|
خيارات الموضوع |
|
( الفوضى مشكلة كبرى )
المحتويات :: المقدمة . معنى الفوضى . مرادفات الفوضى . الفوضى صور ونماذج . أخطار وأضرار الفوضى . الأخطار والأضرار المتعدية للغير . العلل والأسباب . الفوضى مشكلة كبرى المقدمة هذا العنوان هو حقيقة نلمسها في حياتنا وعلاقاتنا ، ونراها في بيئاتنا ومجتمعاتنا ؛ فإن كثيراً منا يشكو من هذه الفوضى والعشوائية ، ونذكر فلاناً بأنه فوضوي أو عشوائي قد نقول : " إن به رجة أو هفة " أو " هو إرتجالي " أو نحو ذلك من المعاني ، والحقيقة أن تلمُّس بعض جانب الخطأ وبعض المظاهر السلبية أمر مهم ، نحتاج إليه دائماً ، ونحتاج إلى التذكير والتواصي به باستمرار ؛ لأن كثيراً من تلك الأخطاء أو الظواهر تتسلل الى واقعنا ، وتكون في بادئ الأمر غريبة أو نادرة شاذة ، ثم تنتشر شيئاً فشيئاً ، حتى تغدو مألوفة معروفة غير منكرة ولا مستهجنة ، ثم بعد ذلك تصبح متأصلة متجذرة مستعصية على التغيير ؛ حتى يستسلم الناس لها ، وتغدو بعد ذلك أصلاً خلافه هو الشذوذ وأمراً مقرراً معتبراً ما يعارضه هو الذي يلقى العناء والمشكلات . ولا شك أن مثل هذا خلل كبير ومشكلة حقيقة كبرى ، ومن ثم أردنا في مثل هذا اللقاء أن نسلط الضوء على هذه الظاهرة ، ولنا عود واستتمام - إن شاء الله - كما سأذكر في آخر اللقاء . سنقف هنا مع المعنى والمرادفات ، ثم نثنِّي بالصور والنماذج ، ونعرج بعد ذلك على الأخطار والأضرار ، ونختم بالعلل والأسباب ، ونعظ بعد ذلك بالوقايه والعلاج بمشيئة الله تعالى . معنى الفوضى قال ابن فارس في معجمه: ( فوّض ) الذي هو الأصل الثلاثي أصل صحيح يدل على اتكال في الأمر على الآخر ورده إليه ، ومنه قوله تعالى : { وأفوّض أمري الى الله } ، ومن ذلك قولنا : "باتوا فوضى" أي مختلطين ، ومعناه أن كلاً فوّض أمره الى الآخر فمعنى الفوضى مشتق من هذا الأصل الثلاثي ( فوض ) أي وكل الأمر إلى غيره ورده إليه ليسد عنه إعتماد على نفسه ، والفوضى تعني الإختلاط ، بحيث أن كل واحد قد اتكل على غيره فاختلط الأمر بحيث لم يعد مستباناً . وفي لسان العرب قال : فوّض إليه الأمر وسيَّره إليه ، وجعله حاكماً فيه ، وقوم فوضى مختلطون ، وقيل في معـنى القوم الفوضى : هم الذين لا أمير لهم ولا من يجمعهم قال الأفوه الأودي: لا يصلح القوم فوضى لا سراة لهم **** ولا سراة إذا جهالهم سادوا قال : وصار الناس فوضى أي متفرقين ، والوحش فوضى أي متفرقة تتردد ، وقوم فوضى أي متساوون لا رئيس لهم ، وأمرهم فوضى أي مختلط والمفاضله هي المساواة والمشاركة . من المعاني اللغوية للفوضى وإذا وقفنا على هذه المعاني نستطيع أن نلمح أن المحور التي تدور عليها أو يدور عليها معنى الفوضى بما هو في موضوعنا : أولا : الإتكال لا الإعتماد فالفوضى تعني الإتكاليه غير الإيجابية ، فتجد الفوضوي لا يعتمد على نفسه، بل غالباً ما يتكّل أو يعتمد أو يفوّض أو يرمي بالأمور والمهمات على غيره . ثانياً : الإختلاط لا الوضوح فتجد أمر الفوضوي مختلطاً لا يعرف له إلى سبيل الوضوح هدفاً أو غاية ، ولا يعرف طبيعة المهمة المناطه به أو الواجب الملقى على عاتقه ، أو المرتبط بعنقه بل عنده غبش في الرؤيا واختلاط فيها . ثالثاً : الإستواء لا التفاضل فعنده أن الأمور مع إختلاطها فيها تساوي - كما قلنا - فوضى أي متساوون لا رئيس لهم ، فعنده تستوي الأمور ، ليس عنده مهم وأهم ، ولا جد ولا هـزل ، فالفوضوي غالباً ما تجد الأمر المهم عنده تافه ، وأيضا قد يجعل التافه مهمّاً ، ولا يكون عنده ذلك التفريق ، بل كثير من الأمور المختلفة يجعلها عنده متساوية ، فليس عنده بالتالي ترتيب الأولويات . رابعاً : التفرق والتردد فأمور الفوضوية غالباً مبعثرة مختلطة غير منتظمة ولا مرتبة ، ومن ثم يكون حاله وشأنه التردد والحيرة، فمرة هنا ومرة هناك ، ومرة يبحث عن أمر عنده أو عن شيء قد امتلكه واقتناه، ولكنه لم يضعه في موضعه الصحيح . وهكذا تجد أن هذه المعاني من إتكالية وغبش ، أو عدم وضوح الرؤية ، وعدم تحديد الأولويات ، وعدم وضوح الغايات ، وغير ذلك كله سمة من سمات هذه الفوضوية . مرادفات الفوضى 1 - العشوائية لأن بعض الناس يقول فلان عشوائي - أي فوضوي - وأصله في اللغة يدل على ظُلمة وقلة وضوح في الشيء ، وهذا له كما نلاحظ تعلق وارتباط بالمعنى الذي سبقه ، ومن هنا يسمى العشاء عِشاء لماذا ؟ لأنه أول ظلمة الليل الذي تبدأ الرؤيا فيه تضعف ، ويبدأ الظلام يغطي على الأشياء ، والعشواء من النوق ، أو من الجمال هي التي كأنها لا تبصر ما أمامها، فتخبط كل شيء بيديها ، وشاهد هذا قول زهير المشهور : رأيت المنايا خبط عشواء من تصب **** تمته ومن تخطئ يعمَّر فيـهـرم ومن ذلك أيضاً في لغه العرب أنه" لفي عشواء من أمرهم " أي في نوع من عدم الوضوح ، و حصول الإختلاط وفي مختار الصحاح قال : " وركب فلان العشواء إذا خبط أمره على غير بصيرة ؛ لأنه يفعل الأمور وهو لا يعرفها كأنه لا يبصرها " . وفي لسان العرب : " عش الطير أوقدها ناراً لتعشى منها فيصيدها، يجعلها تفتقد الرؤيا فلا تستطيع أن تتخذ المسار الصحيح والهرب للنجـاة " . وعشى يعشو إذا ضعف بصره ، وفلان خابط خبط خبط عشواء يعني لا يحسن الأمر ، ومن الأمثال السائرة كما في اللسان " هو يخبط خبط عشواء " يضرب مثلاً للسائر الذي يركبرأسه ولا يهتم لعاقبته ، وتعاشى الرجل في أمره إذا تجاهل . وإذا أردنا أن نستخلص نجد أن جزء من هذه المعاني يرتبط بما سبق ، فهناك ضعف في البصيرة وعدم وضوح عدم تدبر للعواقب ، ومعرفة للغايات والأهداف . 