قبيلة بني رشيد - عنترة.. الأسطورة والحقيقة .. (د. سلطان القحطاني

http://adabi-qassim.com/qa/newsm/280.jpg

عنترة بن عمرو بن شداد بن معاوية بن قراد العبسي (ت 601) هو أحد أشهر شعراء العرب في فترة ما قبل الإسلام، وكانت شهرته البطولية، كفارس من فرسان العرب، قد غطت على شهرته الاجتماعية، وكان أحد شعراء المعلقات، وكان عفيفاً في شعره، وصاحب حظوة في الثقافة العربية، وحضور اجتماعي في الثقافة الشعبية.

عُرف باسم عنترة، ولم يعرف إن كان هذا هو اسمه أو أنه لقب علق عليه فاشتهر به، واشتقاق اسم عنترة جاء من نوع من الذباب أزرق اللون يسمى عنترة، إلا أن الاسم الشعبي (عنتر) هو أصل هذا الاسم، كما أن المصادر تؤكد أن أصل الاسم (العتر) والنون زائدة، ويعني الذبح، و(العنترة) السلوك في الشدائد. ونحن نميل إلى أن هذه الصفة قد غلبت على الاسم، وتداولتها المصادر، لكنها بقيت عند العامة الشعبيين على حالها، ومن الطريف أن هذا الاسم لم يتكرر كموروث ثقافي، لكنه أصبح كناية عن الشجاعة، وهذه الاختلافات في التسمية صنعت من عنترة أسطورة، أو مجموعة من الأساطير عند كثير من الرواة، تمثلت في الثلاثية التي تمتع بها (الفروسية والشعر العفيف والخلق السمح)، كما صنع الرواة أسطورته من لونه الأسود تعاطفاً حيناً، وانتقاماً من اللون الأسود كدليل على الشؤم والويلات حيناً، وانتقاماً من اللون الأبيض في أساطير اليونان القديمة. ولم يقف شعر عنترة العبسي منفرداً في ميدان الشعر العربي المكرس - في غالبه - للشجاعة والكرم، والنخوة، والحب العفيف، إلا أن اختراقه لغير المألوف جعل منه أسطورة قد تصدق وقد تنفى في الدراسات العربية التي قام بها بعض المستشرقين، عندما يعاملون النص الشعري بالمنطق العلمي من منظور غربي، وأيدها بعض الباحثين العرب، مثل: طه حسين في كتابه (الشعر الجاهلي)، ولا نود أن نسير على هذا الطريق المطروق الذي انتهى منذ زمن بعيد؛ فندخل في دهاليز الشكوك في كل الشعراء، بين الحقيقة والأسطورة، خاصة إذا أخذنا معنى الأسطورة على أنها كذب من منظور الثقافة العربية التي وردت على نسق معارضة الدعوة الإسلامية في بداية دعوة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - لكننا في هذا البحث نناقش قضية الرواة الذين أحاطوا عنترة بخوارق العادة، مع أن عنترة نفسه يحكم العقل في معنى الشجاعة ولا يجد للمغامرة من سبيل، فيقول: (أنا لست أشجع العرب)؛ يعني بهذا القول مفهوم المغامرة، لكن يعقب على ذلك بقوله: (أقدم إذا رأيت الإقدام عزماً، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزماً، ولا أدخل إلا موضعاً أرى لي منه مخرجاً، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة التي يطير لها قلب الشجاع فأنثني عليه فأقتله).

وهذا منتهى التكتيك الحربي، ولكن مَن يعي هذه الحقيقة إلا مَن يتصرف بعقل؛ فأين ذلك مما نسب إلى عنترة في غزوه للعصافير (النوق البيض) كمهر لعبلة ابنة عمه؟!

د. سلطان بن سعد القحطاني