النوخذه سالم الشبال
1900-1988
كانت ولادة النوخذه سالم الشبال في الحي القبلي في مدينه الكويت عام 1900م وقت ركب البحر كعادة الكويتيين منذو الصغر مع عمه النوخذه حمد الشبال المتوفي عام 1922 وبدأ معه عمه (تبابا)ثم غواصا وتدرج في درجات العاملين في شؤون البحر حتى اصبح نوخذه في مركب عمه النوخذه حمد الشبال وخاض غمار البحر ربانا وهو شاب في مقتبل العمر.
كانت مغاصات الكويت محلا لمركبه واذا لم يجد بها غايته من رحلة الغوص رفع شراع مركبه واتجه نحو مغاصات البحرين والخليج ، وكان ذا قلب جرئ فهو في البحر نوخذه صلب لا يهاب المخاطر واقتحام الاهوال.
ولان طموحات وتطلعات النوخذه سالم الشبال كانت كبيرة انتقل الي الشق الاخر والرافد الزاخر لحياة الكويت الا وهو السفر بالبحر عبر السفن الشراعيه فصرف جهده وشحذ همته وجعل معطياته تتجه نحو هذا العلم الذي يندرج في كنفاته اصول الملاحة.
رافق سالم الشبال نواخذة السفن الشراعيه وبالتحديد نواخذة عائلة العثمان فهم اكثر صيتا من غيرهم ، تمرس النوخذه سالم الشبال في علوم النقل الشراعي واكتسب خبرات كثيرة فاصبح ( سكوينا أي مسؤولا عن دفة السفينه
( يتولي قيادة دفة السفينه مع النوخذه عيسى العثمان فوصل الى موانئ الهند الشهيره كراتشي والنيبار وبومبي وكلكتا ولم يقتصر على ذلك بل وصل ايضا الى موانئ شرق افريقيا الزنجبار ولاموه وممباسا ، فمن تلك الموانئ تجلب البضائع المختلفة والمواد الغذائيه والاخشاب والحبال وغيرهم .
ظل النوخذه سالم الشبال على السفن الشراعيه سكوينا أي مسؤولا عن دفة السفينه مدة طويلة ، اصبح بعدها يرافق نواخذة السفر الشراعي مجدميا (يعني رئيس البحارة) لما كان يتمتع به من شخصية قوية فقد كان صلبا في عمله وجريئا قليل الكلام الا بما ينفع ذا هيبة واحترام ومع ذلك كان كريما في غاية الكرم وعطوف
ذا قلب رقيق.
لقد اجاد النوخذه سالم الشبال وهو على السفن الشراعيه في استخدام آلة الكمال التي تستخدم في قياس ارتفاع الشمس في عرض البحر وآلة الكرونومتر لقياس خطوط الطول وكما كان معلما للنواخذه الصغار امتد عمله على السفن الشراعيه نحو 30 عاما عاصر خلالها الكثير من الحوادث والامور الجسام التي كانت تعتري هذي المهنه والعواصف التي كانت تهب عليهم كالطوفان.
في احدى السنين اصطدمت السفينه التي كان النوخذه سالم الشبال يقودها باحد الشعب المرجانيه فاحدث هذا الاصطدام خرقا (فتحه) بها فقام من كان على متنها فقلبوها على احد جنباتها ثم قاموا باصلاحها وهذا التصرف يعد اسطوريا في ذلك الوقت ، اصيب من جراء هذا الحادث بتمزق باضلع صدره ظل المه ملازما له طيلة عمره وكما فقد احدى عينيه في حوادث مشابهة لتلك الحادثه ولم يكن النوخذه سالم خلال رحلاته مع نواخذة السفر الشراعي (سكونيا أي قائد دفة السفينه) يتولي ادارة سكان السفينه او رئيسا للبحارة ومعلما للنواخذه الصغار فقط بل كان اماما لجموع البحارة للصلاة في وقتها فهو حافظ للقران الكريم وطبيبا مداويا يسهر على راحه البحارة يعالجهم من الامراض والعلل وقاضيا يحكم بينهم في النزاعات والاختلافات ومحاميا عن حقوقهم كان احد نماذج الرجال الاقوياء الاشداء ذو الهمم العاليه والنفوس الشامخه .
