عرض مشاركة مفردة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 10-04-2007, 08:05 PM
حادي الجبيل
عضو مبدع
رقم العضوية : 931
تاريخ التسجيل : 5 / 2 / 2007
عدد المشاركات : 453
قوة السمعة : 19

حادي الجبيل بدأ يبرز
غير متواجد
 
الافتراضي قضية الانتحال في الشعرالعربي .
لقد كان الشعر عند العرب القدامى محِلَّ تقديرٍ وعناية ، فكثر الرواة ؛ خوفاً من ضياعه ، ولما كان عصر بني أُمية وعادت بعض العصبيات القبلية ـــ بمؤثرٍ سياسي ـــ بين المسلمين ( العرب ) كان شعر بعضها قليلاً فأرادت الاستزادة من ذلك فجاء بعض الشعراء ونحل لهذه القبيلة أشعاراً .
ويجدر بي أن أذكر ـــ أولاً ـ تعريف الانتحال ،كما ذكرفي المعاجم اللغوية .
ذكر ابن فارسٍ في ( معجم مقاييس اللغة ) في مادة ( نحل ) : " النون ، والحاء ، واللام ؛ كلمات ثلاث تدل على ( دقة وهزال ) ، ( والأخرى :على عطاءٍ ) ، ( والثالثة : على ادّعاءٍ ) ".

ولعلّ بين هذه المعاني وبين الانتحال تناسباً في المعنى ؛ فالأولى : تدل على دقة وهزال ٍ وهذا يصدق في نحل النحالين الذين لا يجيدون الشعر أمثال : محمد بن إسحاق بن يسار .

أما الثانية : التي تدل على عطاءٍ بغير استعاضة فلعلها تصدق في الشعراء الذين ينحلون الشعر على قبائلهم ؛ بقصد زيادة رصيدهم في المجد والكرم والقوة .
أما الثالثة : الدالة على ادّ عاء فتصدق في رواية الشعر وادعاء أنه لفلان ، أو الإتيان بأشعار قديمة وادّعاؤها أنها له .

وقال ابن منظورٍ : في ( لسان العرب ) :" انتحل فلانٌ إذا ادّعاه ، ونحله القول إذا نسبه إليه " .

وقال :" تنحّل فلانٌ تنحُّلاً إذا ادّعى شيئاً ليس له".
والشعر الجاهلي من حيث القبولُ وعدمهُ نوعان :
( 1 ) شعر مصنوع مفتعل لا سبيل إلى قبوله .
( 2) شعر موثوقٌ به مأخوذٌ من أفواه الثقات من الرواة .

ولعل من المهم معرفةََ بداية الانتحال .

عندما حاولت معرفة بداية الانتحال في الشعر الجاهلي وجدت أمراً لم يُتطرق إليه ألا وهو المبالغات .

وقفت عندها ملياً ولم أجد من ينكر ذلك من الباحثين

وجد في شعر عمرو بن كلثوم وخاصة في معلقته مبالغةً وصلت إلى درجة الكذب ، وذلك ادّعاء أن لقومه ساطيلَ بحريةٍ عظيمةًً فنجده يقول :ملأنا البر حتى ضاق عنا &&& ونحن البحر نملأه سفينا

فهو في هذا البيت يدّعي أن لهم سفنا كثيرة تملأ مياه البحا ر، وليس عند من في قلب الجزيرة سفنٌ ؛ لأنهم في برارٍ قاحلة .
وكذلك قوله :

إذا بلغ الفطامَ لنا وليدٌ &&& تخِر له الجبا برُ ساجد ينا

ومن هنا أظن الانتحال منذ العصر الجاهلي موجوداً ، وليست بدايته عودة العصبيات القبلية بُعَيْد خلافة الإمام عليّ ــ رضي الــلــه عنه ـــ .

أسباب الانتحال ودواعيه :

لقد كان للا نتحال أسبابٌ كثيرة منها مايكون بين القبائل ،ومنها ما يكون بين العلماء ، وطلبة العلم ، ومنها ما يكون بين الرواة والأدباء وكُتّاب السيَر ، ومنها ما يكون بين الشعراء ؛نتيجة للحسد والحقد ،وهي :
( 1 ) العصبية القبيلة ورغبة بعض القبائل في الإكثار من أشعارها .

( 2 ) التنافس في وضع قواعد العلوم .

( 3 )حاجة العلماء إلى الشواهد .


( 4 ) طمع الرواة في هبات الخلفاء ،والولاة .


( 5 ) عدم تحرج الرواة من الوقوف عندما لم يعلم .

( 6 ) وضع الشعر وإضافته إلى قومٍ سخريةً وتشفياً .

( 7 ) الوشا ية بالشعراء .
طوائف النحالين :

النحالون طائفتان :

( 1 ) طائفةٌ شعرهم غثاءٌ مفتعل ، يلفقون أبياتاً ويعقدونها بقوافٍ ، مثل : محمد بن إسحاق بن يسار ، ( كاتب السير ) .

( 2 ) طائفة لهم بصرٌ وحذق ٌ بقول الشعر ؛ فأشعارهم تشبه أشعار من نحلوا له الأشعار ؛ أمثال : جنّادٍ ، وحماد الراوية ، وخلف الأحمر .