2 ـ الإرتجالية وهناك هذا الأمر البيّن في الصلة بين الكلمتين ومعانيهما ، الإرتجالية أيضاً لفظة مرادفة ، وكما في مختار الصحاح : " إرتجال الخطبة والشعر إبتداؤهما من غير تهيئه قبل ذلك " ، والإرتجالي هو الذي يدع الأمر دون أن يستعد له أو يفكر فيه ويخطط له ، وارتجل الفرس إرتجالاً إذا خلط العنق بالهمجله ، يعني مع السرعة لا يحسن الإستمساك بالأمور على وجهها الصحيح ، ويقال - كما في لسان العرب - : " إرتجل الرجل إرتجالاً إذا ركب رجليه في حاجته ومضى " ، يعني الذي يمشي هكذا سريعاً مندفعاً دون الحاجة الى معرفة المسار وما يحتاج إليه ، ويقال : " إرتجل مارتجلت " أي اركب ما ركبت من الأمور ، يعني كما يقولون على كما تشاء ؛ فإن الأمر في الآخر عاقبته يعود عليك . 3 ـ الهفهفة وأيضا نحن نستخدم في بعض ألفاظنا العامية كلمات أحببت أن أذكرها ؛ لأنها من العربي الصحيح فيقولون عن فلان بأنه " مرجوج " أو " مهفوف" وهذا من الرجّة أو الهفة ، وهي كلمات صحيحة لها صلة أو قرب في المعنى من معنى الفوضى ، فالرجّة أصلها من الرجّ وهو أصل يدل على الإضطراب ، ويقال للضعفاء من الرجال الرجّاج أي الذي دائماً يضطرب ويتردد ، ضعيف في عقله فلا يستطيع التمييز والإختيار ، ضعيف في إرادته فلا يتسطيع العزم والحزم ، ضعيف في صبره فلا يستطيع الثبات والمواصلة ، فكل من كان عنده هذا الإضطراب وعدم الثبات في هذه النواحي وغيرها فهو في هذا الباب . وفي معجم ابن فارس : " الرجّ تحريك الشيء ، وارتجّ الكلام إذا التبس " ،ولذلك أيضاً هو من معنى الهفة ؛ لأن الهفّة أصلٌٌ يدل على خفة وسرعة في سير وصوت، وهفو أصل يدل على ذهاب الشيء في خفة وسرعة ، ومنه هفا الإنسان إذا زلّ ، لماذا يقولون هفا الإنسان ؟ هفا الهفوة هي الزلة لماذا ؟ لأنها تقع - كما يقولون - بسرعه وخفة من غير ذلك القصد ، الهفو أخف من المعصية وأخف من الخطيئة هي هفوة ، ولذلك يقولون سامح أخاك إذا هفى يعني الهفوة من الأمر اليسير الذي يكون سريعاً وعابراً . فهذه بعض المعاني لعل في بعضها كما قلت بعض الطرافة ، لكن لعل في ذكرها أيضاً بعض الفوائد . الفوضى صور ونماذج من صور فوضى الشباب والطلاب فوضى الحاجيات : نجد صوراً كثيراً من الفوضى في حياة الشباب والطلاب ، مثلا في الفوضى الدراسية تجد الكتب المبعثرة التي بعضهم - كما كنت - أتحدث مع بعض المدرسين في هذا اليوم يجعل كتبه في درج مكتبه طاولته في المدرسة حتى اليوم الثاني ، وأحياناً ينساها ، وأحياناً يعطيها غيره ، وأحياناً يضع الكتاب في غير مكانه فيبحث عنه فلا يجده .. ومثل ذلك - أيضاً - تجد الأدوات الناقصة فيذهب الى المدرسة أو الإختبار ، وليس معه قلم ، أو ليس عند دفتر ، أولم يحضر الكتاب ، أو أحياناً وهذا أصبح من الأمور التي لم تعد مستنكرة ، الأدوات فيها الحقيبة التي يحفظ فيها كتبه ودفاتره . من الفوضى أن لا يكون عنده ما يحفظ فيه ، لكن الآن أصبحت السجادة أو الحبل ، أو غيرها أصبحت حقيبة وكأنها يعني لم تعد شيئاً مستغرباً . فوضى التأجيل : أيضاً التأجيل والتسويف كثيراً ما يكون من أعظم أسباب الفوضى عند الطلاب ، أنه يؤجل مثلاً الإجابة على أسئلة الواجب حتى وقت متأخر ، وبعضهم يكون الواجب عنده في الحصة الرابعة أو الخامسة فيؤجله حتى فسحة اليوم الدراسي نفسه ، وبالتالي تجد عنده دائماً إضطراب وفوضى ، دفتر يحتاج أن ينقل من طالب آخر والواجب لم يقم بكتابته . فوضى في الإ ستمرار : وكذا أيضاً المذاكرة المتقطعة مرة يقول أن الرياضيات صعبة ، ويعطيها الوقت ليذاكره ، ثم يملّ منها فيرمي الرياضيات التي كانت عنده صعبه ومهمة ، ويقول - كما نسمع - : غداً تُفرج ، أو يحلّها الحلال ، أو غير ذلك مما يقول . فوضى في الرؤية والأهداف : أيضاً التنقل بين التخصصات ، وخاصة في المرحلة الجامعية ، بعض الطلاب يبدأ في الطب ثم إما لصعوبة ، وإمّا لاستطالة الطريق ينتقل الى العلوم ، بعد ذلك يجد العلوم يكتشف أنها لا تناسب ميوله ينتقل الى الإقتصاد ، وبعد ذلك يرى أن الإقتصاد في كسادٍ فيحوّل وينتقل ما بين التخصصات والأقسام ، ويضيع عليه ما يضيع في مثل هذا . فوضى فراغ : الذي يتوهمونه ويظنونه موجوداً عندهم ، فمرة يعني له أنه يجب عليه قتل الفراغ ينبغي أن يستثمرها في الرياضة وتقوية البدن ، فليسجل في الأندية وفي بعض مراكز التدريب وفي كذا ويهتم ، وبعد فترة يترك ذلك يقول: لا ! فالجلسات مع بعض الأصدقاء ، وتكون جلسات فارغة ، أو أحياناً يندفع الى ممارسات خاطئة في ركوب السيارات ، والتنزه في الطرقات ، والسير في الأسواق والمعاكسات والمغازلات ، ومرةً يجد أن هذا لا يحسن ، وبالتالي في كل مرة يخطر له خاطر ، وكأنه إناء فارغ حسبما يملأ به يمكن أن يملأ ثم يندلق ما فيه ويملأ بشيء آخر وهكذا . فوضى في الجِد : حتى أننا نجد فوضى في الجد أو في الأعمال الجادة، وقد نسميها فوضى الجادين، طالب أو شاب فيه خير وصلاح بعد سماع أو توجيه أو تشجيع أن يشرع في حفظ القرآن فيأتي الى حلقات التحفيظ ويواظب ويجدّ ، لكن بعد فترة ينقطع ويترك ، أو يبدأ من الأجزاء الأخيرة ثم يضطرب ، ويقول : لا من البداية أفضل ؛ لأنه من تجوز الصعب سهل عليه ما بعده ، والترتيب أحسن فيبدأ من الأول ، ثم يقول : لا! هناك السور التي فيها فضيلة ، والتي فيها تكرار كالكهف يوم الجمعة ، وكسورة تبارك وغيرها ، فأحفظ بعض السور ثم ارجع لذلك ثم لا يمسك هنا ولا يمسك هنا ويضع منه هذا ويضيع منه هذا، أحيانا أيضاً يقول دروس العلم وتجد عنده هجمة شرسة تغلب على فكره ، فإذا به يقول : العلم ، وطلب العلم ، وأهمية العلم ، وضرورة حفظ المتون ، وضرورة قراءة الكتب ، وضرورة حضور الدروس ، ويبدأ بأمور عالية ، وبحماسة زائدة ، ثم بعد ذلك ينقطع ، أو لا يفهم ، أو إذا لم يفهم يعني يحاول أن يفهم كما شاء ، أو يتعالم ثم بعد ذلك يترك . أو تكون عنده الحماسة في القراءة فيقرأ بعض الكتب الكبيرة والضخمة ، حتى يشعر بالنشوة والفائدة ، ثم يراها صعبه فيتركها فيأخذ بعض الكتب الصغيرة ، ثم يراها في نظره بسيطة أو سطحية ، أو يقرأ كتاباً من أوله ثم يرى أنه طويلاً فيتركه ، أو يقول : لا أنا أختار ما أحتاج إليه ، أو يقرأ بعض الفصول ، فتجد أيضاً