لكن متى ما كان الوالدان إيجابيين في نظرتهم لهذا التمرد مثلاً استقبلوه على أنه بناء للشخصية ما له أي علاقة بسيادتهم على البيت ارتاحوا وكسبوا كثيراً، كسبوا شخصية قوية لابنهم وعلاقة أقوى معه مقابل قليل من الصبر في مدة بسيطة مؤقتة.
مهم أيضاً مقابلة بعض مواقف الولد المزعجة بهدوء قدر ما تقدرون هدوء الفاهم لهذه المرحلة وبعد ما يهدأ الولد وينتهي الموقف نبدأ نناقشه بلطف ترونه يخجل ويستحي من نفسه، أحياناً تكفي النتائج الطبيعية لأخطائه كعقوبة له، مثلاً الطفل عاندك وأصر عند الخروج أن يلبس شتوي في يوم حار، ننبهه في البداية، وإذا أصر أن يلبسه اترك الحر يلقنه الدرس نيابة عنك سيستفيد من هذه التجربة ربما أكثر من كلام.
وقد ذكر الدكتور شحاتة محروس في أشرطته الرائعة (طفلك من الميلاد حتى ست سنوات) أساليب التعامل مع أمثلة أخرى من العناد، ويمكن الرجوع إلى تفاصيل أكثر في أساليب ضبط الطفل في هذا العمر وغيره في كتاب (كيف تعالج متاعبك من سلوك ولدك) للدكتور محمد الحجار، وكتاب (حاول أن تروضني) وهو من إصدارات مكتبة جرير، وكتاب (انضباط الأطفال) للدكتور بري برازلتون.
فيه شيء يحتاج ننتبه له، في كثير من الأحيان لما يعاند الطفل ويصمم على شيء، هو يتشبه بأبيه وأمه لما يصممون على فعل الذين يريدون بدون توضيح أو إقناع، وهذا خلاف هدي النبي _صلى الله عليه وسلم_ الذي كان يوضح للطفل ويبرر له، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال _صلى الله عليه وسلم_: كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنّا لا نأكل الصدقة، تبرير وتوضيح طيب خاطر الطفل برفق في كلمات قليلة، أشار لذلك مصطفى بن العدوي في كتابه (فقه تربية الأبناء).
يمكن تخفيف عناد ابن الرابعة بإعطائه مساحة أكبر من الحرية وتقريب الألعاب الهادئة كألعاب الذكاء التعليمية والقصص، على أي حال نتوقع هدوء هذه الثورة في سن الأربع سنوات ونصف تقريباً وربما تنتهي مدة التمرد وثورة السلوك قبل ذلك إذا أحسنا التعامل معها، وما تسببنا في إطالتنا بسوء تكيفنا مع هذه المرحلة، إذن سن الرابعة هو المتوسط المتوقع لمرحلة ثورة الطفل السلوكية أو مرحلة التمرد والعناد وهي مرحلة مؤقتة طبيعية وهامة للطفل رغم صعوبتها.
ما ذكرناه _بإذن الله تعالى_ يقلل هذه الصعوبات ويزيد راحتكم ويعينكم على أن تنموا في طفلكم خلالها الإرادة والانضباط والثقة والاستقلالية التي يحتاجها في حياته دون أن تصنعوا داخله إنساناً مدللاً أو عنيداً.
انتهى حديثنا الآن عن ثورة السلوك عند ابن الرابعة.
طفلك في الرابعة والنصف
ننتقل بكم للحديث عن ابن الرابعة والنصف وثورة جديدة هي ثورة العقل عند ابن الرابعة والنصف، كيف يمر ابن الرابعة والنصف في ثورة العقل وكيف نتعامل معها؟ الإجابة عن هذه الأسئلة في حديثنا التالي _بإذن الله_، يبدأ طفلك في سن الأربع سنوات ونصف تقريباً مرحلة جديدة نسميها مرحلة الفيلسوف الصغير، إذا كانت الثلاث سنوات ونصف ثورة العاطفة، والأربع سنوات ثورة السلوك، الأربع سنوات ونصف ثورة العقل يركز أكثر يناقش ويحاور أكثر ويستفسر أكثر ويسأل في كثير من الأمور سيثير ردود فعل مختلفة يثير إعجابكم ودهشتكم بأسئلته أحياناً وبعض أسئلته قد تربك الوالدين خصوصاً إذا ما كانوا يعرفون الجواب وفي نفس الوقت ما يريدون أن يشعر ابنهم بجهلهم وهذا خطأ طبعاً.
وانظر بعد ذلك إلى (الترقيع والتصريف)، هذا ولد سأل أباه يا أبي لماذا البيض الذي نشتريه ما يفقس ويطلع كتاكيت، الأب توهج ما يعرف، بغى يصرفها قال لا هم يعطون إبر مثل التي عند الطبيب علشان ما يفقس، يا سلام على الجواب، لا والولد قعد له، راح جاب بيضه وسأله وين مكان الإبرة فالأب تورط مضبوط، ومع إلحاح الطفل اعترف بس متأخر، قال: والله يا ولدي ما أدري ليش البيض ما يفقس، يا ليت هذا الأب من البداية قال والله سؤالك ذكي ولا أعرف جوابه الآن، لكن _بإذن الله_ نسأل واحداً يعرفه، هذا أفضل من أن يكذب ولا يعترف بجهله ويهز مصداقيته عند ولده، ويثبت له عملياً أن أباه كذاب، أو يقول له معلومة غير صحيحة، إذا كنا نريد أن تبقى رغبة أطفالنا في التعلم حية فاهتمامنا بالإجابة الجيدة عن أسئلته أفضل وسيلة لذلك، اهتمامنا بالإجابة الجيدة عن أسئلته وسيلة لزيادة قاموسه اللغوي من خلال هذه الإجابات، وسيلة ممتازة تشجع على التعبير عن نفسه من خلال الأسئلة، الطفل من خلال أسئلته يعبر عن اهتماماته وفضوله في تلك اللحظة، بل أحياناً تعبر أسئلته حتى عن مخاوفه وقلقه وعن تساؤلات أخرى أكثر عمقاً وخطورة.
