عرض مشاركة مفردة
  رقم المشاركة : [ 4  ]
قديم 04-08-2008, 05:54 AM
فـــديـــتـــكـ
عضو شبكة عبس
رقم العضوية : 4770
تاريخ التسجيل : 29 / 7 / 2008
عدد المشاركات : 50
قوة السمعة : 16

فـــديـــتـــكـ بدأ يبرز
غير متواجد
 
الافتراضي
يوم الفَرُوق


فلما أصيبت يوم الهبَاءة استعظمت غَطَفَان قتل حُذِيفة، وكبر ذلك عندها، ‏[‏ص 117‏]فتجَّمَعُوا، وعرفت بنو عبسأن لا مقام لهم بأرض غَطَفان، فخرجت متوجهة نحو اليمامة يطلبون أخوالهم، وكانت عبلة بنت الدؤل بن خنيفة أم رَوَاحة، فأتوا قتادة بن سلمة، فنزلوا اليمامة زميناً، فمر قيس ذات يوم مع قتادة فرأى قَحِفَاً فَضَرَبَه برجله وقَال‏:‏ كم من ضَيْم قد أقررتَ به مخافةَ هذا المصرع ثم لم تنشل منه، فلما سمعها قتادة كرهَهَا، وأوْجَسَ منه، فَقَال‏:‏ ارتحِلوا عنا، فارتحلوا حتى نزلوا هَجَر ببني سعد زيد مَنَاة بن تميم، فمكثوا فيهم زميناً، ثم إن بني سعد أتوا الجونَ ملكَ هَجَرَ فَقَالوا له‏:‏ هل لك في مُهْرة شوهاء، وناقة حمراء، وفتاة عذراء‏؟‏ قَال‏:‏ نعم، قَالوا‏:‏ بنو عبسغارُّونَ تُغِير عليهم مع جندك وتُسْهِم لنا من غنائمهم، فأجابهم، وفي بني عبسامرَأة من سعدِ ناكحٌ فيهم، فأتاها أهلُها ليضموها، وأخبروها الخبر، فأخبرت به زوجَهَا، فأتى قيساً فأخبره، فاجمعوا على أن يرحلوا الظعائن وما قوى من الأموال من أول الليل ويتركوا النار في الرِّثَّة ‏(‏الرثة - بالكسر - السقط من المتاع والخلقان‏.‏‏)‏، فلا يستنكر ظعنهم عن منزلهم، وتقدم الفُرْسان إلى الفَرُوق، فوقفوا دون الظُّعنُ، وبين الفروق وسوق هجر نصف يوم، فإن تبعوها قاتلوهم وشَغَلوهم حتى تعجل الظُعنُ، ففعلت ذلك، وأغارت جنود الملك مع بني سعد في وَجْه الصبح، فوجَدُوا الظُّعُن قد أسْرَيْنَ ليلتهن، ووجدوا المنزل خَلاَء فاتَّبَعُوا القَوم حتى انتهوا إلى الخيل بالفَرُوق، فقاتلوهم حتى خلوا سربهم، فمضوا حتى لحقوا بالظُّعن، فساروا ثلاثة أيام ولياليهن حتى قَالت بنت قيس لقيس‏:‏ يا أبتِ أتسير الأرض، فعلم أن قد جُهِدْنَ، فَقَال‏:‏ أنِيخُوا، فأناخوا، ثم ارتحل، وفي ذلك يقول عنترة‏:‏
ونحنُ مَنَعْنَا بالفَرُوقَ نِسَاءَنَا * نُطْرَفُ عَنْهَا مُشعلاتٍ غَوَاشِيا
خَلَفْنَا لَهَا والخَيْلُ تَدْمِ نُحُورُها * نُفَارِقكُمْ حَتَى تَهُزُّوا العَوَالِيا
ألم تَعْلَمُوا أنَّ الأسِنَّةَ أحْرَزَتْ * بَقِيَّتَنَا لَوْ أنَّ لِلْدَّهْرِ بَاقِيا
