نعم فالآن الآن تبدأ قصتي....
لم أكن أتوقع أبدا أن زيارة صديق لي أحببته ولم أره منذ زمن ستؤولماآلت إليه قصتي هذه.
وقفت على أعتاب هذا الحي الذي يسكن فيه زميلي. يالله ماهذهالحياة التي يعيشونها أولئك .. بيوت متهالكة وشوراع كلها أزقة.. مياه المجاري طفحتهنا وهناك.. صبية يلعبون فوق كبينة الكهرباء .. وآخرون يجلسون على الوحل..
قطعتفكيري هذا ..صوت رنين هاتفي المحمول.. والذي دلني خالد فيه على مكان منزلهالمتواضع والذي يقع داخل هذا الحي المتهالك.
مررتُ من بين الأزقة فلا أرى إلاالبيوت وقد علاها الدمار، والجدران وقد آلت إلى السقوط ....... أبواب بيوت شعبيةمفتحة... وروائح كريهة منتنة.
((اللهم لك الحمد كثيرا كما تنعم وتجلّكثيرا))
وبينما أنا أسير في تلك الأزقة.. قادني القدر أن أمر على شارع بالكاديمشي فيه ثلاثة رجال... دخلت فيه وتقدمت .... رأيت من بعيد وكأن رجلا جالساً علىقارعة ذلك الشارع الصغير... اقتربتُ واقتربتُ منه..
يالله ماهذا .... إنه ليسبرجل ..... إنه فتى صغير ... شكله يوحي بذلك ... نظرت إليه .. تأملت في ملامحه ... الفتى لا يبدو عاديا عرفت ذلك من وجهه.. فوجهه قد علاه الغبار... ثيابه ممزقةوبالية.. وعيناه ذابلتان زائغتان .... كأنه لايعي من حوله .. سلمت عليه
السلامعليكم ورحمة الله وبركاته.
لم يرد لي جواباً..ولم يرعى لي اهتماماً.. وكأنه لايدري عمّن حوله...... تركته وشأنه ..
أخيراً وصلت لبيت خالد...
استقبلنيبحفاوة..... أكرمني ..... ضيفني ...... لم يقصّر معي أبدا..... تذاكرنا سويا قصةزماننا الأول .. معلمونا ... زملاؤنا ... أين هم ؟؟؟ وكيف حالهم ؟؟؟؟
بالفعل اعتبرت هذه الزيارة ناجحة ...
لأني أدخلت السرور والبهجة على صديقي .............
نسيت جدا موضوع ذلك الفتى الذي قابلته عند قدومي..
ودعني خالدوداعاً وكأن لسان حاله يقول
نكاد حين تناجيكم ضمائرنا *** يقضي علينا الأسىلولا تأسينا
خرجت من بيته وقد شارفت الشمس على المغيب ... مشيتُ وأنا أتأملفي حالة خالد المادية ... بيته ... أثاثه .... ملبسه..
عرفتُ أن هذه الدار ليستبدار الأبرار ......... ولو كانت لهم لكانت أولى للنبي صلى الله عليه وسلم ومن ثمّأصحابه.
مضيت في طريق العودة وأنا أمر من تلك الأزقة .... ياسبحان الله إنه النفس الشارع الضيّق الذي مررت به في طريق ذهابي....
فجأة توقفت لمأستطع إكمال مسيري ... الفتى الذي قابلته منذ قليل ولم يرد سلامي موجود في مكانه ... ولكنه ملقى على الأرض ... نظرت إليه .. ترددت .. هل أجازف واقترب منه ...... أمهذا سيخولني للدخول إلى طريق مغلق لا أستطيع الخروج منه .. بعد لحظات من التفكيرقررت أن أقترب منه ..... فاقتربت.... واقتربت أكثر.... أريد أن أرى أي حركة تدل علىحياة هذا الفتى ... بدأ ضوء النهار يخفت شيئاً فشيئاً............... الحمدلله .... قلتها عندما رأيت صدره يعلو ويهبط .......
اقتربت أكثر ....... وبدى لي أن أوقظه فملامح وجهه تظهر أن الفتى من أسرة محافظة .......... حركت كتفه لكي أوقظه .. هززته ... لم تطول محاولاتي فقد استيقظ الفتى بسرعة........ ارتعدت فرائسه ........ توسعت عيناه عندما رآني ... أراد أن يهرب فأمسكت به..... قلت له :. لا تخففأنا لست من الشرطة أو من رجال الهيئة ... إنما أتيت زائراً لأحد الأصدقاء هنا فقط ........ كأنه لم يصدق كلامي ... رأيت عينيه فإذا هي لم تكن كالسابق ((الزائغتان الذابلتان.. قد رجعتا)) أدركت حينها خاصة عندما انبعث من فمه رائحة كريهة أنه كان عند ملاقاتي له للمرة الأولى أنه في حالة سكر ((سكران)) وقد أفاق من سكره لتوه ..
يا إلهي الفتى مازال صغيرا ويسكر .. شاربه لم يظهر بعد . وبنيته الجسمية مازالت صغيرة ........
قاطعني قائلاً وكأن الخوف قد بلغ به مابلغ: وش تبغى مني
رددت عليه: أنا ماأبي منك شيء لكن رأيتك في حالة يرثى لها فأشفقت عليك .... وتراني قبل ساعة مررت من هنا وسلمت عليك فلم ترد علي السلام ((قلتها من باب المداعبة))
قاللي : والله ماكنت منتبه لك ...
قلت له: ممكن أجلس بجوارك وأكلمك.
رد علي: أنت لست من الشرطة ولا الهيئة
قلت : والله العظيم لا
بدى الغلام مرتاحا بعد كلمتي هذه ...عرفت ذلك من سكوته ومن تنهده العميق... فجلست بجواره
نظرت إليه فإذاعيناه مطرقتان نحو الأرض ... لم يلتفت لي وكأنه خَجِلٌ مني ... قاطعت ذلك السكونالذي خيّم علينا فجأة....... أنا أبو مشاري ...ممكن أعرف من أنت .....
قال ليأنا محمد ...
قلت له محمد ممكن أسألك........ تعجّب من سؤالي ......... فأردفت
محمد ليش أنت نائم هنا...
تلعثم ... تخالطت حروفه .... ياأستاذ أبومشاري أنا مطرود من البيت
...صُعقت لجوابه .... أبهذا العمر يُطرد .......
تنهّد محمد وقال ياأستاذ أبوي وأمي طردوني من البيت ....... قالهاببراءة ..... تألمت من ذلك الجواب وذُهلت....... كيف لأب وأم يطردون ابناً لهم وهوفي هذا العمر...
أما يفكرون ؟؟؟؟؟
أليس في قلوبهم رحمة ؟؟؟
أما يعلمون أن شياطين الإنس قد يتربصون به في أي وقت وفي أي مكان؟؟؟؟؟
قاطعني قائلاً .. ولكني ياأستاذ أنا استاهل ... نظرت إليه فإذا عينيه قد اغرورقت بالدموع تحادرت دموعه .... بدأ يحبس صوته خوفاً من أني أسمع نجيش بكاه.......
هدأت من حزنه وقلت له محمد خذ راحتك ... اعتبرني أخاك الأكبر... أريد أن أسمع قصتك ... فهل تسمح لي بذلك ....
لم يلتفت لي واستطرد..