وإذا كان الأمر كذلك فإنه لا يخلو من أن بعض الرواة وقفوا بالمرصاد لهؤلاء النحالين حتى ردّوا عليهم كل منتَحَلٍ نحلوه ، وهؤلاء العلماء الذين وقفوا للنحالين لا شكّ أنهم يمتلكون القدرة النقدية التي توصلهم إلى ردِّ الزائف من الشعر .

ولهم أدواتٌ يعتمدون عليها في معرفة الصحيح من المكذوب ؛ ومنها :

( 1 ) الذوق الرفيع الذي يمتلكونه .

( 2 ) تتبع الأشعار تأريخياً ؛ وهذا مايسمى با لمنهج التأريخي .كما في نقد ( ابن سلام ) لــ (ابن إسحاق ) في الأشعار التي يرويها .

(3 ) معرفة أخيلة الشاعر وألفاظه (القاموس اللغوي لكل شاعر ) .

( 4 ) حفظ الأشعار مسبقاً .

( 5 ) ما أخبر به النحالون أنهم نحلوه على الشعراء ،مثل : خلف الأحمر الذي أخبر أنه نحل على النابغة ، وعمروبن العلاء أخبر أنه وضع على الأعشى .

وقد شغلت قضية الانتحال الباحثين القدماء كما شغلت المحدثين المحدثين والمستشرقين ، وقد تناولها كثيرٌ من المستشرقين فألفوا بذلك كتباً تأرجحت بين الإنصاف الإجحاف .

فمن المستشرقين الذيين تناولوها (موير ، وباسيه ،وبروكلمان ،وما رجيلوث )وهذا الأخير قد أثار هذه القضية وأجحف فيها فقال كط عن الشعر الجاهلي منحولٌ وقد نحله الإسلاميون على الجاهليين " . وذكر أدلة على ذلك منها :

( 1) أنه لم يمثل الوثنيين ،ولا من تنصروا ـــ من العرب ــ لأن شعراءه لايعرفون تعدد الآلهة الجاهلي ،ولا التثليث المسيحي .

( 2 )أن الشعر لا يمثل القبائل بل مثّّل لهجةً موحدةً .

( 3 ) أن النقوش المكتشفة للممالك ؛ وخاصة اليمنية لا تدل على وجود أي نشاط شعري .


فانبرى له أحد المستشرقين المنصفين وهو ( لايل ) فردّ عليه بردودٍ منها :

( 1 ) أن الموضوع في الشعر الجاهلي ــ على فرض التسليم ــ يحاكي نماذج حاهلية ،وهذه المحاكاة تدلّ على أصلٍ .

( 2 ) أما بالنسبة لاحتجاج ( مارجيلوث ) بتوحيد اللغة فإن لغة قريشٍ سادت لأسباب دينية واقتصادية ، والحق أن لغة الشماليين ليست كلغة الجنوبيين ؛ كما يقول عمرو بن العلاء : " ما لسان حمير وأقاي اليمن بلساننا ولاعربيتهم بعربيتنا " .

ومن المستشرقين المنصفين ( بروينلش ) ، وغيره .

كما كان بعض الباحثين العرب ينعقون بما يقوله المستشرقون الذين يحاولون النيل من القرآن الكريم عن طريق الطعن والتشكيك بالشعر الجاهلي . وعلى رأسهــم الدكتور : طه حسين في كتابه : "الشعر الجاهلي " الذي هجم من خلاله على الشعر العربي بكامله ؛ فذكر أنه مُنْتَحَلٌ جميعاً ، فما لبث هذا الكتاب أنْ أحدث ضجةً قوية في مصر فأبدله بكتاب ( في الأدب الجاهلي )، وقد بسط فيه القول بسطاً ، وقال في كتابه :" هذا كتاب العام الماضي قدمت فيه فصلاً وأخرت فصلاً ‘ ووضحت مبهاً ‘ وأبهمت واضحاً " .


ومن هنا يتضح أنه لم يغيره إنما غيّر غلافه فقط ‘ أما قضليله فلم يغيّر فيها شيئاً . إنما قدّم وأخّر ‘ وبسط في القول وأبهم ؛ ليتلافى ما وقع فيه من مأزق .






المصادر والمرجع التي استفدت منها :

ابن سلاّم :طبقات فحول الشعراء .

شوقي ضيف :الأدب في ا لعصر الجاهلي .

قراءة في كتاب طه حسين ( الأدب الجاهلي ) : سعد الخليف .

ابن فارس : معجم مقاييس اللغة ( مادة نحل ) 5/402.

ابن منظور : لسان العرب ( مادة نحل ) 11/ 650 ــ 651.


ديوان عمرو بن كلثوم، جمعه الدكتور إميل يعقوب ط. دار الكتاب العربي

تأريخ النقد الأدبي عند العرب : الأستاذ طه إبراهيم دار الكتب العلمية ط. 1 ( 1409 هــ ).




أرجو التفاعل ؛لأن اللمقالات بمثابة الغرسة والتفاعل معها بمثابة سقيها











الموضوع الأصلي: قضية الانتحال في الشعرالعربي . | | الكاتب: حادي الجبيل | | المصدر: شبكة بني عبس




Facebook Twitter