وَنَحْفَظْ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَنَتَّقِي * عَلَيْهِنَّ أنْ يَلْقَيِنَ يَوْماً مَخَازِيا
فلحقوا ببني ضبة، وزعموا أن مالك بن بكر بن سعد وعَبْسَاً أخَوَانلأم، ويقَال لهما‏:‏ ابنا ضخام، فكانوا فيهم زميناً، وأغارت ضبة - وكانت تميم تأكلهم قبل أن يترببوا - فاغاروا على بني حنظلة، فاستاق رجل من بني عبسامرَأة من بني حَنْظَلة في يوم قائظ حتى بَهَرَها ولهثت، فَقَال رجل من بني ضبة‏:‏ ارْفُقْ بها، فَقَال العبسي‏:‏ ‏[‏ص 118‏]‏ إنك بها لَرَحِيم‏؟‏ فَقَال الضبي‏:‏ نعم، فاهوى العبسي لعجزها بطرف السنان، فنادت‏:‏ يا آل حَنْظَلة، فشدَّ الضبي على العبسي فقتله، وتنادى الحيان، ففارقتهم عبس، فمرت تريد الشأم، وبلغ بني عامر ارتفاعهم إلى الشأم، فخافوا انقطاعهم من قيس، فخرجت وفود بني عامر حتى لحقتهم، فدعتهم إلى أن ترجعوا ويحالفوهم، فَقَال قيس‏:‏ يا بني عَبْس، حالِفُوا قَوْمَاً في صبابة بني عامر ليس لهم عَدَدْ فيبغُوا عليكم بعَدَدهم، فإن احتجتم أن يقوموا بنصرتكم قامت بنو عامر، فخالفوا معاوية بن شكل، فمكثوا فيهم، ثم إن شاعراً - يُقَال‏:‏ إنه عبد الله ابن همام أحد بنى عبد الله بن غطفان، ويقَال‏:‏ إنه النابغة الذبياني - قَال‏:‏
جَزَى الله عَبْسَاً عَبْسَ آلِ بغيض * جَزَاء الكِلابِ العَاوِياتِ وَقَدْ فَعَلْ
بِمَا انْتَهَكُوا مِنْ رَبِّ عدنان جَهْرَةً * وَعُوف يُناجِيهمْ وَذَلِكُمُ جَلَلْ
فَأصْبَحتُم وَالله يَفْعَل ذَلكُمْ * يعزكم مَوْلَى مَوَاليكم شكل
فلما بلغ قيساً قَال‏:‏ ماله قاتله الله أفسد علينا حِلْفُنا‏؟‏ فخرجوا حتى أتوا بني جعفر بن كلاب، فَقَالوا‏:‏ نكره أن تتسامع العرب أنا حالفناكم بعد الذي كان بيننا وبينكم، ولكنهم حلفاء بني كلاب، فكانوا فيهم حتى كان يوم جَبَلة فتَهايجوا في شأن ابن الجون، قتله رجل من بني عَبْسبعد ما كان أعتقه عوف بن الأحوص، فَقَال عوف‏:‏ يا بني جعفر إن بني عبسأدنى عدوكم إليكم، إنما يجمعون كُرَاعهم، ويُحِدُّون سلاحهم، ويأسونَ قُرُوحهم، فأطيعوني وشُدُّوا عليهم قبل أن يندملوا، وقَال‏:‏
وإنِّي وَقَيْسَاً كَالْمُسَمَّنِ كَلْبَهُ * فَخَدَّشَهُ أنْيابُهُ وَأظْافِرُه
فلما بلغ ذلك بنى عبسأتوا ربيعة بن قُرْط أحد بني أبي بكر بن كلاب، فخالفوه، فَقَال في ذلك قيس‏:‏
أحاوِلُ ما أحاوِلُ ثم آوى * إلى جَارٍ كَجَارِ أبي دُوَادِ
مَنِيعٍ وَسْطَ عكرمَةَ بنِ قَيْسٍ * وَهُوبٍ لِلْطَّرِيفِ وِللْتَّلادَ