حتى من يأخذ بالأعمال الجادة تجد أيضاً أن بعضهم عنده شيء من هذا الإضطراب، وأحياناً يقول : الهوايات تمنيتها وضرورة العناية بها ، فيجد أن الهوايه عنده مثلاً : في الخط ، أو في بعض الأعمال اليدوية أمر جيد ويرى أيضاً من الناحية الشرعية أنه أمر مفيد ، وأن المهنة أو الإحتراف أو الهواية جيدة بعد ذلك يتغير رأيه ، فيرى أن هذا مضيعة للوقت ، وأنه لابد أن يقضي وقته فيما هو أهلٌ له ، وتجد مثل هذه الصور أيضاًكثيرة ومنتشرة وموجودة . فوضى موظفين : ونجد أيضاً صوره أخرى كثيراً نلمسها ونعايشها في الإضطراب والفوضى والعشوائية والإرتجالية ، إلى غير ذلك ، فتجد الموظف عنده معاملات مهمة ، يأتي المراجع ويراجعه فيبحث ويبحث ، ثم يقول له : راجعني في يوم ثانٍ ، بعد أن يذهب الرجل يجد أن المعاملة في الدرج الذي لم يفتحه ! وما ذلك إلا أنه لا يرتب أو لا يكتب ، أو لا يدوِّن فيهمل ، وعنده فوضى ، وعدم إهتمام واتكال على أن الآخر هو الذي ينبغي أن يقوم بهذا العمل ، أو أن الآخر هو عليه العمل أو نحو ذلك . أيضاً صوره أخرى من الإضطراب في المواعيد المضيعة ، يعطي الموعد ثم لا يكون موجوداً ، أو يعطي موعداً ثم يكون مجازاً ، أو يعطي موعداً ثم يقول معه لم تنتهي الأوراق أيضاً ، ويقابل ذلك تجاوز وتخليط يتجاوز صلاحياته ، فيعمل عمل ليس عليه بأن يأتيه ، مثلاً إنسان يعزّ عليه أو صديقه فيجامله ، فيترك مكتبه ليقضي حاجة الآخر في مكاتب أخرى ، أو يدخل على الآخرين يمارس عملهم نيابة عنهم ، فيأتي الموظف الذي هو مكلف بهذا العمل يجد أن هناك عمل قد أُدي بالنيابة عنه ، وفيه خطأ ، أو تجد بعض هذه الجوانب أيضاً كثيرة . فوضى آباء : وعلى مستوى الأسرة أو دور الموظف أو الأب في أسرته تجد أيضاً في بعض النواحي أو السياسة الحالية التي ينتهجها ، مرة إسراف وتبذير ، ومرة إقتار وسوء تقدير ، مرة يقول لك : أنفق ما في الجيب ، يقول لك غداً يأتي مع رزقه ، ثم أحياناً يأتي وقد أسرف وضيّع بعض الأموال ، ويأتي أمام الحاجات فيضطر الى الديون ، والديون تركبه ديون أخرى ، وقد يبدأ بعد ذلك في مشكلات أخرى ، ويدخل - كما نرى - ونلمس يشتري السيارة بالتقسيط ، ويبيعها بالنقد ، ثم بعد ذلك يريد أن يخطط لهذا ، وتجد - كما يقولون - شبكة معقدة ومختلطة ، لا يعرف فيها رأسه من رجله ، حتى يمشي بعد ذلك وهو يكلّم نفسه من كثرة ما اختلط عليه الأمر ، واضطربت عليه الأحوال ، وانعدمت عنده الرؤيا . إضافة إلى فوضى في التعامل مع الأبناء مرة متابعة لصيقة ومتابعة شديدة ، ومرة حريةً موهومةً وثقةً مزعومةً ، وأحياناً غياب وتفريط وعدم سؤال ، ولا يعرف أحدهم عن ابنه في أي مرحلة هو ! فإذا جاء راسباً دعي بالويل والثبور وعظائم الأمور، وربما كان من حمقه أنه يرى أن ابنه عبقري ، وأن الذين رسّبوه هم الذين لا يفهمون ولا يدركون ، وتجد بعض الصور من الإختلال الذي نلمسه بشكل واضح في تدبير الأمور وتسييرها في الحياة التي يتولاها الأب أو ولي الأمر . فوضى نسائية : في مجال النساء والامهات .. وما أدراك ما مجال النساء والأمهات ! فإن الإختلاط والفوضى والعشوائية في هذا الجانب أكثر من غيره ، فإن الرجل في الغالب عنده حزم وجد أكثر لماذا ؟ لأن عليه مسؤلية وواجب أكبر ؛ وكذلك لأنه يتعب ويكدّ ، فغالباً يحسب حساباً أكبر ، أما المرأة بطبيعة وجودها فهي مكفولة محفوظة لها رعايتها وصيانتها ونفقتها ، فبعض النساء من لا تعي و لا تدرك تجد عندها صور عظيمة من الفوضى . ( من صور الفوضى عند النساء ) 1 ـ سهر الليل ونوم النهار : كثير من النساء خاصة التي ليس عندها عمل وكثيرات من ليس لهن عمل ، وإن كان العمل الأعظم هو القيام بشأن الأسرة ، ورعاية البيت ، وتربية الأبناء ، فتسهر في الليل ثم تنام في النهار حتى يملّ النوم منها ، ولا تقوم بأي عمل ولا إنجاز في تلك الفترة ، وربما كان عندها خادمة تعتمد عليها ، وتجد أن هذا يكفيها . 2 ـ سوء التنظيم وانعدام الترتيب في البيت : تجد - كما يقولون- البيت كأنه قطعة من الحراج ، شيء هنا وشيء هنا ، وشيء مبعثر وشيء ملقى ، والكلمة الأساسية لدى المرأة هي أنها أقدر وأكثر إهتماماً بالتنظيم والترتيب وحسن الرعاية ، ولا يكون تدبير البيت بمثل هذا . 3 ـ الزيارات الفارغة والمهمات التافهة : زيارات فارغة بعض النساء ليس عندهن هم إلا أن تذهب الى هذه وتلك والأخرى والأولى والثانية والثالثة .. في أمور لا طائل منها ، وزيارات لا فائدة من ورائها ، أو المهمات تجد بعض النساء مشغولة تقول لك : ليس عندي وقت فراغ وكذا .. ما هي المهمات التي عندها ، عندها مهمة أن تزور فلانة ؛ لأن عندها شيئاً معيّناً ، أو مهمتها أن تذهب الى السوق ؛ لأن هناك منتج جديد لا بد أن تراه وكذا وكذا الى آخر ذلك أيضاً . 4 ـ أولويات مختلطة : عندها أبناءها .. عندها مهمتها .. ومع ذلك تختلط عليها الأمور ، فتجد أنها لا تحسن المشاغل أو الإهتمامات ، مرة تجدها مهمومة ومشغولة ، وعندها تركيز وتجمع معلومات ، وتتصل وتشتري كتب ، وتذهب أحياناً للعيادات والأطباء ، ماذا عندها ؟ ما هو الموضوع الخطير الذي جعل هذا عندها إهتمام بالرشاقة والرجيم ؟ قيل لها أن عندك وزناً زائداً .. تذهب تبحث في الكتب والمجلات وتستشير الصديقات ، وتراجع العيادات لأجل هذا الأمر المهم أو الخطير ، وتضيع لوراء ذلك ربما أشياء كثيرة من تعليم أبناءها ، وتربيتهم ، ورعاية زوجها إلى غير ذلك . 5 ـ الصراخ الدائم : تجد بعض النساء لا تحل الأمور الا بالصراخ ، وإن كان الصراخ لا يحلّ الأمور فهي دائماً ساخطة .. تصيح بهذا ، وتصرخ على هذا ، وقد تشتم وقد تدعوا على هذا ! وهذا حال صعب ، ودليل على التخبط ، وعدم القدرة على حسم الأمور وعلاجها بالطريقة الناجحة ، فمثل هذه المرأة تجدها في قلق مستمر وفي شكوى دائمة تقول : أنا سأصنع ماذا ؟ أم ماذا عندي تربية الأولاد ، أم ترتيب البيت ، أم رعاية الزوج ، أم زيارة الصديقات ؟! وتجد دائماً هذه الفوضى والعلل؟ فوضى العلاقات الإجتماعية : المواعيد المختـلة شاع بين الناس أنك تأتي إليه في الموعد الذي ضربه لك فلا تجده ! ويأتيك بعد ساعة أو ساعتين وإبتسامته ملء وجهه، وإذا كنت غاضباً أو عاتباً تخطاك ببعض الجرعات الكلامية المخدرة : يا رجل لا تكبّر الأمور المسألة سهلة يعني ما فات ما الذي فات عليها الى آخر ذلك من الأمور هذه فوضى أيضاً . فوضى الزيارات المفاجئة : التي تأتي في كثير من الأحوال من غير موعد ولغير مهمة وغرض ثم تكون طويلة وثقيلة ومملة ومعطلة . فوضى الإنسان : لا بد أن يكون منظماً ومرتباً - كما سنذكر - الصلات الزائدة بعض الناس يقضون الأوقات الطويلة مع بعضهم البعض .. صداقه وزماله في أشياء تافهة .. في لعب أو في ضحك أو في كذا ، هذا أيضاً نوع من الفوضى ؛ لأنه سيضيّع مهمات أخرى ، وسيصرف وقته عن مهمات أخرى ، وسيقضي المهمات الأخرى في وقت أقل مما ينبغي أن تقضى فيه ، وبالتالي لن تقضي على الوجه المطلوب الى آخر ذلك . التقيد بالأنظمة فوضى : كل سائق سيارة يقف كما يشاء ، وكل صاحب بيت يفعل كما يحب ، وتجد كثيراً من الصور والمظاهر التي تتعلق بهذا . ( الصلات والتوجيهات التربوية فوضى ) فيها خلل في كثير من أحوالها فتجد هناك خلل يظهر في : 1 ـ الإستمرار والإنقطاع : تجد بعض المربين أو الموجهين أو حتى الذين يمارسون التربية والتعليم، مرة يهتم ويعتني ويستمر وبعد ذلك يقطع ويهمل ويترك . 2 ـ التنقل والإختلاف : فمرة يركّز على جانب العبادة والروحانية وأهميتها، ومرة يهمل ذلك ويركز على جانب الثقافة والفكر ، ومرة يختل ويختلف عنده الأمر . 3 ـ العجلة والإرتجال : لا تجد عنده صورة واضحة ، ولا منهج متدرج ولا طريقة ، يعني أسلوب مدروس حتى يحقق الغاية . 4 ـ التأثر والتغير : يتأثر بالبيئة فمرةً يميناً ومرةً شمالا ً ويتغير ، المربي هو الذي يفرض أو يوجد الأسلوب أو الطريقة أو السلوك الذي ينبغي أن يكون، ويقاوم المؤثرات السلبية التي تعادي أو تضاد هذا السلوك ، أما العكس أن يكون هو متأثراً بالبيئة ويعتبر هذا إشكال كبير . فوضى التفلت والتمرد : كثير من الناس فيهم خير ، لكنه لا يحب أن يكون جاداً أو منظماً أو منضبطاً يحب التفلّت، يحب أن يقرأ وقت ما شاء يحب أن يمارس العمل وقت ما يحب دون أن يكون متعاوناً أو متجاوباً أو متكاملاً ، وإذا أدى دوراً منفرداً فغالباً ما يكون مضطرباً ؛ لأنه يسير وفق ما يحلو له أو بحسب ما ما تشاء ظروفه . فوضى النظرات الفكرية : للأسف فيها فوضى ، فمرة يتأثر ببعض الشخصيات ، أو ببعض المذاهب فيوافق ويتحمس ، وتجده يتبنى هذا الجانب أو هذا الأسلوب أو هذا الفكر ، كما رأينا في فترات طويلة مما عمّ كثيراً من البلاد الإسلامية .. مرة شرّقوا مع القومية ، ومرة غرّبوا مع الإشتراكية ، وكأن هذا الفكر خفيف للعقل ، كما يقولون : ريش تطير مع الريح كيفما شاءت ، وأحياناً هذا الذي إمتدحه أو هذا الكتاب الذي استحسنه ربما بعد ذلك يتغير فكره ويخالف ، فبعد موافقة أكيدة تجد مخالفة شديدة ، وأحياناً تجد تشتت وتحيّر ، وكثيراً ما تجد هذا - وهو صورة من صور الفوضى العشوائية - وكما قلت: الصور والنماذج كثيرة وهذا الذي مثلنا به لعله يكون نموذجاً لغيره . أخطار وأضرار الفوضى : لاشك أن هذه الفوضى مشكلة كبرى - كما ذكرنا في عنوان هذا الدرس - ولها آثار سلبية كثيرة على الفوضوي وعلى الآخرين ، أما الآثار والأخطار والأضرار بالنسبة للفوضوي نفسه فكثيره منها : ( الأضرار الذاتية ) الضرر الأول : إضاعة وتبديد الأوقات والوقت أشـرف مـا عنيت بحفظه **** وأراه أسـهل ما عليك يـضيع والرسول - عليه الصلاة والسلام - قد قال : ( اغتنم خمساً قبل خمس حياتك قبل موتك وشبابك قبل هرمك ) والوقت يُسأل عنه الإنسان .. يُسأل عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه .. هذا كله مما يُسأل عنه الإنسان ، ومثل هذه الفوضوية فيها تضييع للوقت ، كما ذكرنا هذه الصورة أحيانا يحتاج الى ورقة قد كتبها مثلاً قد كتبها ولخّصها ليستفيد منها . لكنه نظراً للفوضوية لا يحفظها في مكانها ، وفي وضعها ، وفي ترتيبها ، فماذا يصنع إذا أرادها ؟ ظلّ يبحث عنها ، وربما استغرق بحثه نصف ساعة أو ساعة وقد لا يجدها ، فيحتاج أن يعيد هذا العمل إليه ، ومطلوب منه أو هو محتاج إليه ، فيقرأ مرة أخرى ، أو يكتب مرة أخرى ، وبعد أن ينتهي يجد الورقة الأولى فيجد أنه يضيع الوقت دونما فائدة أو يبدأ في شيء ثم ينقطع ، ثم يبدأ في آخر وينقطع أو يغير ، كما قلنا في التخصصات مثل : طالب الجامعة يتخرج من القسم الذي الدراسة فيه أربع سنوات يتخرج بعد ثمان سنوات كما يتندر بعض الطلاب على هؤلاء بإن هم تخرجوا - كما يقولون - بأقدمية أو تخرّج بكفاءة عالية ، وكأنه ضاعف هذه ، والأصل أنه يتخرج في نصف هذا الوقت أو أقل من ذلك ، فهذه الأوقات كثيرة تضيع بمثل هذه الفوضى العارمة الضاربة الأطناب . الضرر الثاني : انعدام أو قلة الإنجازات الفوضوي قلما ينجز .. يقرأ كتاباً ويقف يحضِّر درساً وينقطع .. يشرع في الحفظ ويتوقف ، أو يذهب هنا ثم يغيّر ، لا يكون عنده ثمرة ، والثمرة إذا كانت أحياناً تكون قليلة أو بطيئة ، حتى في المدارس مثل الجامعة بعضهم كما يقولون : يأخذ السنة في سنتين فيأخذ المتوسطة في ست سنوات ما شاء الله ويتخرج وهو أنجز لكن أنجز متى ببطء وقلة وتخلف ، والسبب هو مثل هذه الفوضى وعدم الجدية وعدم الإنجاز ، وكثيراً ما تجد كثير - وللأسف - من الشباب وكثير حتى من الرجال والآباء ، حتى بعض من عندهم شيء من الأهداف أو الغايات ، وإن كان فيها خطأ أو قصور لكن لا يسيرون نحوها ، أو يسيرون سيراً ملتوياً ، نحن نعرف أن الخط المستقيم أقصر الطرق ، فهو يذهب يميناً ويذهب يساراً ، ويذهب في إنحناء أو في دوران ، ثم في كثيرٍ من الأحوال - كما