[العشق القديم]

علي بدير (تبوك)

فتح نفوق عدد من الاغنام في صحراء منطقة تبوك الباب على مصراعيه لنبش حياة عشرات من الاشخاص يفترشون عراء الصحراء ويلتحفون السماء ويكابدون شظف العيش الى الدرجة التي يعني لهم نفوق احدى اغنامهم كارثة حقيقية حلت بهم. لا يتحمل سكان الصحراء معاناة اخرى تضاف لآلامهم المتعددة فساعات النهار يقضونها في السعي وراء جمع الشتات واللحاق بلقمة العيش التي لا تكاد تشبعهم وحياة المدن لا يعرفها هؤلاء البدو، وان اضطروا الى نزول احداها للاستطباب او جمع ما يمكن جمعه من قوت، وسرعان ما ينزوون الى الصحراء التي بقوا فيها لسنوات طويلة. لكن يبدو ان نفوق عدد محدود من الاغنام نبش جرحهم فكما يقولون حياتهم لا تحتمل لدغة بعوض ولا طنين الذباب وشاة واحدة تعني لاسرة كامل بيت الغذاء او سوبرماركت «حسب التصنيف المدني» يفي باحتياجات الصغار والكبار.
معاناة اخرى
وعلى النقيض من حياة سكان البدو في الصحارى الاخرى المنتشرة في المملكة يقف هؤلاء بمعاناة جديدة فالاوراق الثبوتية التي بحوزتهم لا تشفع لهم بالمضي قدما في مواجهة اعباء الحياة فلا تقبل منهم لاستئجار مسكن، ولا يحق لهم شراء ارض، حتى الزواج يضطرون لابقائه حكراً على بيتهم بما يعرف بـ«زواج البدو» وما يبدد وحشة المكان في تلك الصحراء ذلك الوايت الذي يحمل قطرة الغيث التي تبرع بها احد المحسنين ليروي عطش سكان الصحراء لكن طول انتظار الوايت الذي يصل مرة كل شهر يجعل الافواه تضطر احيانا لنوى التمر حفاظا على اللسان من الجفاف اما الحلال فقد يقتله العطش.
النزوح الصعب
صياح سليمان الحويطي «75 عاما» احد سكان الصحراء يرتحل وراء اغنامه وحلاله من المملكة حتى حدود الاردن بحثاً عن الكلأ والماء ويبقى لاربعة اشهر مقتربا من حدود الدولة الشقيقة، وما ان يقترب الجفاف والقحط حتى يعود ادراجه قريبا من تبوك وبعيداً عن المدينة في صورة اقرب الى «النازحين».
ومع ان ابناء الحويطي تخطوا سنوات الطفولة وبلغوا سنوات الشباب الا انهم ظلوا عبئا على عاتق الاب الذي يعيش هو الآخر عبئا على كاهل الطبيعة الصحراوية وحسب الحويطي فلا احد يقبل ابناءه للعمل في اي منشأة خاصة انهم لم يلحقوا بقطار التعليم بعدما فات دون حتى ان يراهم ويرونه.
يعيش الحويطي بتصريح يجدده من فترة لاخرى من منفذ حالة عمار ويعتبره سببا في حالة الفجوة بين حياة سكان الصحراء وابناء المدن وحائلا امام المقدرة على التعايش مع المجتمع «حسب قوله».
وتبقى الخيام الظل الوحيد الذي يقبل ان يختفي الحويطي واسرته اسفله فلا ظل آخر يقبله بسبب انهم مجهولو هوية وان انتموا لصحراء المملكة منذ عشرات السنين.
وما ان اضطر العم صياح الى مراجعة مستشفى في احدى المرات، بعدما استفحل مرضه، واصبح علاج البدو لا يصمد امام ما اصابه من مرض حتى وجد نفسه مطالبا بفاتورة علاج تصل الى 9800 ريال وما ان ابرز لهم تصريح الحياة في الصحراء حتى تعاطفوا معه وخفضوا الفاتورة الى اقل من ربع القيمة فطالبوه بسداد 2850 ريال ولانه لا يملك حتى نصفها اضطروا ان يحتفظوا بتصريحه حتى اشعار آخر والمتمثل في حضوره وسداد التكلفة لانهم يعرفون انه بلا تصريح مثل الابل الشاردة التي لا تقوى على اختيار المكان الذي تلجأ اليه.
الحويطي يبكي الخسائر
وبالامس القريب نفقت 100 من اغنام الحويطي فاسند رأسه في عمود خيمته يبكي خسائره وانكسار عموده الفقري الذي يستند عليه وابناؤه.
اما هائل حمود الحويطي فيبكي هو الآخر زواج البدو الذي يمنع عنهم توثيق العقود بسبب هروب المأذونين الشرعيين من عقد النكاح لهم بمبرر انهم مجهولو الهوية.
وان كان هائل يمتلك وانيت «قرنبع» الا انه احتار في ما يمكن ان تحمله فلا مال يجلب الارز ولا اوراق تجلب المال.

الموضوع الأصلي: 100 رأس نافقة تنبش الجراح...,,,, في صحراء تبوك | | الكاتب: العشق القديم | | المصدر: شبكة بني عبس

[سعد بن عادي]

عسا الله يعوضهم خير



ولاحولا ولا قوتنا الا بالله