على البال
سننتصر، سننتصر..!!
محمد الرشيدي
« نكسة» «انتصار» أشهر مفردتين تستخدمان في الإعلام العربي بعد أي معركة عسكرية لأي دولة عربية ولا ينافس هاتين الكلمتين إعلاميا سوى الكلمتين الأشهر سياسيا في قاموس الإعلام العربي وهي كلمة «شجب»وزميلتها «استنكار».!!.
«سننتصر»«سننتصر» بكل حزن كان يردد هذه الكلمة الشاب اللبناني الأربعيني وهو يصرخ بأعلى صوته على أنقاض منزله الذي دكته الصواريخ الإسرائيلية وساوته بالأرض وقبل ثمان وأربعين ساعة من موعد تنفيذ قرار مجلس الامن رقم 1701، الرجل كان في حالة هستيرية لا يلام عليها مطلقا، وهو هنا لم يحدد موعد النصر رغم حالته النفسية في تلك الفترة، وكذلك الحال مع الشاب اللبناني المثقف والذي ظهر على قناة «الجزيرة»وأكد انه مع مجموعة من زملائه سيلاحقون العدو الإسرائيلي بالمحاكم الدولية وعبر منظمات حقوق الإنسان لكي ينتصروا، حتى لو كلف الأمر استمراريتهم بهذا المنوال لعشرات السنين !!
امام كل هذه الأمور المحزنة ينتابك نوع من المعاناة الإنسانية الأكثر إيلاما وأنت تتابع أهالي الجنوب اللبناني، وهم يترقبون عقارب ساعاتهم لأطول موعد يمر على حياتهم وهم في انتظاره وهو موعد إيقاف إطلاق النار الساعة الثامنة صباحا، كم من المشاعر الجياشة تعتصر لحظة أهم ساعة مرت على لبنان ومعاناته مع الحرب التي قتلت الأبرياء ودمرت الكثير من البنى التحتية الهامة والبيوت في لبنان !!
الإشكالية هنا أن يأتي السياسيون وببرود من حزب الله والداعمين له في سوريا ولبنان ويهنئون الأمة العربية والإسلامية بالنصر التاريخي الذي تحقق، ويتغنون بالهزيمة النكراء التي مني بها الجيش الإسرائيلي، رغم أن دماء أكثر من ألفي ضحية بريئة لم تجف وأكثر من 16 ألف عائلة أصبحت مشردة، فالبرود في إعلان النصر التاريخي يثير في انفسنا علامات الاستفهامات المليئة بالشفقة في أحيان كثيرة على واقعنا العربي !!
اصبح مفهومنا للنصر وهميا وفضفاضا، أعلام يرفعها الأبرياء المساكين وكأنهم يشجعون كرة قدم وابناءهم قتلى ومساكنهم مدمرة وأمامهم عدو لا يؤتمن !!
الشخصية «الكاريزمية» لعنة ارتبطت سياسيا بالمواطن العربي، فصدام حسين عندما أعلن وبمجرد الكلام انه سيحرق «تل ابيب» أصبح الأسطورة وأصبح «التسمي» باسمه شرفا لا يصل اليه أي احد، وعندما اعلن السيد حسن نصرالله انه سيحرق حيفا وأيضا تل ابيب، ردد البسطاء «لبيك يا نصرالله»، «بالروح والدم نفديك يا نصرالله» ومرت ثلاثون يوما وعدد القتلى الإسرائيليين وخصوصا من المدنيين لا يتجاوز أصابع اليدين، بمقابل أكثر من ألف ومائتين قتيل من الأطفال والأبرياء !!
حتى بعد وقف إطلاق النار اللغة السياسية الخطابية إعلاميا للسيد نصرالله كانت لغة الشعارات القومية العربية، انتصرنا، انتصرنا، أما المواطن الغلبان من الجنوب اللبناني خصوصا فلا يهتم سنوفر له مصروفا ماديا وأثاث منزل .
ولكن السؤال :ما هو حال من فقد أبناءه وأسرته، ماهو الحال لمن حمل طفلة مثخنة بالدماء وهو يموت بين يديه، ماهو حال الاسر التي تعفنت جثث ابنائها تحت أنقاض مساكنهم، ما هو الحال للعجوز التي شردت وللطفل الذي أغرقه الرعب، هل ستكون الأموال فقط التي سيوزعها نصرالله كافية لتضميد جراحهم وأحزانهم وهمومهم !!
متى نصل كعرب إلى لغة إعلامية سياسية تكون صادقة مع واقعنا، متى نلغي كلمة «شجب» و«نكسة»و«انتصار مزيف» من قواميسنا على الأقل الإعلامية، فإذا كنا صريحين مع بعضنا، وعدنا بكل عقلانية وهدوء للبيان السعودي عند بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان، سننتظر النصر مهما خسرنا ولكن بدون «مغامرات»..!!