يقولون - تجده يراوح في مكانه ، فالذي يمشي خطوة الى الإمام وخطوة الى الخلف هو في مكانه لم يتحرك . ولذلك من أسوأ الآثار وأخطر الأضرار عدم الإنجاز ، وهذا يشكّل سبب أو سلبية لما بعده . الضرر الثالث : الإحباط والفشل عندما يريد أن يحفظ فلا يحفظ وعندما يريد أن ينجح فلا ينجح وعندما يريد أن يتقدم فلا يحصل له خاصة بعد فترة من الزمن، أحياناً في وقت الفوضوي لا يشعر بمرور الزمن ، لكن هذا الطالب الذي يأتي وقد بلغ العشرين ، وهذا ما يزال في الثانوية أو المتوسطة ينظر الى سنوات عمره والفوضى والإضطراب الذي كان فيها ، فيشعر أن العمر قد ضاع ، والمستقبل - كما يقولون - أصبح في خبر كان .. هذا يجعله يصاب بالخوف والإحباط ، والشعور بالفشل ، والإتهام للنفس ، والنقد الشديد لذاته ، ويصبح - كما يقولون - بعد ذلك كالإنسان الذي جاءه من يضربه حتى أنهك قواه ، فهو يعني محبط ومزعزع الثقة في نفسه ، وقد سُدت في وجهه ـ على تقلب من ناحية نفسية ـ أبواب الأمل ، وانقطع عنده النظر أو الطموح إلى المستقبل ، وكل ذلك له أثر من هذه الفوضى . الضرر الرابع : العجز والكسل نتيجة لهذا الإحباط يشعر أنه عاجز مع أن عنده طاقة وعنده إمكانية ويميل الى الكسل ما دام قد مرت هذه السنوات ولم ينجز في دراستة لم ينجز في عمله ، لم ينجز في تربية أبناءه ، لم ينجز في تحقيق آماله ، لم ينجز في سياسته الإقتصادية فيكسل ويقول : ما مضى في الوقت الذي سلف لم أحقق هذا فكيف سأحقق الآن ؟ إذاً لا داعي ، والراحة أفضل ، وما الذي سيصنعه الإنسان ونحو ذلك أيضاً ، هو من أثر الإحباط يشعر بأنه عاجز ، وإن كان في الحقيقة قادر ولكن عجزه ناشئ من هذا الإحباط وذلك الفشل . الضرر الخامس : فقدان المواهب والملكات الذي يبدأ في شيء مما يكون يحسنه ثم يتركه الى غيره ويختلط عليه الأمر شيئاً فشيئاً ، فتضمر تلك المواهب ، ونحن نعرف أن الموهبة تتطور وتنمو بالممارسة وبالتغذية لها من الناحية العلمية والناحية العملية ، فلو كان إنسان عنده مهارة في الكتاب - مثلاً - فكُلَما كتب ومارس كلما ارتفع مستواه أما أن يكتب مرة ومرة لا يفعل أو يضطرب -كما قلنا - فإنه شيئاً فشيئاً سيجد أنه يفقد هذه الموهبة ، وتضيع منه تلك الملَكَة ويخسر هذه الأمور التي ربما كانت فيه أمراً فطرياً وجبلياً ، و كم نرى من كان يتقن أموره ويحسنها ، ثم لم يستثمر هذا المجال ويحدد مساره فيه ، ويختلط عليه الأمر ، وبعد ذلك لا يجد هذا ولا ذاك . الضرر السادس : ضياع الأهداف والغايات كثيراً ما يكون الفوضوي ليس عنده هدف ولا غاية ؛ لأنه متردد متحير متغير متنقل ، وبالتالي لا يكون عنده هذا الوضوح في الأهداف والغايات . الضرر السابع : ضعف الثقة وسوء السمعة كما قلنا يكون ضعيف الثقة بنفسه ، وينال سمعة سيئة بين الناس ، فإذا جاء أحد ليتعاون معه قلنا له : لا تتعاون معه ؛ فإنه فوضوي .. لا تعتمد عليه ؛ فإنه اتكالي .. لا تعوّل عليه ؛ فإنه إرتجالي .. إلى آخر الأمور تجد هذا الأمر واضح وبيّن فيما يتعلق به . الأخطار والأضرار المتعدية للغير : بالنسبة للآخرين لأن الفوضوي هذا ينشر بعض الأضرار ويبعثرها على الآخرين من الأضرار التي تمس الآخرين من حوله والمجتمع من حوله أمور منها : أولاً : القلق والإنزعاج تجد الذين يتعاملون معه من حوله دائماً في قلق لا يتوقعون ماذ سيصدر منه، فيفعل الأمور فكما يخطر في باله يأتي ليزورك في وقت مزعج وفي وقت تحتاج إليه ، أو قد يكون يأتيك بعد كل فترة بفكرة أو بخاطرة أو يريدك أن تأتي معه دائماً لا تستطيع إذا كانت متعاملاً معه إلا أن تشعر بالقلق والإنزعاج الذي يحصل من معاملته لك . ثانياً : الإرباك والإضطراب قد تكون لك معه حاجة أو طبيعة عمل تقتضي التعاون معه ، فيسبب لك إرباكاً واضطراباً ، ويعطيك الموعد ولا يلتزمه ، ويعدك بالإنجاز ولا يحققه ، فتبقى تبني على وعد ، فأنت قد اعتمدت أنك تأتي للموظف ، وتاخذ المعاملة وتسافر بعد ذلك مثلاً فيأتيك الموظف ويقول لك من فوضويته .. عندي معاملة أو لم أجدها أو نسيتها بالامس أو نحو ذلك ، فيربك عمل سفرك فتشعر بالإضطراب ، يجعل الأمور من حولك غير مستقره أيضاً . ثالثاً : المعارضة والمعاتبة مما يسبب ذلك أن الإحتجاج والإعتراض نتيجة الخلل ، فيحصل نوع من الإختلاف ، وربما يحصل ملاحاته بالكلام ، وما يحصل من تلاحم بالأيدي ؛ لأن هذا الفوضوي يزعج الناس ، وبالتالي أحياناً يخرجون عن طورهم في معارضتهم أو معاتبتهم ، ويحصل بذلك نوع من تفرّق في الصفوف ، واختلاف في القلوب ، وشحناء في النفوس ، ونحو ذلك من الأمور التي تضطرب بها أحوال المجتمعات رغم التأخر والتخلف . أمتنا الإسلامية اليوم نعلم يقيناً أنها من الناحية الحياتية - كما يقولون - متأخرة عن الأمم المتقدمة فتحتاج إلى جدّ وعزم ، وإلى إنجاز وإلى مضاعفة في الجهود ، فكيف إذا كان هناك فوضى سينـعكس على أن المجتمع كله فوضوي ؟ وبالتالي الأمة تتأخر ولا تتقدم ، وتتخلف ولا تتسابق ، الذي يرى ويبصر يجد أننا نحن نشيع هذه الحالة ونشكو منها ، تجد على سبيل المثال من الفوضى عدم إلتزام النظام، الناس يقفون خلف بعضهم ليحصلوا على حاجاتهموتجدهم إذا كانوا كما أشرنا مرة في السلوك الحضاري إذا كان في بلد أجنبي يلتزم نظام ويقف في المسار الصحيح ، أما كما يريد وكما يفعل في بلده بأن يتسلل أو أن يراوغ ، وبالتالي ما الذي يحصل؟ يحصل أن الأمور عندنا لا تستطيع أن تعتمد فيها على النظام ، ولا تستطيع أن تؤدي المنجزات ، تختل بسبب الفوضى طبيعة عملية العمل والإنجاز في المجتمع كله في دراسات علمية فرقوا بين الإنجاز والعمل والجدية . في بعض المجتمعات أذكر بعض الأمثلة ، لذلك ذكرت بعض الإحصائيات أن العامل الياباني يعطي إنجازاً وكفاءة تعادل ثلاثة من الأمريكيين ، طبعاً إذا وصلنا أيضاً بالمقارنات الى أوضاعنا نجد أن الأرقام تتضاعف ، لكن في دراسة أخرى نظام العامل ثماني ساعات ، ثم قالوا الموظف يأتي متأخر بوقت قليل ، وقد ينصرف قبل ذلك ، ويقضي بعض الوقت في شرب الشاي ، وبعض الوقت في قراءة الجرائد ، وبعض الوقت في دورة المياه ، وبعض الوقت في كذا .. في دراسة معينة طبعاً قد يكون فيها مبالغة وإن كانت معروضة على كبير ! لفت النظر الى الظاهر تؤدي الدراسة الى أن الوقت الحقيقي الذي ينجز فيه العمل من الساعات الثماني هو ساعة واحدة من ثمان ساعات ! والحقيقة ليس هذا مبالغة في كثير من الأحوال تجد بالفعل إن العمل ساعة واحدة . ذهبت مرة من المرات الى بعض البلاد للبحث عن بعض الكتب أو المخطوطات، فذهب الى إحدى الجهات العلمية المختصة بالمخطوطات ، وذهبت وقد انقضى النهار ، دخلت الى المقر أو المعهد أو المبنى لم أجد فيه صوتاً ولاحركة ، فدخلت الحجرة والحجرة ومكان الأجهزة لم أجد أحداً فتعجبت ! في أثناء البحث وجدت غرفة ففتحتها ، فإذا فيها الموظفون والموظفات مجتمعون على طعام الإفطار .. طبعاً تركوا الأعمال والمهمات .. هذا جزء من الفوضى وجزء من الإتكالية ، وجزء من غياب المسؤلية ، وتجد مثل هذا كأنه أصبح -كما قلت - في البداية مقرر تأتي الى الموظف ، يقول لك : لو سمحت بعد نصف ساعة ؛ لأن الآن وقت إفطار ! هل وقت الأفطار جاء في وقت الدوام ؟ أصبحت هذه الأمور فتجد التخلف والتأخر وعدم الإنجاز ناشئ عن وجود الفوضى والإقرار بها ، وتطبيعها ، وتطبيع العلاقة معها ، إذا كان الموظف يقرأ في الجريدة فمن الذوق أن تنظره حتى يتم قراءتها ، من سوء الأدب أن تقول له : لو سمحت نحّي الجريدة واقضي معاملتي أو أنجز عملي . وهكذا تجد أن هذه الأمور ليست هي متعلقة بالشخص الواحد وإنما تمس المجتمع بشكل أوسع . العلل والأسباب العلة الأولى : ضعف التربية وينـشـأ نـاشـئ الفتيان فينا **** على مـا كـان عـوده أبـوه فالذي يرى والده ووالدته ينامان النهار كله، ويستيقظان بعد وقت طويل ، وما يزال الكسل يدبّ فيهما ، ويرى الفوضى ضاربة أطنابها في البيت ، والأمور مبعثرة ، وإذا أرد أن يحافظ على أشياءه المبعثرة ، أو إذا اشتكى كان هو الملوم معه والمعاتب ، وإذا أحسن وأتقن لم يجد من يشجعه بل يتهم بالأنانية ونحو ذلك . ظواهر ضعف التربية : أ- عدم الحزم والجدية في أسلوب التربية من الآباء والأمهات -كما يقولون - ينشئ الفتى على هواه ، على مزاجه هذا يعوِّده على أخذ الأمور بنوع من اللامبالاة عدم إدراك المسؤلية وعدم تدريبه على تحمل المسؤلية هو مهمته ماذا ؟ أن ياكل وأن يشرب، ثيابه إذا اتسخت عليه أن يلقيها، فراشه إذا استيقظ هناك من يرتبه وليست مسؤليته ، ولا يكون هذا في شؤنه الخاصة ، بل حتى عندما يكبر لا يحمل مسؤلية ولا يُعتمد عليه دائماً، يقال إنه صغير دائماً يقال إنه كذا فينشأ أيضاً وليست عنده مسؤلية . ب - وضوح الأهداف والغايات بالنظر العليا والقدوات الصحيحة ، عندما يكون المثل أو القدوة مختلاً وينشأ المقتدي أيضاً مختلاً ، لو جعلنا قدواتنا من العلماء وطلبة العلم وجددنا المسار يمكن أن تتوجه الطاقات عند الفتى أو الفتاة أو عند الناشئ الى ذلك ، فيبدأ يبرمج أوقاته ليحقق هذه الغاية عندما نجعل الغاية أو المثل، ونوضح له القدوة في القوة والعزم والإنتاج والعمل والكدح في هذه الحياة الدنيا ، وكيف كان من قبله ونحو ذلك ، نجد أن هذا يمكن أن يجعله يستنفر طاقته في هذا المجال . عندما تكون الأمور ليس فيها مثل هذا يحصل مثل هذا الإضطراب، يحتاج الى أن يكون هنا كنوع من التعليم مع التربية ، التعليم يحتاج الى تلقين المفاهيم في الصغر ، والتعويد على الأعمال وتنمية القدرة على التمييز بين الخير والشر والحسن والقبيح ، والأفضل والجيّد والردئ ؛ حتى يستطيع أن يكون من خلال هذا التمييز لا يحب لنفسه الدون ، ولا يحب أن يكون هازلاً ، ولا يحب أن يكون تافهاً ، لكن عندما التربية لا تعطيها انطباعاً بأن التفاهة وأن الهزل وأن ضياع الأوقات شيئ غير محبوب ؛ فإنه لا يرى في هذا غضاضة ، وبالتالي التربية والمحضن الأول مهم جداً في مثل هذا الأمر الذي تضييعه وضعفه يؤثر هذا التاثير الكبير . العلة الثانية : البيئة الفوضوية أشرت هناك الأسرة ، وأيضاً هناك الأصدقاء ، هناك المجتمع ، الأسرة- كما قلنا وأشرنا - وهي جزء من التربية ، وإن كان أنه ربما يكبر ويستفيد ويتعلم من الآخرين ، ويريد أن يكون جاداً منظماً غير فوضوي ، لكن تجد أن الأسرة لا تساعده على ذلك تضاده فيه أو تربكه في ذلك ، الأصدقاء أيضاً نجد أن مخالفة الأصدقاء أحياناً تبدأ بالموافقة لهم كنوع من عدم الصد أو الإحراج ، فيوافقه أصحابه في أن يذهب معهم في نزهة ، أو في عمل يعني ليس له فائدة أو كذلك أو شيء من ذلك ، أحياناً يتدرج به الأمر الى أن يرى بعض الممارسات الخاطئة أو تضييع الأوقات أو الإضطراب وكذا، ويدخل فيها ، ويخرج فيها ولا يعاتِب، وبعد ترك المعاتبة - أيضاً - يترك عدم المفاصلة ، فيبقى حينئذ مضطرباً ، والصديق له تأثير كبير ، والصاحب ساحب - كما يقولون - وقد جاءت النصيحه شعرًا بهذا . لا تصحب الكسلان في حالاتـه **** كـم صـالح بفساد آخر يفسد عدوى البليد الى الجريء سريعة **** كالجمر يوضع في الرماد فيخمـد وهذا لاشك أن له تاثيرٌ واضحٌ . المجتمع أيضاً الذي يريد أن يكون نظاميا أحياناً ، يكون المجتمع هو الذي يحوله الى فوضوي ، فإذا التزم النظام كان أحياناً موضع الإستهزاء ، يقولون : انظر ما شاء الله تبارك الله محافظ على النظام.. ماشاء الله تبارك الله كأنه مثلاً كذا ، أو إذا أراد أن يترك الأمور الملتوية أو فيها نوع من الخلط والإرباك فتجد أنه يعاني إذا التزم النظام بنفسه ، غيره لا يلتزم فيجد نفسه يقول لك : ولماذا ألتزم بالنظام ؟ أو إذا التزمت كنت غير متميزاً ! وإذا خالف غيري لم يعاقَب ! وهكذا، يبدأ أحياناً يجد أن المجتمع مساره ، مثلاً يريد أن يستيقظ في أول نهاره ويجدّ ، ويعمل ويقضي حاجاته حتى يجعل الليل للراحة والعبادة - كما هو الحال والشأن - يستيقظ في صباحه فيخرج يقضي حاجته في السوق ، يجد السوق مغلق يذهب الى الدائرة ، يجد الموظف لم يأتي بعد ، ماذا يصنع ؟ يقول: لابد أن لا أخرج الى هذه الحاجات إلا متأخراً ، فالطبيعة الإجتماعية أحيانا تعرقل الجد والحزم والعمل والإنجاز . العلة الثالثة : المشكلات والهموم الهموم الدنيوية وهذه من أعظم الأسباب التي تؤدي الى الفوضى والإضطراب والحيرة ، وبعض الناس همومه دنيوية ودائماً - كما يقولون - يعني رقبته الى الأعلى ، ويطمح طموحات خيالية ، ويريد أن ينال من الدنيا كذا وكذا ، وينسى حديث النبي - عليه الصلاة والسلام - الذي رواه الترمذي في سننه ، قال عليه الصلاة والسلام : ( من كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأتيه من الدنيا الا ما قدر له ) . يلهف هنا وهناك ، ويجهد فكره ، ويضيّع وقته ، دون أن يكون رتب الحاجات على حسب مقتضاها ؛ فإن لنفسك عليك حقاً ، وإن لبدنك عليك حقاً ، وإن لأهلك عليك حقاً ، وإن لزوجك عليك حقاً ، ولله - عز وجل - حق ، وللإسلام عليك حق ، فما بالك ننطلق في جانب واحد وهذا الجانب هو من النوع الذي لاينتهي أمره . كما قال عليه الصلاة والسلام : ( منهومان لايشبعان أبداً طالب دنيا وطالب علم ) .. ( ولو كان لابن آدم وادٍ من ذهب لتمنى أن يكون له ثانياً ولو كان له اثنان لتمنى أن يكون له ثالثاً ولا يملأ فم ابن آدم الا التراب ) . فهذه الهموم التي يفكر فيها من هذا النوع وهي من الناحية الإسلامية ، ينبغي أن لا تكون على هذه الصفة تجعله دائماً في همّ وفي حيرة ، وتجعل أسلوبه في الحياة أيضاً مضطرباً ، كيف يريد مثلاً - كما قلنا - أن يصل الى مبلغٍ معينٍ ؟ فدائماً تجده مشتت الفكر والذهن يخل بواجبات أبناءه .. يقصر في حقوق أسرته لماذا ؟ لأنه يفكر في هذا ، ثم يسلك طريق العمل والجد لا يجد أنه يرمق فيه ، يحاول أن يأخذ طريقاً آخر.. يقترض حتى يصل أحياناً ، وكلها أوهام وخيالات يقول لك : أشارك في مسابقات ! آخذ بطاقات ! ويدخل في شركات ، ويدخل في جميعات ، وتجد عنده إضطراب طول الفترة التي كلما كان منشغلاً بهذه الأمور دائماً يكثر التنقل ، كم نرى بعض الناس مرة يفتح بقالة وبعد ذلك يأخذ سيارة ، وبعد ذلك يلغى هذا وهذا ، ويدخل في وظيفة ، وبعد ذلك يترك الوظيفة ، في كل يوم له شأن وحال ، وفي كثير من الأحوال يخفق ولا يصل الى حد وغاية . طبعاً لا شك أن هذه أمور دنيوية بعضها لو جد فيه وأحسن وكان يعرف الصور ؟ والقدر الحقيقي لهذا فلا بأس ، لكن ينبغي أن يدرك الحقائق على ضوء الإسلام : { وابتغ في ما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا } .. { ما أنا في الدنيا الا كراكب استظل تحت ظل شجره ثم قام وتركها } ينبغي أن يفهم هذا حتى لا يكون هكذا . المشكلات الأسرية : الشاب الذي عنده مشكلة أسرية تجده دائماً مشتت الذهن ، قلقاً ومضطرباً ، وبالتالي يحصل عنده فوضى واضطراب .. الزوج مع زوجته مع المناكفات والمشاكسات دائماً .. ما تستحيل الحياة الى نوع من الخلط والإرباك ، أيضاً لو كانت عنده مشكلات مالية وأزمات مالية تجد أنه يجلس مع الناس وعقله يهيم في الأودية ، ويفكر في المشكلات ، وبالتالي دائماً هذا القلق يسبب تشتت ذهني ، وعدم تحديد المسار ، وكثرة التردد والضعف الذي يجعل هناك قدراً كبيراً من الفوضى ، وكما قال القائل : والهم يخترم الجسيم نـحـافة **** ويشيـب ناصية الصبي ويهرم يعني الهم يشتت الذهن ويضعف القدرة على التركيز . العلة الرابعة : قلة الصبر وقِصر النفس بعض الناس يريد أن يصل .. يريد أن يصبح عالماً .. يريد أن يحفظ كتاب الله - عز وجل - ويريد ذلك وهو لا يحتمل طول الوقت ، ولا يصبر على مستلزمات ومتطلبات العمل والإنجاز .. لا تـحسب المجد تمرا أنت آكله **** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر المسألة ليست هينة، ودرّب نفسك على أن تحتمل ، وأن تكون طويل النفس ، وعندك نظرة في المستقبل ، وعندك معرفة بالوقت عامل مهم في الوصول الى الغايات وتحقيق الأهداف ، وليست المسألة يعني أمراً عارضاً ، وسرعةً خاطفةً ، ولذلك الذين يريدون أن يصلوا بسرعة وليس عندهم صبر ، غالباً ما يعيرون ، كثيراً ما يبدأ ويرى المسألة صعبة ويقول لك : لا داعي للدراسة وللتخرج وللشهادة ماذا ستنصع بالشهادة ؟ ومسألة دراسة واختبارات صعبة لا ندخل في هذا المجال ، ثم يستصعبه ويدخل في مجال آخر ، وبالتالي يقع أيضاً مرة أخرى في الفوضى . العلة الخامسة : ضعف الإرادة وحب الراحة نتيجة عدم الصبر في الغالب يكون عنده ضعف إرادة إذا رأى الشيء صعباً يقول بلا شيء تأخذ طريقاً آخراً ، ولماذا يرهق الإنسان نفسه؟ بعض الطلاب الآن لماذا أدرس إثنا عشر عاماً ؟ مشكلة! ويعتبر في ذلك ضعيف الإرادة كما ذكر الغزالي في جدد حياتك يقول : "إن الرجل الضعيف قد يفزعه المصاب ، ويشتت أفكاره ، وبدلاً من أن يختصر متاعبه بمجابهة الواقع والإستعداد لقبوله يسترسل مع الأحزان التي تضاعف كآبته ولا تغير شيئاً ، ومن ظواهر قوة الإرادة الجد في الأمور والأخذ فيها بالحزم والنظام في الأعمال والبعد عن الفوضى ، أما ضعيف الإرادة ؛ فإنه يتخاذل أمام ميل نفسه الى الكسل ، ولا يمكن الذي يحب الراحة صاحب مهمة وصاحب إنجاز" { يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله إثّاقلتم الى الأرض } الجهاد البذل التضحية تحتاج الى قوة عزيمة وإلى قوة إيمان ، أما الذي يجب أن يبقى عند زوجته ، وعند أبناءه، وفي بيته في الظلال الوارفة ، والأهواء المكيفة ، فهذا لا يمكن أن يحقق مثل هذه المهمات الكبرى ، ونعرف بعض ما رُويَ في قصة المخلفين الثلاثة ، وبعض ما روي في عموم أحداث غزوة تبوك وماحصل من الثلاثة من تأخر أو إبطاء ، وهذا أمر - كما قلنا - مهم وبيّن في الوقت نفسه ، وضعيف العزم