عرض مشاركة مفردة
  رقم المشاركة : [ 38  ]
قديم 21-07-2007, 05:30 AM
بنت العبسي
جُـنـُونِي سِر فُـنُـونِي
الصورة الشخصية لـ بنت العبسي
رقم العضوية : 1695
تاريخ التسجيل : 25 / 6 / 2007
عدد المشاركات : 7,636
قوة السمعة : 26

بنت العبسي بدأ يبرز
غير متواجد
 
الافتراضي رد : مخلوقة اقتحمت حياتي .... قصة قمة في الروعة ...

عادت دانه من سهرتها الخارجية عند العاشرة و النصف ...


كنت أشاهد الفيلم الذي أحضره والدي مؤخرا ، و حين دخلت غرفة المعيشة رمت بحقيبة يدها على المقعد و تهالكت عليه بتنهد ...



" لم لم تنامي بعد رغد ! عادة ما تنامين باكرا جدا ! "


لم ألتفت إليها ، و أجبت :

" سأتابع الفيلم حتى النهاية "


صمتت لحظة ، ثم قالت :


" سأريك شيئا "


و سحبت حقيبتها ، و منها أخرجت علبة مجوهرات صغيرة ، و فتحتها لتريني الخاتم الذهبي الرائع الذي بداخلها ...



" رائع ! كم ثمنه ؟؟ "


رفعت رأسها و نظرت إلي من طرف عينيها و قالت :


" كم ثمنه ؟؟ لا أعرف طبعا ، و لكن بالتأكيد باهظ ... أهداني إياه خطيبي الليلة ! كم هو رائع ! "


قلت و أنا أتأمل هذه التحفة المبهرة :


" نعم ! رائع هنيئا لك ! "


قالت دانة :


" حقا ! هل غيرت رأيك فيه أخيرا ! "


قلت :

" الخاتم ؟؟ "


" بل خطيبي يا نبيهة ! "



حدقت بها قليلا ثم قلت :


" بغيض و مغرور ... "


ثم أشحت برأسي عنها ...


و إن كان بغيضا في عيني ، فهو في عينيها شيء رائع ... و مميز !


لم تكترث دانة لقولي ، و أخذت تنقل الخاتم من إصبع لإصبع بسرور و دلال !


" دانه ... "


" نعم ؟ "


كنت أريد أن أسألها ... و شعرت بالخجل ... و لزمت الصمت !


دانة نظرت إلي باستغراب :

" نعم رغد ؟؟ ماذا أردت القول ؟؟ "


ترددت قليلا ثم قلت بحياء و بصوت منخفض و نبرة متوترة :

" هل ... تحبين نوّار ؟ "


دهشت دانه من سؤالي ، لذا حملقت بي وهلة ، ثم قالت :

" ما هذا السؤال !؟ "


ندمت لأنني طرحته ! إنه موضوع حساس لم أجرؤ من قبل على التحدث فيه مع أي كان ...

و لما لحظت دانه تراجعي الخجل ، قالت :

" نعم أحبه ! إنه شريك حياتي ... ! نصفي الآخر ! "



صمت قليلا ثم سألت :

" إذن ... كيف تشعرين حين يكون معك ؟؟ "

أنا بنفسي لاحظت ذلك ... رغم المساحيق التي تغطي وجهها ألا أن اللون الأحمر المتوهج طلى وجهها و هي تجيب على سؤالي :

" أشعر ... ؟؟ ... بالحرارة ! "


و أشارت إلى قلبها بيديها كلتيهما ...




الحرارة ... في صدري و جسمي كله ، هي شعور لم أحس به في حياتي ... إلا عندما اقتربت من شخص واحد فقط ... هو وليد ...







~ ~ ~ ~ ~ ~ ~
" وليد ! هل فقدت صوابك !!؟؟


قال سيف و هو فاغر فآه لأقصى حد من هول المفاجأة ...


لقد أخبرته بخبر فعلتي الجنونية الأخيرة ...


" نعم يا سيف ! استقلت و انتهى الأمر "

أخذ يهز رأسه و يضرب يدا بالأخرى من الغيظ و الأسف ...


" أرجوك يا سيف ... قضي الأمر ... لم أكن لأستطيع الاستمرار و الجميع ينظر إلي و يعاملني بهذا الشكل ... يحتقرونني و يتحاشون الاقتراب مني و كأنني وباء خطير "


" و ما لك و لهم ؟ وليد ! لم يكن الحصول على هذه الوظيفة بالأمر السهل ... لقد تسرعت "



استدرت بغضب ، و قلا بانفعال :


" فليذهبوا بوظيفتهم للجحيم "


أعرف أن العثور على عمل هو من أكثر الأمور صعوبة في الوقت الحالي ، لكنني ضقت ذرعا بالهمزات و اللمزات التي يرمي بها الآخرون علي بقسوة ، لكوني قاتل و خريج سجون ...


