14-إِذا رِيحُ الصَّبَا هَبَّـت
إِذا رِيحُ الصَّبَا هَبَّـت أَصِيـلا
شَفَت بِهُبوبِهـا قَلبـاً عَلِيـلا
وَجاءَتنِـي تُخَبِّـرُ أَنَّ قَومـي
بِمَن أَهوَاهُ قَد جَدُّوا الرَّحِيـلا
وَما حَنّوا عَلى مَـن خَلَّفـوهُ
بِوادي الرَّملِ مُنطَرِحاً جَديـلا
يَحِنُّ صَبَابَـةً وَيَهيـمُ وَجـداً
إِلَيهِمُ كُلَّمـا سَاقُـوا الحُمـولا
أَلا يا عَبلَ إِن خَانوا عُهُـودي
وَكانَ أَبوكِ لا يَرعَى الجَمِيـلا
حَمَلتُ الضَّيمَ وَالهِجرانَ جُهدي
عَلى رَغمي وَخالَفتُ العَـذولا
عَرَكتُ نَوائِـبَ الأَيَّـامِ حَتَّـى
رَأَيتُ كَثيرَهـا عِنـدي قَلِيـلا
وَعَادانِي غُرابُ البَيـنِ حَتَّـى
كَأَنِّي قَـد قَتَلـتُ لَـهُ قَتِيـلا
وَقَد غَنَّى عَلى الأَغصَانِ طَيرٌ
بِصَوتِ حَنينِهِ يَشفِي الغَلِيـلا
بَكَى فَأَعَرتُـهُ أَجفَـانَ عَينِـي
وَناحَ فَـزادَ إِعوَالِـي عَوِيـلا
فَقُلتُ لَهُ جَرَحتَ صَميمَ قَلبِـي
وَأَبدَى نَوحُكَ الـدَّاءَ الدَّخِيـلا
وَما أَبقَيتَ فِي جَفنِي دُموعـاً
وَلا جِسماً أَعيشُ بِـهِ نَحِيـلا
وَلا أَبقَى لِيَ الهِجرانُ صَبـراً
لِكَي أَلقَى المَنـازِلَ وَالطُّلـولا
أَلِفتُ السُّقمَ حَتَّى صَارَ جِسمِي
إِذا فَقَدَ الضَنَى أَمسَى عَلِيـلا
وَلَو أَنِّي كَشَفتُ الدِّرعَ عَنِّـي
رَأَيتَ وَرائَـهُ رَسمـاً مُحِيـلا
وَفِي الرَّسمِ المُحيلِ حُسَامُ نَفسٍ
يُقَلِّلُ حَدُّهُ السَّيـفَ الصَّقيـلا
-------------------------------------------------
15- يا عَبلَ قَرِّي بِوَادِي
يا عَبلَ قَرِّي بِوَادِي الرَّمـلِ آمِنَـةً
مِنَ العُـداةِ وَإِن خُوِّفـتِ لا تَخَفـي
فَـدونَ بَيتِـكِ أُسـدٌ فِـي أَنامِلِهـا
بيضٌ تَقُدُّ أَعالِي البِيضِ وَالحَجَـفِ
للهِ دَرُّ بَنِـي عَبـسٍ لَقَـد بَلَـغـوا
كُلَّ الفَخارِ وَنالـوا غايَـةَ الشَّـرَفِ
خَافُوا مِنَ الحَربِ لَمَّا أَبصَروا فَرَسِي
تَحتَ العَجاجَةِ يَهوي بِي إِلى التَّلَفِ
ثُمَّ اقتَفوا أَثَري مِن بَعدِ ما عَلِمـوا
أَنَّ المَنِيَّةَ سَهـمٌ غَيـرُ مُنصَـرِفِ
خُضتُ الغُبارَ وَمُهري أَدهَـمٌ حَلِـكٌ
فَعـادَ مُختَضِبـاً بِالـدَّمِّ وَالجِيَـفِ
مَا زِلتُ أُنصِفُ خَصمِي وَهوَ يَظلُمُنِي
حَتَّى غَدا مِن حُسَامي غَيرَ مُنتَصِفِ
وَإِن يَعيبوا سَواداً قَد كُسيـتُ بِـهِ
فَالدُّرُّ يَستُرُهُ ثَـوبٌ مِـنَ الصَّـدَفِ
-------------------------------------------------
16- إِذا اشتَغَلَت أَهلُ البَطالَةِ
إِذا اشتَغَلَت أَهلُ البَطالَةِ فِي الكَاسِ
أَوِ اِغتَبَقوها بَينَ قَـسٍّ وَشَمَّـاسِ
جَعَلتُ مَنامِي تَحتَ ظِـلِّ عَجاجَـةٍ
وَكَأسَ مُدامِي قِحفَ جُمجُمَةِ الرَّاسِ
وَصَوتُ حُسَامِي مُطرِبِـي وَبَريقُـهُ
إِذا اسوَدَّ وَجهُ الأُفقِ بِالنَقعِ مِقباسي
وَإِن دَمدَمَت أُسدُ الشَّرى وَتَلاحَمَت
أُفَرِّقُها وَالطَّعـنُ يَسبُـقُ أَنفَاسـي
وَمَن قَـالَ إِنِّـي أَسـوَدٌ لِيَعيبَنِـي
أُريهِ بِفِعلـي أَنَّـهُ أَكـذَبُ النَّـاسِ
فَسيري مَسيرَ الأَمنِ يا بِنتَ مالِـكٍ
وَلا تَجنَحي بَعدَ الرَّجاءِ إِلى اليَـاسِ
فَلَو لاحَ لِي شَخصُ الحِمامِ لَقيتُـهُ
بِقَلبٍ شَديدِ البَأسِ كَالجَبَلِ الرَّاسـي
"هَذَا وَتقْبَلوُا تَحيِاتْي وخَالْصً حُبِي وتقْدِيريِ"