اللغة العربيه أشرف اللغات واكثرها استيعابا ومسايرة للعلوم المتطوره ان اراد اصحابها ذلك , ويكفيها شرفا وفخرا انّها لغة القران الكريم:(( وهذا كتاب مصدّق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا,)) ((وهذا لسان عربي مبين )).
ولقد كانت اللغة العربيه لغة العلوم جميعها , يوم ان كانت الدولة الاسلاميه مزدهرة قويه, ولعل ما يعزز ذلك انها تعدّ جواز سفر رئيس لكل من يؤم عاصمة الدولة الاسلاميه طلبا للعلم وغيره ؛ ولذلك كان الاعاجم يتسابقون لتعلّمها , فكانت حلقات العلم قائمة بهم وبغيرهم , ولعل ما يعزّز ذلك ان كثيرا من علماء العربيه كانوا من الاعاجم , وتطالعنا في النحو في تلك الفتره اعلام مشهوره كابن جنّي وابي علي الفارسيّ وسيبويه وغيرهم, والقول نفسه في العلوم الاخرى كالطب وغيره . ولقد كان بلاط الخلفاء والامراء جامعات عظمى , ولعل مايعزز ذلك بلاط هارون الرشيد والمأمون , وبلاط سيف الدولة الذي ضم علماء كثيرين كأبي علي الفارسي وابن جنّي وابن خالويه والمتنبي وأبي فراس الحمداني وغيرهم . ولقد اسهم الخلفاء والامراء في رقيّ الحركة العلميه من حيث الاهتمام بعلوم اللغة العربيه وغيرها من العلوم ,فأبو علي الفارسيّ يصنّف كتابا في النحو( الايضاح العضدي) لعضد الدولة البويهي .
ولسنا ننكر انه بظهور الاسلام شاع اللحن في القران الكريم وغيره , ولعل هذه المسألة تَعدَّ من اسباب وضع علم النحو الرئيسة .
ولعل للاسلام دورا بينا رئيسا في الحفاظ على اللغة العربيه وابعادها عن التردي وشيوع اللحن والعثرات اللغوية , بقوة الاسلام قويت اللغة القران وأصبحت مطلبا رئسا للوافدين الى حاضرة الدولة الاسلاميه . وأخذت اللغة العربيه بالتردّي والتراجع بتراجع الخلافة الاسلاميه وتردّيها , ولذلك فرضت اللغة العاميه سلطانها على الناطقين بالعربيه , ولم تسلم بعض التصانيف من تيار العاميّه .
وفي النصف الاول من القرن العشرين أخذت العربيه تستعيد بعض ما فقدته يوم ازدهار الدولة الاسلاميه , لكثرة الوافدين الى تعلمها .
ولكن سرعان ما تضاءل هؤلاء الوافدون , ولذلك يطالعنا الطلاب في هذه الايام بالعزوف عن التخصص بها , فقسم اللغة العربيه في الجامعات يكاد يكون مقفرا اذا ما قورن بالطلاب في التخصصات الاخرى , وقد لايتجاوز عدد هؤلاء الطلاب في بعض الجامعات عشرة طلاب , وغالبهم من ذوي المعدلات المتدنيه على الرغم من ان الطلاب في قسم اللغة العربيه كانوا في الخمسينيات والستينات من ذوي المعدلات المرتفعه ان لم يكونوا من أوائل الطلبه , وهذا ما سمعته من اساتذتنا ومعلمينا .
ويتراءى لي ان ّ أسباب ابتعاد وعزوف الطلاب عن هذا التخصص تكمن في ما يلي :
1- مزاحمة اللغة الاجنبيه للغة القران
2- ان أبناءنا في المراحل التعليمية الاولى لم يَوجهوا التوجيه السليم من حيث الاهتمام بلغة القران , بل يكاد التوجيه يدور في فلك أهمية تعلّم اللغة الاجنبية لكونها لغة عالميه صنّفت بها العلوم العصرية المتطورة , ولذلك تبدأ هذه الوساوس تفرض سلطانها عليهم من حيث لا بد من ان يتقنوا اللغة الانجليزية لدراسة العلوم العصرية المتطورة , وكأن العربية عاجزة عن استيعاب هذه العلوم .
3- انّ التخصص بلغة القران الكريم قد أصبح ممرّا واسعا للاستهزاء او التقليل من شأن من يحملون الشهادة الجامعية الاولى فيه ؛ فكثير من طلاب هذا التخصص يعتريهم الخجل أو الشعور بالنقص عند التصريح بمثل هذا التخصص ؛ لأن الهالة البرّاقة التي سيطرت على كثير من التخصصات كالطب والهندسة قد زرعت بذورا من الشّك في المتخصصين بلغة القران وبذورا من التعالي والكبرياء عند غيرهم من المتخصصين فيما مرّ , وتكاد هذه الافكار القاتمة السوداء تفرض سلطانها على ابآءهؤلاء الطلاب .
4-ان الحوافز التشجيعية التي لمن هم في بعض التخصصات كاللغة الانجليزية أسهمت اسهاما كبيرا في النفور منها
5-ان المؤسسات الخاصة لاتفسح المجال امام خرّيج قسم اللغة العربيه من حيث تعيينه ان أراد ذلك .
6- ان التوجيه والارشاد في البيت والمدرسه يكادان يكونان معدومين تماما .
7-ان هناك بعض الطلبة ممن لم يحالفهم الحظ في تخصص اللغة العربيه قد أسهموا اسهاما كبيرا في مثل هذا العزوف , فلا بد من ان يبرروا ذلك بانتحال الاعذار الواهية التي تدور في فلك انّ اللغة العربية طلسمات يعسر فهمها .
8-ان نحو اللغة العربية وصرفها مما يعّسر فهمه كما يتراءى لمن يعزفون عن هذا التخصص , لأنهم قد اهملوه تماما في المراحل التعليمية المختلفة , لأن التعبير ومواد العربية الاخرى كفيلة بتعويضهم عن تلك الدرجات القليلة المخصصة له , ويتراءى ذلك بيّنا في تلك المراحل التي لم يَهيّا لهم فيها استاذ ناجح يستطيع ان يشوّقهم لدراسة هذا الفن ويزيل تلك الوساوس والافكار القاتمة السوداء .
أخيرا أسأل الله ان يعيدنا الى دينه ردّا جميلا , ونعيد النظر في لغة القران الكريم ؛لغتنا الجميلة , ونتذكر جميعا ان هذه اللغة هي لغةاهل الجنه
وسامحوني على الاطاله