عرض مشاركة مفردة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 29-09-2007, 02:42 AM
فهد المويسه
عضو شرف
الصورة الشخصية لـ فهد المويسه
رقم العضوية : 437
تاريخ التسجيل : 25 / 10 / 2006
عدد المشاركات : 8,346
قوة السمعة : 27

فهد المويسه بدأ يبرز
غير متواجد
 
الافتراضي
3- حول السيرة الشعبية:
وعدتُ في بداية المقالة أن أتحدث عن السيرة الشعبية من حيث هي مادةٌ للكتابة الدرامية. ولعلَّنا هنا نتذكر جميعاً مقدار الاحتجاجات التي أُثيرتْ على المسلسل الجميل (الزير سالم) الذي كتبه أستاذي، الكاتب الكبير ممدوح عدوان رحمه الله، والذي إلى روحه أُهدِي كلَّ ما كتبتُ حتى الآن، بل وكل ما سأكتب فيما بعد.
عرف العرب في عصور الانحطاط الثقافي والفني عدداً من السِّير الشعبية التي يشبهها البعض بالملاحم عند الشعوب الأخرى كالإلياذة والأوذيسة والمهابهاراتا والشاهنامة. لعل أبرز وأشهر هذه السِّير سيرة (الزير سالم)، وسيرة (عنترة بن شداد)، وسيرة (تغريبة بني هلال)، وسيرة (سيف بن ذي يزن)، والسيرة التي تشكل حالة خاصة بينها وهي سيرة (الظاهر بيبرس) وهي تشكل حالة خاصة لأنها السيرة الوحيدة التي تتحدث عن ما بعد الإسلام بستة قرون تقريباً، ولأنها السيرة الوحيدة التي بطلها ملك لا فارس من أوساط شعبية. ولنلاحظ أنَّه مع اكتمال المسلسل الذي نحن بصدد الحديث عنه الآن، تكون هذه السير جميعها قد تحولت إلى مسلسلات درامية، وإن كان مسلسل (الظاهر بيبرس) -الذي قمتُ بكتابته وتمَّ إجراء تغييرات كبيرة عليه- قد ابتعد عن السيرة الشعبية ابتعاداً تاماً، وذلك لتوفر عدد كبير من الوثائق حول المرحلة، ذلك أنها مرحلة حديثة بالقياس إلى المراحل التي تدور فيها أحداث السير السابقة الذكر، وللتناقضات الهائلة بين السيرة الشعبية والوثائق.
إن من يقرأ هذه السِّير يلحظ عدداً وافراً من نقاط التشابه، منها مثلاً تمحورها الكامل حول بطل واحد أوحد يتصف ببطولة خارقة، وبقوة جسدية تفوق بقية البشر، وبذكاء خارق، وبتوفيق إلهيٍّ دائم ناجم عن التقوى الكبيرة -بالعنى الإسلامي تحديداً- التي تحملها هذه الشخصيات -رغم أن معظمها من زمن سبق الإسلام-. كذلك، تنقسم شخصيات هذه السير إلى نوعين لا ثالث لهما: إيجابي يكون داعماً للبطل ومحباً له حباً غير مشروط، وسلبي يكون ضد البطل دائماً ومحارباً له. يعكس ذلك كله وغيره رغبة الناس المسحوقين -وهم المؤلفون الحقيقيون لهذه السير- في الاستماع إلى سيرة بطل خارق عاش ظروفاً قد تكون مشابهة لظروفهم، ثم خرج لينصف كل مظلوم وينصر كل ضعيف. لعل هذه الرغبة نابعة من شعورهم بالقهر تحت حكم جائر وظروف فقر مدقع، مترافق مع شعورهم بالعجز عن تغيير أحوالهم. وهم عندما يستمعون إلى حكايات هذا البطل ومنجزاته، يأملون ولا شك بأنه سيخرج من بينهم يوماً من يشبهه ليقوم بما قام به بطل هذه الحكايات فيخلصهم من كل ما يعانون. إن هذا يصبح -شيئاً فشيئاً- الغرض الأول والأساسي من السيرة الشعبية، مما يجعلها تقوم بمهمة تهدئة النفوس وامتصاص الغضب العارم الذي تحمله جماهير الناس على ظروفها وأوضاعها القائمة.
كذلك، تتسم هذه السير بوضع شخصٍ مرافق للبطل، غالباً ما يكون طريفاً وصاحب نكتة، ولربَّما اتصف بشيء من "الدَّروَشة" بالمعنى الشعبي لا الصوفي (طيبة القلب الزائدة الممتزجة بالسذاجة).