وكما اسلفنا ان سيرة النوخذه الحاج سالم الشبال صفحات مشرقة ولوحة جمعت الوان الطيف الجميلة من تلك الصفحات شعره العذب الذي كان يشدو به بحب وطنه الكويت بكلمات سهلة عفويه صادقة ،تغني فيها بحب الكويت والدفاع عنها رغم انه كان يجيد ضروب الشعر(انواعه) كله الا ان حب الكويت غلب على ذلك ومن قصائده العرضة الحربية التي قالها ابان ازمة قاسم :
شيخها بالك يقرك دهابيل الا علوم.. .. المراجل لا ترخى قوى احبالها
اعتزم بالله ورايك وراي الله يدوم.. ..كل دار دونها شيوخها وارجالها
دارنا هي دارنا دارنا وقت اللزوم.. .. عزنا من عزها والسعد يبرالها
السعد ياشيخ من فوق ديرتنا يحوم .. ..دوك جنحاته يرفرف عليك اضلاله
يا ولد سالم ترى العز من منشا الغيوم .. ..خالق الدنيا ومرسي رواسي اجيالها
انهض البيرق وحنا على الداعي نقوم.. .. واجب منا علينا نحامي جالها
شعبنا يا شيخ مع جيشنا لم اللموم .. .. لابة تعجبك بيمانها وافعالها
لابة تعجبك بيمانها ضرب السهوم.. .. بالمدافع والقنابل تشب اشعالها
ما نهاب الموت والموت ملزوم لزوم .. .. والعمار الغاليه مرخصين ارجاله
ومن اسهاماته الوطنية مشاركته في بناء السور الثالث سنه 1919م الذي بني في شهر رمضان عقب معركة حمض وقد كان عندما حدثت في رحلة سفره الي الهند اما معركة الجهراء 1920 فكان مع اهل الفزعه والنجدة التي انطلقت من نقعة (مكان التي تجتمع به السفن عند الشاطئ) شرق الى كاظمه والخويسات .
وبعد كساد التجارة عبر السفن التجارية وتوقفها شبه النهائي اواخر الخمسينيات اسس النوخذه الحاج سالم الشبال مؤسسة لبيع الخيام وهي من اوائل المؤسسات الكويتيه في هذا المجال يساعده في هذا العمل ابنه حمد بن سالم الشبال ولقد كان هينا لينا سمحا في البيع والشراء .
ومن ال الشبال الكرام الغيص (الغواص على اللؤلؤ) الشهير مسلم الشبال ذو نفس العالي ينزل في القوع (قاع البحر) يصعد الغاصة كلهم وهو لا يزال يغوص في قعر البحر.
لم تخل حياته البحرية من المغامرات والمجازفات ومن ذلك تلك الضربة البحرية التي جائتهم في منتصف الليل حين غاب القمر ولمت النجوم السماء ذلك المنظر البهيج في البحر عكره ريح عاصف قلب موج البحر الى ظلم كالجبال قلب المركب وغرق شيئا فشيئا في عرض البحر فاخذ كل من الرجال الموجودين على المركب ينجو بنفسه للنجاة من هذا الكرب.
سبح مسلم الشبال تجاه السيف ولمح احد رفاقه خلفه اعياه تعب السباحه فامسك بخشبة لعلها تخفف عنه ذلك التعب لكن دون ما جدوى فلم يستطع اكمال السباحه فرجع اليه مسلم الشبال وقال مابك قال تعبت ولا استطيع اكمال سباحتي نحو الساحل هنا في هذا الموقف الذي اوشك الجميع فيها على الهلاك وكل يريد النجاة بنفسه.
قال مسلم الشبال لذلك الغريق تمسك في وجعله يمسكه ،وحمله على ظهره حتى وصل الي الساحل بر الامان، وكان احد السواحل العمانيه طلعت عليهما الشمس وهم على الساحل ، فرآهم اهل سفينه كانت ماره بالقرب من مكان السفينه التي غرقت حملوا بعض الذين وجدوهم في عرض البحر من الناجين الذي بدورهم عرفوهم فسروا بهم وحملوهما معهم.
ومن الحوادث الاخرى التي جرت له ان لخمة كبيرة الحجم بركت عليه وهو في قاع البحر يلتقط المحار فاطلق من يده الحبل الذي نزل به حتى لا يسحبه السيب (مساعد الغواص الذي يسحبه من قاع البحر وهو على المركب) الموكل به وتشعر به تلك اللخمه انه تحتها سحب السيب الحبل فجاء وصاحبه ليس معه وطال الوقت فظنوا انه مات تحت في قاع البحر ولكن الغيص مسلم الشبال كان ذا نفس عالي مكنه ذلك من الصمود في هذا الموقف الخطر فاخذ يتعامل مع تلك اللخمه بذكاء وخبرة وحنكه فانتفضت وارتفعت مكانها فخرج من تحتها وظهر على سطر البحر فرآه رفاقه بعد ما ظنوا انه هلك.
المصدر كتاب اعلام الغوص والبحر عند الرشايده
لمؤلف سعود البعيجاني
وسلامتكم