كَفَاني مَا خَشِيتُ أبُو هِلاَلٍ * رَبِيعَةُ فَانْتَهَيْتُ عَنِ الأعادِى
تظّلّ جِيادُهُ يَسْرينَ حَوْلِي * بذَاتِ الرمثِ كالحِدَإ العَوَادِي
يوم شعواء
ثم إن بني ذبيان غَزَوْا بني عامر وفيهم بنو عبسفي يوم شَعْواء، وفي يوم آخر، ‏[‏ص 119‏]‏ فأسر طلحةُ بن سنان قرواشَ بن هنى، فنسبه، فكنى عن نفسه، فَقَال‏:‏ أنا ثور بن عاصم البكائي، فخرج به إلى أهله، فلما انتهى إلى أدنى البيوت عرفته امرَأة من أشجع أمها عبسية كانت تحت رجل من فَزَارة، فَقَالت لزوجها‏:‏ إني أرى أبا شريح، قَال‏:‏ وَمَنْ أبو شريح‏؟‏ قَالت‏:‏ قرواش بن هنى أبو الأضياف مع طلحة بن سنان، قَال‏:‏ ومن أين تعرفينه‏؟‏ قَالت‏:‏ يتمت أنا وهو من أبوينا فربَّانا حذيفة في أيتام غَطَفان، فخرج زوجُها حتى أتى خزيم بن سنان فَقَال‏:‏ أخبرتني امرأتي أن أسيرَ طلحة أخيك قِرْوَاش بني هنى، فأتى خزيمٌ طلحةَ فأخبره، فَقَال‏:‏ لا تغرني على أسيرى لتلبسه مني قَال خزيم‏:‏ لم أرد ذلك، ولكن امرَأة فلان عرفته فاسمع كلامها، فأتوها فَقَال طلحة‏:‏ ما علمكَ أنه قرواش‏؟‏ قَالت‏:‏ هو هو، وبه شامةٌ في موضع كذا فرجعوا إليه ففتشُوه فوجدوا الذي ذكرَت، قَال قرواش‏:‏ مَنْ عَرَفَني‏؟‏ قَالوا فلانة الأشجَعِية وأمها عَبْسِية‏؟‏ قَال‏:‏ ربَّ شر حملته عَبْسية، فذهبت مَثَلاً، ودفع إلى حصن فقتله، فَقَال النابغة الذبياني‏:‏
صبراً بَغِيضُ بن رَيْثٍ إنَّهَا رَحم * حُبْتُم بِهَا فَأَنَاخَتكُم بِجَعْجَاجِ
‏(‏حبتم بها‏:‏ ارتكبتم الحوب، وهوا لإثم‏)‏
فَمَا أشْطَّت سميٌّ إن هم قَتَلُوا * بَنِي أسِيد بِقَتْلَى آلِ زِنْبَاعِ
كَانَتْ قُروض رِجَالٍ يَطْلبُون بِهَا * بَنِي رَوَاحَةَ كَيلَ الصَّاعِ بالصَّاعِ
‏(‏أقمنا ميل هذه الأبيات عن ديوان النابغة‏)‏
سمى‏:‏ هو ابن مازن بن فزارة‏.‏ ولم تزل عبسفي بني عامر حتى غزا غَزْيٌّ من بني عامر يوم شواحط بني ذبيان، فأسر منهم ناس أحدهم أخو حنبص الضبابي، أسَرَهُ رَجلُ من بني ذبيان، فلما نفِدَتْ أيام عكاظ استودعه يهوديَّاُ خمَّاراً من أهل تيْمَاء فوجَدَه اليهودي يخلفه في أهله، فأجبَّ مذَاكِيره، فمات، فوثب حنبص على بني عبس، فَقَال‏:‏ إن غطفان قتل أخي فَدُوه، فَقَال قيس‏:‏ إن يدي مع أيديكم على غطفان ومع هذا فإنما وَجَدَهُ اليهودي مع امرأته، فَقَال حنبص‏:‏ والله لو قَتَلَتهُ الريح لوَدَيْتُمُوه، فَقَال قيس لقومه‏:‏ دُوه وألحقُوا بقومكم، فالموت في غطفان خير من الحياة في بني عامر وقَال‏:‏
