عرض مشاركة مفردة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 29-09-2007, 02:41 AM
فهد المويسه
عضو شرف
الصورة الشخصية لـ فهد المويسه
رقم العضوية : 437
تاريخ التسجيل : 25 / 10 / 2006
عدد المشاركات : 8,346
قوة السمعة : 27

فهد المويسه بدأ يبرز
غير متواجد
 
الافتراضي بيان صادر من كاتب مسلسل عنترة بن شداد
بيان حول مسلسل عنترة بن شداد

بعد الاطلاع على عدد وافر من المنتديات المنتشرة على شبكة الإنترنت، شعرتُ بالاهتمام الكبير الذي تحظى به أخبار مسلسلي الثالث "عنترة بن شداد" وهذا اسم مؤقت قد يغيره القائمون على المسلسل -وهذا أمر ثانوي على أية حال-. إلى جانب ذلك الاهتمام، لحظتُ عند معظم المهتمين قدراً كبيراً من المعلومات حول المرحلة ورجالاتها الذين كانوا حول عنترة ولا سيما المشاركون في الحرب الشهيرة المعروفة باسم داحس والغبراء. وقد لاحظتُ أيضاً أن معظم هذه المعلومات مصدرها تناقل شفهي من التراث الشعبي أو من بعض الكتب التي اختصَّت بالأدب والشعر من التراث القديم أو الحديث. لعل أشهر هذه الكتب كتاب (الأغاني) للأصفهاني وكتاب (جمهرة أنساب العرب) لابن حزم الأندلسي وكتاب (أيام العرب في الجاهلية) لمحمد أحمد جاد المولى، كما تنتشر بعض أخبار هذه الحرب وأيامها في كتب التاريخ الأشمل من الكتب المذكورة مثل (مروج الذهب) للمسعودي و(الكامل في التاريخ) لابن الأثير وغيرها من كتب التاريخ والتراث الشهيرة. ولا شك أن أشهر هذه الكتب على الإطلاق هو سيرة عنترة الشعبية التي وضعها الخيال الشعبي له بعد أكثر من خمسة قرون على موته والتي يندر ما تتوفر في نسخة كاملة، ولكنْ يمكن إيجادها في نسخ مختصرة اجتهد فيها بعض الكتاب بمحاولات التصحيح و"التنظيف" إن صح التعبير. وسنعود إلى مسألة السيرة الشعبية في موضع متقدم من هذه المقالة.
1- حكاية عملي في المسلسل:
طلب مني الفنان (سلُّوم حداد) قبل عدد من الأشهر أن أبدأ التحضير لمسلسل عن عنترة بن شداد، ونتيجة لتعرضي للعديد من المشاريع غير الجدية، أعترف أني لم آخذ الأمر على محمل الجد في حينه، فاقتصر تحضيري للعمل على قراءة سريعة لبداية السيرة الشعبية. ووسط عدد من الأبحاث التي كنتُ أقوم بها -بعضها لمشاريع شخصية وبعضها لأعمال ممكنة أو متوقعة-، كتبتُ حلقة أولى -على مهل- تصف الجو العام في قبيلة عبس على ما استطعتُ أن أستنتجه مما كان بين يدي من الوثائـق -والتي كانت أقل مما يكفي لعمل معقول السوية-. اتَّضح لاحقاً أن ثمة صعوبات في كتابة نص جديد لوجود نص مكتوب منذ عدة سنوات لكاتب آخر. وبعد أن تمَّ اختيار الممثل الشاب (رامي حنا) مخرجاً للعمل، والمؤرِّخ الدكتور (محمَّد محفِّل) مدققاً تاريخياً، تمَّ الاتفاق على أن أقوم بمعالجة درامية للنص السابق بحيث يتم إعداده بصيغة جديدة أكثر عمقاً. انطلقتُ في المعالجة التي ابتدأتُ بها من رغبتي بالخروج من عباءة السيرة الشعبية الممتلئة بأحداث غير منطقية ولا دقيقة، والتي -علاوةً على ذلك- لا تحمل هماً فكرياً على الإطلاق.
لذلك كله، ابتدأتُ التحضير بمساعدة الدكتور محفِّل واعتمدتُ على عدد من الكتب القيِّمة، ومعظمها حديث، مثل كتاب شوقي ضيف الشهير (تاريخ الأدب الجاهلي) وكتاب حنا الفاخوري (تاريخ الأدب العربي) وكتاب الدكتور برهان الدين دلو (مساهمة في إعادة كتابة التاريخ العربي) وقبل كل تلك الكتب، الكتاب الموسوعي الهام الذي وضعه الدكتور جواد علي (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام). أكبر مشكلة واجهتني هي أن المراجع لا تورد سوى شذرات قليلة تصف المرحلة أكثر مما تروي أحداثها. وهي -أي المراجع- عندما تروي الحدث، ترويه باختصار، وبأسماء شخصيات متضاربة، بعضها لم يعاصر بعضَها الآخر، وغير ذلك من تلك المشاكل.
