![]() |
|
خيارات الموضوع |
|
يبدو أنه من طبع الإنسان الانسياق بشكل آلي وراء مظاهر الأشياء والغفلة عن حقائقها التي من المفترض أن تعكسها تلك المظاهر؛ أخيرا عاد الناس إلى قواعدهم بعد حالة الطوارئ التي استمرت لشهر كامل، ولا أقصد هنا الطوارئ الروحية والإيمانية التي يفترض أن يتمثلها كل مسلم، إنما أقصد حالة الطوارئ الاستهلاكية التي انخرط فيها الكثيرون بمناسبة رمضان والعيد، فلرمضان كانت حالة الاستهلاك المفرط للأطعمة والأشربة وملاهي الفضائيات، وللعيد تقاطر الناس إلى الأسواق بشكل حول ما يفترض أن تكون ليالي عامرة بالروحانية والسكينة والزهد والتسامي إلى مناسبة للانغماس المادي الاستهلاكي، ليس لغاية تحقيق فرحة العيد بالجديد، إنما غالبا للمباهاة والتفاخر، وهذا انغماس في القشرة والمظاهر وتضييع لجوهر وحقيقة رمضان والعيد، وقد قبح الله الفرح بالماديات ومظاهرها المجردة عن جوهر يعطيها قيمة جوهرية (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) وقرر سبحانه بأن الفرح المحمود هو بجوهر النعمة ودلالاتها (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) فبهجة العيد والجديد يجب أن لا تكون بالهوس بجمع أكبر قدر من الماديات الاستهلاكية إنما بالفرح بفضل الله ورحمته بأن للإنسان أحبة يجتمع معهم ويشاركهم ويشاركونه فرحته، ولو أدرك الناس هذا المبدأ وتمثلوه لما رأينا ارتفاع نسبة المشاكل الزوجية والطلاق والضغط النفسي وزيادة الديون بسبب الإصرار على الاستهلاك والتسوق بما يفوق ميزانية العائلة في ظل ارتفاع قياسي في الأسعار، وتحقيق مبدأ عدم الاستغراق في المظاهر المادية ليس مطلبا روحيا محضا، إنما له تداعياته الموضوعية البالغة الأهمية في حياة الأفراد والمجتمعات، فالإفراط في الاهتمام بالمظاهر المادية والاستهلاكية في المجتمعات النامية هو من أبرز أسباب ارتفاع معدل تجاوز الأنظمة الذي يستنزف ويعرقل النمو الاقتصادي، عندما تطمح النفوس إلى المزيد من الماديات التي لا تملك ثمنها بالحلال، وللأسف معدلات الاستهلاك المفرط في مجتمعنا تتجاوز الاستهلاك في أكثر المجتمعات الغربية مادية، وهذا الواقع هو الذي يشوه صورة الإسلام أكثر من أي شيء آخر، تصوروا لو كانت المجتمعات الإسلامية نموذجا للنظام والألفة الاجتماعية وانخفاض معدلات الجريمة والعنف الأهلي والفساد، وكانت تجسد نموذج الحياة المتوازن والرشيد، أما كانت لتقدم بديلا لنمط الحياة الغربي المادي الذي وللأسف طغى على مجتمعاتنا؟ أما كان هذا الواقع المثالي هو أبلغ دعوة للإسلام؟! وكم نسمع من المسلمين الجدد أن بعضهم تنفر وارتد أو كاد بسبب صدمة معايشته لواقع الحياة في دولة إسلامية أو مجتمع المسلمين في بلده، وكان يحسب أنه سيجد فيه تجسيدا لنموذج الحياة الرشيد الذي قرأ عنه في الكتب الإسلامية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ)
((منقووول))
|
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|