لَحَا الله قَوماً أرَّثُوا الحربَ بَيْنَنا * سَقُوْنَا بِهَا مُرَّاً من الماء آجِنَا
وكَايَدَ ذَا الخِصْيينِ إن كانَ ظالِماً * وإن كُنتَ مظلوماً وإن كانَ شَاطِنا
فهَلاَّ بني ذبيانَ أمُّكَ هَابِلٌ * رَهَنَتْ بِفَيْفِ الرِّيح إن كُنتَ رَاهِناً ‏[‏ص 120‏]‏
فلما ودَّتْ عَبْسأخَا حنبص خرجَتْ حتى نزلت بالحارث بن عوف بن أبي حارثة، وهو عند حصن ابن حذيفة، جاء بعد ساعةِ من الليل، فقيل‏:‏ هؤلاء أضيافك ينتظرونك، قَال‏:‏ بل أنا ضيفهم، فحَيَّاهم وهشَّ إلبهم، وقَال‏:‏ مَنْ القَوم‏؟‏ قَالوا‏:‏ إخْوَتُك بنو عَبْسوذكروا ما قَالوا، فأقروا بالذنب، فَقَال‏:‏ نَعَمْ وكرامة لكم، أكلم حِصْنَاً، فرجع إليه، فقيل لحصن‏:‏ هذا أبو أسماء، قَال‏:‏ ما رده إلا أمر، فدخل الحارث فَقَال‏:‏ طرقْتُ في حاجة يا أبا قَيْس، قَال‏:‏ أُعطِيتَهَا، قَال‏:‏ بنو عَبْس، وَجَدْتُ وفُودَهم في منزلي، قَال حصن‏:‏ صالِحُوا قومَكم، أما أنا فلا أدى ولا أتَّدِى، قَدْ قَتَلْتْ آبائي وعُمومتي عشرين من بني عبس، فما أدركت دماءهم، ويقَال‏:‏ انطلقَ الربيعُ وقيس إلى يزيد بن سِنَان بن أبي حارثة، وكان فارسَ بني ذبيان، فَقَالا‏:‏ انْعَمْ ظلاماً أبا ضمرة، قَال‏:‏ نِعِمَ ظلامُكما، فَمَنْ أنتما‏؟‏ قَالا‏:‏ الربيع وقيس، قَال‏:‏ مرحَبَاً، قَالا‏:‏ أردنا أن تأتي أباك فتعيننا عليه لعله يَلُمُّ الشَّعْثَّ ويَرْأب الصَّدْع، فانطلقَ معها، فَقَال لأبيه‏:‏ هذه عبسقد عَصَبت بِكَ رجاء أن تلائم بين ابنى بغيض، قَال‏:‏ مرحباً قد آن للأحلام أن تَثُوب، وللأرحام أن تنقى، إني لا أقدر على ذلك إلا بحِصْن حُذيفة وهو سيدٌ حليم، فائْتُوه، فأتوا حِصْناً فَقَال‏:‏ مَنِ القوم‏؟‏ قَالوا‏:‏ ركبان الموت، فعَرَفهم، قَال‏:‏ بل ركبان السلم، مرحباً بكم، إن تكونوا اخْتَلَلْتُمْ إلى قومكم لقد اختلَّ قومُكم إليكم، ثم خرج معهم حتى أتوا سِنانَاً فَقَال له حصن‏:‏ قُمْ بأمر عَشيْرتك وارأب بينهم فإني سأعينُكَ، فاجتمعت بنو مرة، فكان أول مَنْ سعى في الحَمَالة حَرْمَلَهُ بن الأشعر، ثم مات فَسَعى فيها ابنه هاشمُ بن حَرْمَلَه الذي يقول فيه القائل‏:‏
أحْيَا أباهُ هَاشِمُ بْنْ حَرْمَلَهْ * يَوْمَ الهَبَاتَيْنِ وَيَوْمَ اليَعْمَلَهْ
تَرَى المُلُوكَ حَوْلَهُ مُغَرْبَلَهْ‏(‏1‏)‏ * يَقْتُلُ ذَا الذَّنْبِ وَمَنْ لا ذَنْبَ لَهْ
‏(‏1‏)‏ ‏(‏في العقد* ترى الملوك حوله مرعبله*‏)‏