كما و أنني سمعت بعضهم يذكر صديقي سيف بالسوء بسبب علاقته الوطيدة معي ...
بقائي في العمل بشركته صار يهدد سمعته هو ... و أنا لم أكن لأرضى عليه بأي أذية ...


أليس هو الباقي لي من الدنيا ؟؟



تلا هذا صمت مغدق ...


سيف استاء كثيرا جدا من إقدامي على هذه الخطوة التي وصفها بالتهور ... ألا أنني كنت أراها حلا لأبد منه



قال :


" ما أنت فاعل الآن ؟؟ "


ابتسمت ابتسامة سخرية ...


" أفتش من جيديد "



نعم ... عدنا للصفر !


لو أنني أتممت دراستي ، مثلك يا سيف ، لكنت الآن ... رجلا محترما مهابا ... أتولى إدارة إحدى الشركات كما كنت أحلم منذ الصغر ...


و فشلي في تحقيق أي من أحلامي ، هو أمر لا يجب أن تتحمل أنت مسئولياته ، أو ينالك سوء بسبب علاقتك بي




سيف كان قلق ... أردت أن أغير الموضوع ، فقلت :


" أخبرني ... ما النبأ الجميل الذي تحمله ؟؟ "


و كان سيف قد أبلغني بأن لديه خبر جميل ، عندما وصل إلى بيتي قبل دقائق !


سيف قال :


" لقد ... عزمت على إتمام نصف الدين ! "


فاجأني الخبر ، و أسرني كثيرا ، فأمطرت صديقي بالتهاني القلبية ! إنه أول خبر سعيد أسمعه منذ شهور ...


" أخيرا يا رجل ! فليبارك الله لك ! "

" شكرا أيها العزيز ... العقبة لك ! متى يحين دورك ؟؟ "



دوري أنا !

إن مثل هذا الموضوع لم يكن ليخطر على بالي !

و هل يفكر في الزواج رجل خرج من السجن قبل شهور ، و بالكاد بدأ يتنفس الهواء ... و كان و عاد عاطلا عن العمل ! ...


و فوق كل هذا ... ذو جرح لم يبرأ بعد ...


قلت :


" قد تمضي سنوات و سنوات قبل أن تعبر الفكرة على رأسي مجرد العبور ! "

" لم يا رجل !؟ إننا في السابعة و العشرين ! وقت مناسب جدا ! "


قلت :

" لأجد ما يعيلني أولا ! كيف لي أن أتحمل مسؤولية زوجة و أطفال ! "


قال سيف :

" إنك تحب الأطفال يا وليد ! ألست كذلك ؟ "

" بلى ! ... "

" ستكون أبا عطوفا جدا ! "


و ضحكنا


يمكنني أن أضحك بين حلقات سلسة همومي التي مذ بدأت لم تنته ...






قضيت أسابيع أفتش عن عمل ... و فشلت

حتى أقاربي الذين لجأت إليهم طالبا الدعم ، خذلوني

لو كان سبب دخولي السجن شيء آخر ، لرب ما عاملني الناس بطريقة أفضل ...

كرهت الدنيا و كرهت نفسي و كرهت كل شيء من حولي ...

و بدأت نقودي التي جمعتها خلال الأشهر الماضية تنفذ ... و أعود للفقر من جديد ...


كنت جالسا في حديقة المنزل الميتة ... أدخن السيجارة تلو الأخرى ... غارقا في التفكير و الهموم ...



كانت الأرض أمامي قاحلة ... لا زرع فيها و لا حياة ...

تماما مثل حياتي ...


تزوج صديقي سيف بعد 3 أشهر خطوبة ... و ينعم الآن بحياة جديدة ، و يتولى مسئوليات أكبر ... و لم يعد متفرغا لي ...



حصلت على عمل بسيط جدا في أحد المحلات التجارية ... ألا أنني لم استمر فيه بسبب المشاكل التي واجهتني ، لكوني موصوم بالإجرام و القتل ...


أصبحت بإحباط شديد ... و أنا أفقد القليل الذي كنت قد حصلت عليه ... و ضاقت بي الدنيا ... كما و داهمني الإعياء و المرض ... فقررت الهروب من مدينتي إلى مكان ألقى فيه شيء من الاحترام و المودة
بعيدا عن السمعة المجروحة ... إلى حيث يوجد من يحبني و يرغب بوجودي و يتقبلني على ما أنا عليه من عيوب و وصم عار ... إلى أهلي ..