دائماً يأخذ الأقل ، يقول : لماذا صفحة في اليوم يكفي آية وإن شاء الله قليلٌ دائم خير من كثير منقطع ، يسوِّق لنفسه نتيجة ضعفه وكما قال القائل : ويقطع خيط قطن بعد شد **** إذا ما الخيط كان على الحلال هذا من قوته أن يقطع خيط القطن بعد أن يكون مشدوداً ، وهو على الحلال يعني ليست فيه أي مظهر من مظاهر القوة . العلة السادسة : التسويف والتساهل التسويف يسوِّف ويؤمل على المستقبل وغداً وبعد غد ، وإذا جاءت الإجازة وبعد الإجازة يقول : إذا تخرجت من الثانوية .. وإذا تخرّج من الثانوية يقول : بعد الإنتهاء من الدراسة الجامعية .. وبعد الدراسة الجامعية يقول : بعد الوظيفة .. وما يزال يسوِّف ولا ينجز والأمر في هذا واضح ، التساهل فيه بعض الملامح أنه ليس عنده متابعة ولا محاسبة لا من نفسه ولا من غيره ، الذي ليس عنده متابعة من يتابعه ويحاسبه يكون عنده نوع من التساهل ونوع من اللامبالاة ، أيضاً عند الترتيب والتخطيط هو نوع من التسويف ونوع من التساهل ، التسويف الذي ليس عنده تخطيط يقع عند التسويف ، أما الذي عنده تخطيط يقول : عندي مهمة لا بد إنجازها خلال نهاية الشهر ، فلن يؤجل بعد ذلك ، أما الذي يسوِّف ويتساهل يؤجل الأعمال ، فتتزاحم الأعمال في الأوقات القصيرة ، فلا تؤدى على الصورة المطلوبة . هي النفس إن أنـت سـامحتـها **** رمت بك أقـصى مهاوي وان شئت فوزا فناقض هواهــا **** وإن واصـلتك أجزهــا ولا تعـــــــبئن بميعادها **** فميعادها كسـراب بقيعة والنفس تميل إلى مثل هذا ، وهو أمر ينبغي للإنسان أن يبتعد عنه ، ولا يخوض فيه ، والتسويف ينبغي أن لا يكون من الإنسان المسلم الجاد ؛ لأن الأعمار بيد الله عز وجل، والإنسان لا يدري ما يكون في غدٍ ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( بادروا بالأعمال سبعاً هل تنظرون الا غناً مطغياً أو فقراً منسياً أو هرماً مفنداً ) إلى آخر ما قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث ، حتى قال : ( أو الدجال فشر غائبٍ ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر ) وما بين غمضة عين وانتباهتها يبدل الله من حالٍ إلى حال ، فقد تكون قوياً وتضعف ، وقد تكون صحيحاً وتسقم وتمرض ، وقد تكون غنياً فتفقر ، فإذا كنت قد عجزت أو سوَّفت في إنجازه في حال القدرة فأنت في حال عدم القدرة أعجز منك في حال القدرة ، ولذلك ينبغي للإنسان أن لا يسوّف ؛ لأن التسويف بضاعة النوكى والحمقى دائماً ، يقول : سأفعل كذا ، وغداً سيكون كذا ويحلم ولا يؤدي شيئاً مما يقوله في غالب الأحوال .. حكم المنية في البـريـة جاري **** ما هذه الدنيـا بـدار قـرار بينا يـرى الإنسان فـيها مخبراً **** حتى يرى خبراً من الأخبـار ومكلف الأيام ضد طباعهــا **** متطلب في الماء جذوة نــار لا بد أن يكون الإنسان المسلم واقعياً ومنجزاً ليس مسوّفاً ، وكما يقولون في بعض الأمثال أو الكلام الذي يتداوله الناس والعامة ، بعض الكلمات التسويفية يذكرونها على سبيل بيان عدم إنتاجيتها وفائدتها، فيقال : " لو زرعت لو في وادي عسى تثمر يا ليت " يعني كله هواء في هواء لا تحصل على نتيجة . العلة السابعة : الإستقلا لية وترك المشورة فالذي يريد أن يطلب العلم فليستشير أهل العلم ؛ حتى يشيروا عليه بالكتب التي يقرأها بدلاً من أن يتخبط ويخلط ويضطرب ويحتار، الذي يريد أن يأخذ مساراً في العمل فيلستشير وليأخذ خبرة ممن قد سبقه الى التجربة، فترك الإستشارة وترك الإستفادة من تجارب الآخرين يجعل الإنسان يخطئ ، وإذا أخطأ قد يغيّر ويغيّر مرة ثانيه وثالثة ، وربما حتى عندما يُخطئ يغيِّر ، وهو لا يدرك لمَ غيَّره ، ولم يعرف بالضبط السبب الذي لأجله وقع هذا الخطأ حتى يتلافاه ، فبعض الناس يحب أن يركب هواه ، ويحب ان يعتز بنفسه ، ويرى أنه يفهم كل الأمور ويحسن كل الأعمال ويجيد كل المهمات، وإذا جاءه ناصح أو أبدى له مخلص خبير عارف بالأمور إرشاداً أو توجيهاً استكبر عن قبوله ، فبالتالي يظل في الغالب في مثل هذا الإختلال . العلة الثامنة : المعاصي والآثام هي أيضاً من سبب الفوضى ؛ لأن الإنسان يحرم التوفيق ، ويمنع من التسديد ، ولا يهدى إلى الصواب ، وبالتالي يضطرب في كثير من أموره ، إضافة إلى الآثار النفسية والقلبية للمعاصي والذنوب ، حيث يسود القلب ، وتنعدم البصيرة ، ويقلّ التوفيق ، ويضيق الصدر ، ويحصل نوع من الحرج والضيق الذي لا يكون معه الإنسان مؤهلاً لأداء الأعمال الجادة والصالحة بالصورة المطلوبة ، وقد قال ابن القيم : " العبد إذا أعرض عن الله ، واشتغل بالمعاصي ، ضاعت عليه أيام حياته الحقي]قية ، التي يجد غبن إضاعتها يوم يقول : ياليتني قدمت لحياتي " ونعرف أيضاً قول الله عز وجل : { ويوم يعض الظالم على يديه } والندم وقت لا ينفع الندم، فان مثل هذه أيضاً الآثام والمعاصي غالباً ما يقع بسببها بعض ذلك الإضطراب الذي يشبه في واقعه أو في طبيعته العملية صورة الفوضى والعشوائية . وإذا عرفنا السبب - كما يقولون - بطل العجب منقول
|
|
حمود بن سلهود
طرح قيم ومفيد شكرآ لك عافاك الرحمن
|
|
|
|
|
|
|
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
خيارات الموضوع | |
|
|
مواضيع مشابهة | ||||
الموضوع | الكاتب | القسم | الردود | آخر مشاركة |
أمير الكويت يحذر من الفوضى | ذرا عبس | المنتدى الإعلامــــي | 8 | 20-06-2011 09:03 PM |
الرئيس المصري يرغب بالاستقاله اليوم ولكنه يخشى على مصر انتشار الفوضى | ابوصـالح | المنتدى الإعلامــــي | 7 | 05-02-2011 11:48 AM |
مطارده جمل أملح سبب الفوضى بشوارع مدينه حائل | البعيد الهادي | المنتدى الإعلامــــي | 10 | 15-05-2009 01:48 AM |
ذكر الله نعمة كبرى | aska | المنتدى الإسلامـــي | 2 | 02-01-2009 05:27 AM |
كبري الثمامه ( البحر الميت ) | سلطان | منتدى الشـــعــــر | 12 | 11-11-2008 11:53 PM |