لعل القارئ -الذي سيكون مشاهداً للمسلسل- يشعر الآن بأنِّي أُحَمِّل الحكايات التي يعرفها ارتباكاتٍ غير موجودة في هذه الحكايات، ولكنَّ الواقع أن الأمر يختلف عندما ننتقل من روي شفهي نتبادله فيما بيننا إلى كتابة مسلسل درامي تلفزيوني. على سبيل المثال، يصبح عامل الزمن في العمل الدرامي عاملاً حاسماً، حيث إن الأحداث التي تجري بالتتابع في القصص الشعبي لا بد أن تجري في الدراما بالتوازي. ولا ننسى أيضاً تأثير الزمن على أعمار الشخصيات وبالتالي على التغيرات في مكياج الممثلين، وعلى مئات الاعتبارات التقنية الأخرى. من ناحية أخرى، يحتوي القَصص الشعبي على عدد هائل من الأشعار قد يصل أحياناً -في مجموع ما تقوله الشخصيات التي نتحدث عنها- إلى عدة مئات من الأبيات، وإذ يكون هذا مقبولاً من "الحكواتي" أو الراوي الشفهي، فهو صعب القبول في المسلسل التلفزيوني. ذلك أنَّ إلقاء الشعر يتطلب زمناً طويلاً يثقل كاهل الإيقاع الدرامي، ويقتل الحركة الدائمة المتوقعة في المشاهد المتسلسلة، لأنها تحول الشخصيات إلى متكلم ومستمع، دون تصعيد درامي أو إحياء للحدث. هذه المشكلة نفسها تواجهنا -عادةً- عند التطرق للعلماء أو الفقهاء أو الفلاسفة في الدراما، فللمهتمِّ أن يقبل الجلوس لساعات متعددة لقراءة كتاب في الفقه أو الفلسفة، على أنه من الصعب على مشاهد يبحث عن المتعة، أن يتقبل الاستماع لممثل يقرأ مقاطع من كتب لزمن درامي طويل. إنها -دون شك- من المهمات الصعبة للغاية أمام الكاتب الدرامي، وبالتالي المخرج والممثلين.
على أية حال، نعود إلى حكاية عملي في المسلسل.
بعد إنجازي لثمانية حلقات (320 صفحة) من العمل، اتضح أنه -لاعتبارات إنتاجية وتقنية جديدة- وجب عدم الرجوع إلى نص الكاتب الآخر، وكتابة نص جديد برؤية جديدة. مما استدعى إعادة الحلقات المكتوبة، والبدء بنص جديد كلياً. تم البدء بهذا في بدايات شهر نيسان (أبريل)، أي قبل أقل من خمسة أشهر على شهر رمضان المبارك -حيث المفروض أن يعرض المسلسل-، مما أدى إلى تورِّط فريق العمل -وأنا ضمنه- في زمن ضيق جداً، وقَلَّلَ كثيراً المساحة الزمنية الموجودة للتحضير والبحث التاريخي. وجانب البحث التاريخي في المسلسل مهم جداً، لا سيَّما مع نيتي -بل قراري- بأن يكون هذا العمل عن مرحلة تاريخية بأكملها، وبأكبر قدر ممكن من الدقة، لا عن شخصية واحدة. لا سيَّما وأن حرب داحس والغبراء يُفترض أن تستأثر بجزء مهم من زمن العمل، وهو الأمر الذي صعب تحقيقه، والذي جعل الفنان سلوم حداد يحمل على عاتقه أن ينفذ عملاً آخر جديداً ومستقلاً يتمحور كله حول الحرب بتفصيلاتها وأشعارها وشخصياتها التي امتدت على جزء كبير جداً من بادية نجد.
في هذا السياق، لا بد من التأكيد على نقطتين. الأولى: هي أن المشاهد قد يُفاجأ بِقِلَّة التشابه الشديدة بين السيرة الشعبـية -التي سمعها من حكواتي المقاهي وأبيه وجدته ورفاقه- والحكاية المقدمة في العمل. وليس ذلك لاعتبار ضيق الوقت وحده، وإنما لأسباب أخرى أهمها هي رغبتي ورغبة المخرج رامي حنا ورغبة الفنان سلوم حداد بتقديم رؤية جديدة للحكاية والعصر. حيث إن السيرة الشعبية لا يمكن استخدامها كمرجع تاريخي، وإن كان في الإمكان استخدامها كمادة درامية حيث هي غنيةٌ بالأحداث والتفاصيل المشوقة. من ناحية أخرى، السيرة الشعبية مكتوبة في مئات الكتب والنسخ والطبعات، ومحفوظة لدى رواة عديدين، ويستطيع من يرغب في معرفتها والاستماع إليها أن يقرأها أو يسمعها في مختلف الأماكن، فهذه السيرة بالذات لا ينطبق عليها ما ينطبق على المخطوطات النادرة، التي تفرض نُدرتُها على من يتناولها أن يكون مخلصاً لها. على أية حال، قد حضَّرنا أنفسنا للانتقادات التي قد تظهر على الساحة إثر عرض المسلسل.