من ناحية أخرى، نجد في كل السير أخطاءاً تاريخية ونحوية لا تكاد تنتهي، وميلاً إلى الكتابة باللهجة العامية، ولهذا نلحظ اختلافات بين النسخ الشامية والمصرية من هذه السير على سبيل المثال. وذلك طبيعي جداً، حيث إن العهد الذي ازدهرت فيه رواية هذه السير، وهو العهد العثماني، اتَّصف بانحسار التعليم انحساراً شديداً، فما كان بالإمكان لدى الرواة أو الجمهور التدقيق التاريخي والتمحيص، وما كان بالإمكان -أيضاً- التأكد من صحة الصياغات اللغوية ودقتها. عليه، تمتلئ هذه السِّيَر بخلط تاريخي، يتمثل أكثر ما يتمثل، في إدخال شخصيات -تنتمي إلى عصور قريبة من العصور التي تتناولها السير- في نسيج الحدث رغم استحالة ذلك تاريخياً.
مثالاً على ذلك، ورود تُماضِر بنت الشريد في السيرة على أنها زوجة زهير بن جذيمة سيد عبس. على أن تماضر بنت الشريد هي نفسها الخنساء، الشاعرة الشهيرة. (تلافينا هذا الخطأ بتغيير اسم أبيها، وهنا أشكر الفنانة لورا أبو أسعد التي نبهتني إلى هذا الخطأ عندما قامت بالبحث عن الشخصية، وقد أكَّد الدكتور محمد محفل نتائج بحثها). من المعروف أن الخنساء قد خطبها دريد بن الصمة، ومن المعروف أيضاً أنها أدركت الإسلام وأسلمت، بل واستشهد أبناؤها الأربعة في القادسية ولها قصيدة شهيرة عن هذه الحادثة. فإذا افترضنا أن الخبر في السيرة صحيح، يكون عمر تماضر خمسة عشر عاماً -على أقل تقدير- قبل قرن من الهجرة النبوية الشريفة تقريباً، فلا بد إذن أنها عاشت ما يربو على القرن ونصف القرن حتى وصلت إلى أن تعاصر القادسية وترثي أبناءها فيها. الغريب أن ابن حزم الأندلسي يقع في الخطأ نفسه في (الجمهرة)، ولعل هذا عائد إلى بعده عن مكان الأحداث كونه من الأندلس، أو إلى أن بوادر السيرة الشعبية كانت قد بدأت تظهر على ألسنة بعض الرواة.
إن هذا المثال -وهناك الكثير الكثير غيره- يثبت أنَّ السيرة الشعبية لا يمكن أن تكون مرجعاً تاريخياً موثوقاً -كما أسلفْنا-، بل إن بعضَ المراجع الموسومة بأنها تاريخية لا يمكن أن تكون موثوقة تماماً. حتى الشعر، قد يكون بعضه منحولاً من قِبَل بعض الرواة، أو مُضافاً ليلائم الظروف والأحوال التي تخيَّلوها لتلك الشخصيات. من المشروع طبعاً أن يُكتب مسلسل بناءاً على السيرة الشعبية، على أن يُعلَن أنَّ ما يقَدَّم هو ليس وثيقة تاريخية، بل هو الخيال الشعبي. ولكنَّ هذا لم يكن خيارنا في مسلسل "عنترة بن شداد".
لذلك كله، ولغيره من الأسباب -التي لا نريد إرهاق القارئ بذكرها جميعاً-، وجب عليَّ أن أكتب المسلسل بناءاً على التصورات والاستنتاجات التي يمكن استقاؤها من المراجع القليلة، والتي لا تورد أكثر من إشارات أو أوصاف لشكل الحياة والعادات والأطعمة والأشربة. كما ساهمتْ في بناء تلك الرؤية المسلسل المراحل اللاحقة له زمنياً، إذ إن شيئاً في التاريخ لا يخلق من العدم، بل لا بد له من إرهاصات.
4- إشارة أخيرة لا بد منها:
لا يمكنني أن أكتب كل ما كتبتُ عن المسلسل دون أن أذكر رامي حنا في تجربته الإخراجية الأولى. فهو المخرج الذي أشعرني حقاً بأنه شريكي الفني في المشروع. وقد شاهدتُ إحدى حلقات المسلسل التي اكتمل تصويرها، وأُعجِبتُ إعجاباً شديداً بمستوى ما قدمه رامي ويقدمه من رؤية بصرية جميلة، وفهم متميز وعميق للنص الدرامي. بل أزيد على ذلك وأقول إن رامي هو البطل الحقيقي للمسلسل برأيي، والحكم للجمهور في النهاية.
أعود لأؤكد أن الهدف من هذه المقالة ليس التبرير لما يمكن أن يجد المشاهدون من أخطاء -وأتمنى ألا يكون هناك أي أخطاء-. أرجو ألا أكون قد أثقلتُ كاهل القارئ العزيز وأطلتُ.



كتبها غسان زكريا





هذا الرابط

http://ghzakaria.maktoobblog.com/?post=457922


توقيع فهد المويسه
(((اللهم لك الحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك )))














استغفر الله العظيم التواب الرحيم لذنبي وللمسلمين
وللمسلمات وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء منهم
والاموات الى يوم الدين

 

 



Facebook Twitter