كانت شهور عشرة قد انقضت منذ رحلت عنهم ...

كلما اتصلوا بي أو اتصلت بهم ، أخبرتهم بأنني في أحسن حال ، بينما أنا في أسوئه



أنفث الدخان السام من صدري ... و أفكر ... أ أعود إليهم ؟؟ أم لمن ألجأ ؟؟

أتخيل نفسي بينهم من جديد ... فتظهر صورة رغد لتحتل منطقة الخيال من رأسي ... فأبعدها و أبعد الفكرة ...


" لا ... لن أعود "



و أرمي بالسيجارة على الأرض ، و أدوسها بحذائي فتندفن تحت الرمال ... إلى جانب شقيقاتها ... في قبور متجاورة و مزدحمة ...


لماذا لا أموت أنا مثلها ؟؟

إلى متى أستمر في تدخين هذه الأشياء القذرة ؟؟

ألا يكفي السجن أن لوث سمعتي و ضيع مستقبلي ؟

أ أترك دروسه و مخلفاته تلوث صدري و تفسد صحتي ؟؟

أتذكر قول نديم لي ... لا تدع السجن يفسدك يا وليد ...

هل أنا شخص فاسد الآن ؟؟

نديم ...

ليتك معي الآن ...





فجأة ... تذكرت شيئا غاب عن مذكرتي تماما !


يوم وفاته ، نديم أوصاني بشيء ...

طلب مني أن أزور عائلته و أطمئن عليهم !

وقفت منفعلا ... يا للأيام ! لم يخطر هذا الأمر ببالي من ذي قبل ...

و كيف له أن يجد فرصة للظهور فيما يحتل تفكيري أمور أخرى ...






ربما وفاءا لذكرى صديق عزيز لطالما كان يدعمني في أسوأ أيام حياتي ...

أو ربما كان فراغا طويلا لم أجد معه ما أفعله

أو حتى هروبا من هذه المدينة و سمعتي المنحطة فيها

أيا كان الدافع ، فقد قررت يومها زيارة عائلة نديم !





نديم أخبرني بأنه يملك مزرعة في المدينة الشمالية ، و هذه المدينة بعيدة عن مدينتي و هي أقرب إلى المدينة الصناعية حيث يعيش أهلي ...



جمعت كل ما أحتاجه و ما قد أحتاجه ، و عزمت الرحيل ...



الهدف لم يكن زيارة عائلة نديم تنفيذا لوصيته التي ماتت يوم وفاته ، بقدر ما كان الفرار من الفشل الذريع الذي أعيشه في هذه المدينة


الآن أدرك لم قرر والدي الرحيل ، و لم لا يفكر في العودة

لا بد أنه تعرض لمثل ما تعرضت له ... بسبب جريمتي النكراء ...


ذهبت لزيارة سيف في مسكنه الجديد ، و أبلغته أنني راحل ...


كان وداعنا مؤلما ألا أنه قال :


" في أي وقت ... و كل وقت ... تشعر بأي حاجة لأي شيء ، تذكر أنني موجود "


و دفع إلي مبلغا من المال قبلته على شرط أن أرده له في أقرب فرصة ... و لا أعلم كم تبلغ المسافة بيني و بين هذه الفرصة !




أقفلت أبواب المنزل الكئيب ... و تركت الذكريات القديمة سجينة ... تغط في سبات أبدي ...


بما فيها صندوق الأماني المخنوق ، و الملقى بلا اهتمام عند إحدى زوايا الغرفة

إن كتب لي أن أعود يوما ... فسأفكر في فتحه !




انطلقت مستعينا بالله و متوكلا عليه ... متجها إلى المدينة الشمالية ... لم أكن قد زرتها في حياتي من قبل ، ألا أنني أعرف أن الطريق إلى المدينة الصناعية يؤدي إليها ، و أنها لا تبعد عن الأخيرة إلا قليلا




وصلت إلى المدينة الصناعية ... و شوقي سحبني نحو بيت عائلتي سحبا ...

كيف لي أن أعبر من هنا ... ثم لا أمر لألقي و لو نظرة عابرة على أهلي ..؟؟





كان الوقت عصرا ... أوقفت سيارتي إلى جانب سيارة أبي ، و السيارة الأخرى التي تبدو جديدة و آخر طراز !




توقيع بنت العبسي

 

 



Facebook Twitter