لكل ما سبق نحتاج لبذل العناية الصادقة بأسئلة الطفل، أسئلة الفيلسوف الصغير أو ابن الرابعة والنصف تكون كثيرة جداً، ولا يراعي عند طرحها التوقيت المناسب، فتحصل الأب يريد ينام أو مصدع أو مشغول أو عنده مشكلة ومنفعل، وهذا جاء يسأل سؤال رايق، يا أبي لماذا السماء زرقاء؟ يزيدها فعلاً على أبيه، المهم في مثل هذه الحالات أن يضبط الأب ردة فعله، وجميل لو قال لابنه حبيبي أنا مشغول الآن أو ودي أرتاح شوي لكن بعد صلاة المغرب أقدر أسمع لك زين _بإذن الله_، وهي فرصة كذلك ليفكر في الجواب إذا ما كان يعرفه.
أحياناً تسبب أسئلة الطفل إحراجاً للوالدين مثل سؤال كيف أنا جئت، أو بعض الأسئلة العقدية، أو أسئلة عن الطبيعة والكون والمخلوقات، وغيرها مما يصعب على الوالدين تقدير الجواب المناسب، توجد بعض الكتب القليلة التي تعين في هذا الجانب مثل (سلسلة أسئلة وأجوبة في العلوم)، وهي سلسلة قيمة تنشرها مكتبة العبيكان، صدر منها ستة كتب أنصح باقتنائها والحرص عليها سلسلة أسئلة وأجوبة في العلوم، وهناك كتاب (أسئلة طفلك الحرجة) لشاهيناز عبدالفتاح، وكتاب (الأسئلة العقائدية عند الأطفال) للدكتور بسام العموش، كما يفيد في هذا الجانب شريط الدكتور عبد الكريم بكار (كيف نرتقي بفكر أطفالنا) ولا تزال المكتبة المقروءة والمسموعة فقيرة في هذا الجانب.
هذا النمو العقلي السريع عند طفلك يحتاج إلى استعدادك وصبرك واهتمام بأسئلته وإجابتك عنها الإجابة الصادقة والصحيحة وله شرط قبل كل شيء، الشرط أن الذي تقوله يكون صحيحاً، بالإضافة إلى صحة الإجابة ابنك يفضل الإجابة المحددة، يعني ما يريد تقول هذا طير مثلاً يريد أن تحدد له، هذه حمامة أو غراب أو ببغاء وهكذا، بعض الأطفال على خلاف الشائع في هذا العمر ما يسألون، في هذه الحالة نحن نبادره بالتساؤلات المختلفة نستفز عقله بها، لماذا السمك ما يغرق في الماء، إيش يسوي العصفور الذي أمامنا؟ كيف ينزل المطر؟ ونعطيه فرصة للتفكير ونحاول أن نعطي قيمة ما لأي محاولة إجابة وإن كانت خاطئة.
وما أجمل أن تكلف الأم الحريصة إحدى بناتها أو أولادها الأكبر سن بتدوين أسئلة الطفل وهم غالباً سيرحبون بهذه المهمة، خصوصاً إذا لمس اهتمامكم وتشجيعكم كما أنهم قد يجدونها ممتعة لهم فمن ناحية نغرس في نفوس الكبار قيمة السؤال عموماً وأنه موضع تقدير فيسألون كما نغرس في نفوسهم العناية بأسئلة أطفالهم مستقبلاً حينما يصبحون آباء وأمهات ومن ناحية أخرى يكون عندكم دفتر بأسئلة ولدكم يساعدكم في البحث عن إجاباتها وتوقع أسئلة إخوانه وأخواته من بعده والاستعداد لها، وسيكون هذا الدفتر قطعة غالية عليكم، وعليه بعد سنين وتستمتعون بتأمل نمو تفكيره ويكون ما جمعتم نواة لكتاب عن أسئلة طفل تربى في بيئتنا وثقافتنا كتاب كهذا ينتظره ويرغب في قراءته كثير من الآباء والأمهات، وكل هذه الفوائد بدون عناء يذكر من الأبوين كم يسعد الطفل عندما تبادرونه بإجابة عن سؤال من أسئلته السابقة وإن لم يذكّركم به فاهتمامكم بالإجابة الجيدة عن أسئلته سيكون لها أثر كبير بإذن الله عليه وعلى علاقتكم معه ويؤهلكم لتكونوا مصدر المعرفة الأول والموثوق فيه على مدى السنوات القادمة بدلاً من تلقي معلوماته من مصادر مشبوهة خصوصاً فترة مراهقته.
نحن نشبع احتياجه المعرفة كل ما يريده منها اهتمامنا بأسئلته وصحة الإجابة عنها وملاءمتها لفهمه ومدى رغبته بالاستماع ومن أهم وسائل الإشباع المعرفي أن نحببه في القراءة ونربطه بالكتاب منذ سنواته الأولى.