السر أن المؤمن يؤمن بأن هناك إلهاً رحيماً قديراً
يجيب المظطر إذا دعاه , ويكشف السوء , ويمنح الجزيل , ويغفر الذنوب ,
ويقبل التوبة , ويعفو عن السيئات , ارحم من الوالدة بولدها . وأبر بخلقه من
أنفسهم , يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار , ويبسط يده بالنهار ليتوب
مسيء الليل , يفرح بتوبة عبده أشد من فرحة الحائر إذا وجد ضالته ,
والغائب إذا وفد , والظمآن إذا ورد , إله يجزي الحسنة بعشر أمثالها إلى
سبعمائة ضعف ويزيد , ويجزي السيئة بمثلها أو يعفو , إله يدعو المعرض عنه
من قريب ويتلقى المقبل عليه من بعيد ويقول : (( أنا عند ظن
عبدي بي , وأنا معه إذا ذكرني , فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ,
وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم , وإن تقرب إلي شبراً تقربت
إليه ذراعاً , وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً , وإن أتاني يمشي أتيته
هرولة )) .
إله يداول الأيام بين الناس , فيبدل من بعد الخوف أمناً ومن بعد الضعف قوة ,
ويجعل من كل ضيق فرجاً , ومن كل هم مخرجاً .. ومع كل عسر يسراً ,
فلذلك يأمل المؤمن فيه , هذا مبعث الأمل , وهذا هو السر : الإعتصام
بالإله البر الرءوف الرحيم العزيز الكريم الفعال لما يريد , يعيش المؤمن على
أمل لا حد له , إنه دائماً متفائل , ينظر إلى الحياة بوجه غير الذي ينظر إليها
الكافر , لا ينظر إلى الحياة بوجه عبوس قمطرير , فهو إذا حارب فهو واثق
بالله أنه سينصره , لأنه مع الله والله معه (( إِنَّهُمْ لَهُمُ
الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون)) ( الصافات : 172- 173)
إذا مرض لم ينقطع أمله أبداً من العافية (( الَّذِي خَلَقَنِي
فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ))
( الشعراء : 78- 80 )
إذا اقترف ذنباً أو جرماً فإنه لاييـأس من المغفرة , ومهما كان الذنب عظيماً
فإن عفو الله أعظم (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيم(( ( الزمر : 53 )
والمؤمن إذا أعسر وضاقت ذات يده أمل في الله ولم يزل إيمانه فيه عظيماً
لقوله تعالى : (( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ
يُسْرًا )) ( الشرح : 5 – 6 ) ولن يغلب عسر يسرين ولو دخل العسر
جحراً لدخل اليسر عليه حتى يخرجه .
والمؤمن إذا انتابته كارثة من كوارث الزمن ووقعت به المصيبة : فإن أمله في
الله مازال موجوداً ,كيف يكون موجوداً والوالد قد مات ؟ كيف يكون موجوداً
والبيت قد احترق , والمال قد ذهب , نعم إنه موجود في رجاء الأجر على
احتساب المصيبة بالصبر (( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ
إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ )) ( البقرة : 156 )
هذا هو السر في عدم يأس المؤمن لأن أمله موصول بخالقه ومن كان كذلك
فقد فاز وأفلح وطرد اليأس من قاموس حياته !