه رسول الله ، الآن البطولة كيف شرح النبي eهذين الموقفين ؟ قال : أما الأول فقد أعز دين الله فأعزه الله ، ماذا نتوهم حال الثاني ؟ قال : وأما الثاني فقد قبل رخصة الله ، ما كلفه الله فوق ما يطيق ، فكأن الحد الأدنى أن تنجو برأسك من قتل بسبب دينك ، لكن الحد الأعلى أن تضحي من أجل الحق ، الحد الأدنى قسري ، والحد الأعلى طوعي ، أرأيت إلى عظمة هذا الدين ؟ ما كلفك فوق ما تطيق . الدين يسع المضحّين ويسع المعتدلين ، يسع المتفوقين ، ويسع أصحاب القصد والتوفيق ، فأنا حينما أطالب بمعصية ، وأهدد بالقتل ، لي أن أنجو من القتل بطريقة أو بأخرى ، ولا يؤاخذني الله عز وجل ، وسيدنا عمار حينما نطق بكلمة الكفر ، قال له النبي الكريم e: لا عليك ، فإن عادوا فعد . وقد قال الله في حقه : (سورة النحل) لكن كنت مرة أعلق على هذه القصة ، أن الأول أخذ أجراً كبيراً جداً ، الذي ضحى بحياته من أجل عقيدته ، وأما الثاني فقد أخذ أجراً ، لكنه قليل بحسب رغبته في السلامة ، ولكل درجات مما عملوا . نحن نريد من هذه الحلقة أن نؤكد أن الذنب ذنب ، وأن الجهر به ذنب آخر ، وأنك لست مكلفاً أن ترفع ذنبك لأولي الأمر ، لأنك لم تعبأ بستر الله لك ، لأن الله لحكمة أرادها أعطاك فرصة لكي تتوب ، وليس في إسلامنا شيء اسمه إشاعة الفاحشة ، والاعتراف بالذنب ، الذنب نتوب منه ، ولا نشيعه بين الناس . المذيع : نسأل الله العفو والعافية والمعافاة التامة في الدين والدنيا والآخرة ، نشكركم فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي ، وأشكر الإخوة المستمعين لحسن إصغائهم ، نتابع غداً بإذن الله تعالى حديثنا الذي سيكون التوبة النصوح الصادقة ، حتى الملتقى لكم التحية ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
|
|
جزاك الله خير
ويعطيك العافيه على هالطرح للدكتور النابلسي والله يستر علينا ويرحمنا
|
|
|
جزاك الله خير على هالموضوع موضوع مفيد وجميل
|
|
جزاك الله خير
ويعطيك العافيه على هالطرح للدكتور النابلسي والله يستر علينا ويرحمنا
|
|
|
|
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
خيارات الموضوع | |
|
|
مواضيع مشابهة | ||||
الموضوع | الكاتب | القسم | الردود | آخر مشاركة |
التحذير من مستحضر لعلاج الروماتيزم | رشيد | منتدى الصحه والتغذيه | 1 | 17-03-2015 02:49 AM |
التحذير من ؟ | بنت المحيش | المنتدى العــــــــــــــــام | 20 | 14-05-2011 12:46 AM |
طريقة نصب جديده وجب التحذير | (البالود) | المنتدى الإعلامــــي | 0 | 18-01-2009 10:24 PM |
ذي قار .... مع خالص((( التحذير))) | نادر بن مساعد | منتدى الشـــعــــر | 15 | 10-09-2008 01:48 AM |
معادلـــــه رهيبه .. عواقبها مصيبه.. | أبو نوح | المنتدى العــــــــــــــــام | 3 | 28-05-2008 09:29 PM |