- أختي ... أهلاً وسهلاً بك...
تحدثنا في المقالة السابقة عن الأهداف وكيف يمكنك أن تضعي أنت أهدافك بنفسك وتخطيطي لتحقيقها.
- أما الآن دعينا نتكلم عن شيء أكثر شمولاً من لأهداف .. عن شيء يجعل حياتك واضحة المعالم ...ويجعل لكل خطوة تخطيها معنى ومغذى ...ترى هل عرفتي الآن معنى سؤالي؟
هل لديك رسالة...؟؟؟
الرسالة...
- أختي .. قبل أن نتحدث عن الرسالة أريد طرح بعض الأسئلة عليك
- ترى .. لماذا خلقنا على ظهر الأرض؟
- ترى .. ما مهمة الإنسان الحقيقية التي وجد للقيام بها؟
أسئلة محيرة أليس كذلك... بلى لقد حيرت الفلاسفة والمفكرين الذين حرموا من نور الوحي ، فضلوا وأضلوا.
حاول أفلاطون أن يجيب على هذا السؤال ، فهداه فكره إلى إجابة هزلية تقول: بأن الله عز وجل قد خلق هذا الكون ثم نسيه من أجل ذلك دبت الفوضى على الأرض ونشأ الصراع بين البشر . تعالى الله جل وعلا عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
فسبحان الذي قال في كتابه: "وما كان ربك نسيا" ( مريم :64 )
ثم جاء كارل ماركس فخرج علينا بنظرية أخرى تافهة تقول : بأن الله خلق الكون من أجل أن يلهن ويلعب، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
وتأتي هذه الآية من كتاب الله لترد على هؤلاء وأمثالهم، يقول تعالى "وما خلقنا السموت والأرض وما بينهما لاعبين" (الدخان : 38)
أما عقيدتنا الخالدة فهي وحدها التي تملكك الإجابة الصحيحة الوحيدة ممثلة في قوله تعالى "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" ( الذاريات : 56)
نعم أختي فهذا هدفك الأعظم في الحياة ،أن تمضيها كلها في تحقيق مرضاة الله - عز وجل - فيكون جزاؤك السعادة والنجاح في الدنيا والآخرة .
ولكن هل يعني ذلك أنك مطالبة بترك الدنيا من أجل التفرغ للعبادة ؟!!
كلا بالطبع ،إن هذا المفهوم المغلوط الناقص لكلمة العبادة هو الذي أوجد ذلك الفصام النكد بين الدين والدينا ،وبين الدنيا والآخرة فالعبادة في مفهومها الصحيح كما يعرفها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هي: ( كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ) "1"
فكل فعل لك في هذه الحياة - سواء كان طاعة مشروعة أو عملا مباحاً- إذ ابتغيت به مرضاة الله عز وجل فإنه عبادة تثابي عليها من الله عز وجل
وتعمير هذه الأرض، هو من جملة العبادات التي فرضها الله على المؤمن ، غير أن تحقيق العبودية لله - جل وعلا- في الأرض لا يتم إلا بحيازة مقومات الخلافة التي جعلها الله عز وجل سبباً لاستمرار الحياة وبقائها.
والخلافة في الأرض إنما تكون بعمارتها وصناعة النهضة والحضارة فيها.
ولكنها الحضارة الموصولة بالله تعالى ، والتي ينشئها الإنسان في تعبيد الناس لرب العالمين ، وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يبين لنا هذا المفهوم العظيم ،ويعقد الصلة بين الدنيا والآخرة فيقول صلى الله عليه وسلم : "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة ،فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها ،فليغرسها" "2"
تأملي أختي هذا الحديث - لقد كان من المتوقع والقيامة قد أوشكت أن تقوم أن يأمرنا صلى الله عليه وسلم بالتوبة والاستغفار ونسيان الدنيا والإقبال على الآخرة ،ولكنه صلى الله عليه وسلم أمرنا بغرس الفسيلة ،فسيلة النخل التي لا تثمر إلا بعد سنين طويلة.
ولكن ليس معنى هذا أختي أننا نشتغل بالدنيا ، وعندما نفرغ منها سنعود إلى الاشتغال بالعبادة ،كلا ... أن ذلك ليس من الإسلام !!
الإسلام أختي .. أن يأكل المسلم باسم الله ،ويتزوج باسم الله ويتعلم باسم الله ،وفي سبيل الله ويعمل وينتج ويتفوق ويستعد باسم الله ،لا تشغله الدنيا عن الآخرة ،ولا الآخرة عن الدنيا لأنهما طريق واحد لا يفترقان.