النقطة الثانية التي نرغب في التأكيد عليها، هي الامتنان العميق للمجهود الكبير الذي يبذله المؤرخ الدكتور محمَّد محفِّل في إمدادنا بما نحتاج من المعلومات، وفي مراجعة الحلقات حلقة حلقة للتأكد من الدقة التاريخية قدر الإمكان، ذلك أن المصادر شـديـدة الشح -كما ذكرنا-، وهذه حالٌ عامَّة حين الرغبة في الاطلاع على تاريخ العرب في فترة ما قبل الإسلام. كما لا بد أن نشكر الدكتور محفل على استعداده لاحتمال المسؤولية فيما يتعلق بالناحية التاريخية للعمل، وعلى ملاحظاته القيِّمة وأفكاره النيِّرة التي ساعدت على بناء العمل وإنجازه بأفضل صورة ممكنة.
2- التباس مهم أثناء التصوير:
لا بد -للأسف- من ذكر الحادثة المزعجة التي تعرض لها طاقم العمل أثناء التصوير، وهي انسحاب أحد الممثلين من التصوير -وهو الممثل الذي يقوم بدور الربيع بن زياد العبسي- قبل تصوير المراحل الأخيرة من العمل. مما اضطرني واضطر بقية طاقم العمل إلى التعامل مع المشكلة، باستبدال أفعال هذه الشخصية بشخصيات أخرى، لتلافي المشكلة ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه. تكمن المشكلة الحقيقية في هذا في دور هذه الشخصية (الربيع بن زياد) التاريخي الموثَّق -نسبياً- في تلك المرحلة. حيث إن هذه الشخصية كانت لها يد طولى في أحداث حرب داحس والغبراء، وكانت ذات تأثير بليغ في مسار الأحداث، لا سيما إثر خلافه مع ملك عبس الجديد قيس بن زهير. وأحسب أن هذا سيزيد الطِّين بلة بالنسبة للمشاهدين المهتمِّين بأن يروا هذا التاريخ على الشاشة، وعلى هذا أقدم عميق اعتذاري عن ذلك الخطأ، وأحتمل الجزء المتعلِّق بي من المسؤولية وهو أنِّي كتبتُ أثناء التصوير، ولم أمنح نفسي وعملي الوقت والاحترام الكافيين.
إلا أنني في الوقت ذاته أجد نفسي مضطراً لأن أكون صريحاً وجريئاً فأقول إن انسحاب الممثل جاء لأسباب غير مهنية على الإطلاق، وغير احترافية، وهي إنما تدلُّ على الفهم الأعوج الذي يحمله هذا الرجل للدراما عموماً ولمهنته -مهنة التمثيل- خصوصاً. إنه لَخطبٌ جَلَل أن يكون لدى بعض الممثلين -حاملي العمل الدرامي وواجهته- هذا المنطق الملتوي للتعامل مع مهنة بهذه الأهمية والحساسية، وأن يقوموا بمحاولات لَيِّ ذراع القائمين على الأعمال بانسحاب مُوَرِّطٍ من هذا النوع. وإنَّه لَخَطْبٌ أَجَلُّ أن يُطالَب الكاتب بكتابة الأدوار والشخصيات على أساس أمزجة الممثلين ورغباتهم، لا على أساس الرؤية الفكرية، والحرفة الدرامية، وكأنه -هذا الكاتب- حائكٌ يحوك الأثواب على مقاسات الناس. على هذا، أرغب في التأكيد أنِّي سأسعى جاهداً ألا أرضخ إلا إلى ضميري المِهَني ومسؤوليتي الفكرية والجمالية أمام المشاهد. وأعود لأؤكد أنِّي مستعدٌّ لاحتمال المسؤولية الكاملة عن تقصيري في أيٍّ من جوانب عملي ككاتب -إن كان ثمة تقصير-. ليستْ هذه المقالة تبريراً، بل هي تهيِئة للمهتمين من المشاهدين، كي يعرفوا ضمن أي مناخ سيشاهدون المسلسل.




توقيع فهد المويسه
(((اللهم لك الحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك )))














استغفر الله العظيم التواب الرحيم لذنبي وللمسلمين
وللمسلمات وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء منهم
والاموات الى يوم الدين

 

 



Facebook Twitter