هل علمت الآن أختي عظمة إسلامك ، هل فهمت دينك بتمامه وشموله ؟ ولماذا كانت شريعته هي الشريعة الوحيدة التي تصلح لطبيعة الإنسان ؟ هل فهمت أنك مطالبة بعمارة الأرض وصناعة الحياة تماماً كما أنك مطالبه بالصيام والصلاة؟ هل تيقنتي أن الله تعبدك بالنجاح وتفوقك في دراستك وحياتك كما تعبدك بحجابك وحجك وزكاتك؟
إذا كن قد علمتي كل ذلك واتفقت معنا فيه فإننا نستطيع الآن أن نضع رسالة عامة لابد وأن يحملها كل مؤمن في الحياة وهي إرضاء الله تعالى من خلال:
1- الالتزام بمنهج الإسلام في جميع حياتك
2- صناعة الحياة من خلال التفوق في تخصصك إن شاء الله سواء طبيبة أم مهندسة أم مربية أم غير ذلك.
- الرسالة النبوية
أنظري أختي إلى رسالة النبي صلى الله عليه وسلم والتي ذكرها الله تبارك وتعالى في آيات كثيرة :
" وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " ( الأنبياء : 107 )
" قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين " ( يوسف : 108 )
" يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " ( المائدة : 67 )
ثم هو نفسه صلى الله عليه وسلم يترجم لنا جانباً مهماً ومعلماً أصيلاً من معالم هذه الرسالة فيقول " إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق " " 3 "
هذه كانت رسالته صلى الله عليه وسلم والتي جعل لها رؤيها وصاغها من أهداف حتى وصل إلى أن دانت له العرب وأنتشر الإسلام .
- حتى هذا له رسالة: إبليس
هل تتخيلين أختي أن لهذا الشيطان اللعين رسالة في حياته؟
نعم . لقد ارتسمت واضحة في ذهنه منذ اللحظات الأولى التي شاهد فيها تكريم الله تعالى لآم عليه السلام ،ولكنه آثر الانتظار في إعلانها حتى يأتي أوان اللحظة المناسبة ويتأكد الأمر، فلما حسم الأمر وبان وجهه أنطلق يعلنها على الملأ متبجحاً بجرأة ووضوح يرسم معالمها رسالة ورؤية وأهدافاً.
رسالة تنبع من أعماقه: " قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين " ( ص : 82 ) ورؤية تجسد رسالته : " ولأضلنهم ولأمنينهم " ( النساء : 119 ) وأهدافاَ ينطلق لتنفيذها : " قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمنهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شكرين " ( الأعراف : 16،17 )
اكتشفي موهبتك -
أحد الأجزاء الهامة من عملية وضع بيان رسالة شخصية هو اكتشاف ما أنت بارعة فيه والشيء الوحيد الذي أعرفه يقيناً في هذا الشأن هو أن كل شخص لديه موهبة أو شيء يؤديه ببراعة.
يقول فيكتور فرانكل victor frankl ، الطبيب النفسي النمساوي الشهير تعلم أننا لا نبتكر مواهبنا في الحياة ولكننا فقط نكتشفها .وبعبارة أخرى ،لقد ولدت بالفعل بمواهبك ،وكل ما عليك هو أن تكتشفها.
فداخل كل واحدة منا موهبة لا بد من اكتشافها فهي التي تساعدك في وضع رسالتك في الحياة .
فهناك من الأخوات على سبيل المثال:
1- من تمتلك موهبة القدرة على الحفظ فيمكنها بذلك أن تكون حافظة لكتاب الله وتعمل على تحفيظه النساء ويمكن أن تصل إلى أن تمتلك دار لتحفيظ القرآن تنشر منه كتاب الله عز وجل .
2- وهناك من تحب الدراسة فيمكنها أن تصبح طبيبة لبنات جنسها وتستغل ما تحبه في رقيها في الدنيا والآخرة.
3- وهناك من تمتلك القدرة على التعامل الحسن مع الناس والتحبب إليهم والتأثير فيهم فيمكنها أن تصبح داعية من خلال المساجد أو الندوات النسائية وغيرهن الكثير.........
- أختي اكتشفي موهبتك.. اعرفي جيداً ما تحبي فعله ... اعرفي جيداً ما تمتلكي حقاً فعله ... ولا تكوني غير نفسك ... فلا يعني إعجابك بأحد الأشخاص أنك لابد أن تكوني مثله .... ثم ضعي رسالتك ... يمكن أن تكون شعاراً ...أو مبدأ ...المهم أن تجعليه نصب عينكي .. اقتنعي بها جيداً .... وامضي في تحقيقها .... والله الموفق.
المصادر
- صناعة الهدف هشام مصطفى
- العادات السبع للمراهقين الأكثر فاعلية شين كوفي
- منتدى الحصن النفسي
الهوامش
1- (العبودية)،شيخ الإسلام ،ص (1)
2- رواه الإمام أحمد في مسنده رقم : 12569 ،وصححه الألباني في صحيح الجامع
3- رواه أحمد في مسنده ،برقم 8595 ،وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 2349