مطلب مَرَاتِبُ الْعِلْم ثلاث
وَلَهُ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ: الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى (عِلْمُ الْيَقِينِ) وَهُوَ انْكِشَافُ الْمَعْلُومِ لِلْقَلْبِ بِحَيْثُ يُشَاهِدُهُ وَلَا يَشُكُّ فِيهِ كَانْكِشَافِ الْمَرْئِيِّ لِلْبَصَرِ .
ثُمَّ يَلِيهَا الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَرْتَبَةُ (عَيْنِ الْيَقِينِ) وَنِسْبَتُهَا إلَى الْعَيْنِ كَنِسْبَةِ الْأُولَى لِلْقَلْبِ، ثُمَّ تَلِيهَا الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ، وَهِيَ (حَقُّ الْيَقِينِ) وَهِيَ مُبَاشَرَةُ الْمَعْلُومِ وَإِدْرَاكُهُ الْإِدْرَاكَ التَّامَّ . فَالْأُولَى كَعِلْمِكَ أَنَّ فِي هَذَا الْوَادِي مَاءٌ، وَالثَّانِيَةُ كَرُؤْيَتِهِ، وَالثَّالِثَةُ كَالشُّرْبِ مِنْهُ . وَمِنْ هَذَا قَوْلُ حَارِثَةَ " أَصْبَحَتْ مُؤْمِنًا حَقًّا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ لِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً فَمَا حَقِيقَةُ إيمَانِك؟ قَالَ عَزَفَتْ نَفْسِي عَنْ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا فَأَسْهَرْت لَيْلِي وَأَظْمَأْت نَهَارِي وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَإِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَعَاوَوْنَ فِيهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَرَفْت فَالْزَمْ عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّهُ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ " ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي اسْتِنْشَاقِ نَسِيمِ الْأُنْسِ وَقَالَ ضَعِيفٌ، وَالْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي مِفْتَاحِ دَارِ السَّعَادَةِ مُحْتَجًّا بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . (وَ) فِي حِفْظِ آدَابِ (الدِّينِ) وَالتَّخَلُّقِ بِهَا (رَغْبَةٌ) أَيْ إرَادَةٌ وَطَلَبٌ يُقَالُ رَغِبَ فِيهِ كَسَمِعَ رَغْبًا وَيُضَمُّ وَرَغْبَةً أَرَادَهُ كَارْتَغَبَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَرَغِبَ عَنْهُ لَمْ يُرِدْهُ، وَرَغِبَ إلَيْهِ ابْتَهَلَ إلَيْهِ أَوْ هُوَ الضَّرَاعَةُ وَالْمَسْأَلَةُ . وَالدِّينُ لُغَةً الْجَزَاءُ وَمِنْهُ قَوْلُ الْحَمَاسَةِ: وَلَمْ يَبْقَ سِوَى الْعُدْوَانِ دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا وَالِانْقِيَادُ وَالْخُضُوعُ وَالْحِسَابُ وَالْعَادَةُ وَالْعَمَلُ وَالْحُكْمُ وَالْحَالُ وَالْخُلُقُ وَالطَّاعَةُ وَالْقَهْرُ وَالْمِلَّةُ وَالشَّرِيعَةُ وَالْوَرَعُ وَالسِّيَاسَةُ وَشَوَاهِدُ ذَلِكَ يَطُولُ ذِكْرُهَا، وَفِي الْعُرْفِ وَضْعٌ إلَهِيٌّ سَائِقٌ لِذَوِي الْعُقُولِ الْمَحْمُودَةِ بِاخْتِيَارِهَا إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهَا بِالذَّاتِ مِنْ أَمْرَيْ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَذَلِكَ الْوَضْعُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ طَرِيقًا مُوَصِّلًا إلَى النَّجَاةِ يُسَمَّى شَرِيعَةً، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الطَّرِيقَةُ لِلْمَاءِ . وَبِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُجْتَمَعًا عَلَيْهِ يُسَمَّى مِلَّةً، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الْجَمَاعَةُ، وَبِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُنْقَادًا إلَيْهِ يُسَمَّى دِينًا (لِيَصْغَ) اللَّامُ لِلْأَمْرِ، وَيَصْغَ فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَجْزُومٌ بِحَذْفِ حَرْفِ الْعِلَّةِ، يُقَالُ أَصْغَى اسْتَمَعَ، وَإِلَيْهِ مَالَ بِسَمْعِهِ، وَأَصْغَى الْإِنَاءَ أَمَالَهُ، وَصَغَى يَصْغُو وَيُصْغِي صَغْوًا، وَصَغَى يُصْغِي صَغًا وَصَغْيًا مَالَ أَوْ مَالَ حَنَكُهُ (بِقَلْبٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيَصْغَى، وَالْقَلْبُ الشَّكْلُ الصَّنَوْبَرِيُّ فِي الْجَوْفِ، وَالْمُرَادُ الْعَقْلُ وَاللُّبُّ، مِنْ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِّ . وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ مَمْلُوءَةٌ مِنْ ذَلِكَ (حَاضِرٍ) مُتَيَقِّظِ غَيْرِ غَائِبٍ، فَإِنَّ مَنْ أَلْقَى سَمْعَهُ وَغَابَ قَلْبُهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا يُلْقَى إلَيْهِ مِنْ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ . وَمِنْ ثَمَّ قَالَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رضي الله عنه لِكُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ: " يَا كُمَيْلُ، الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا لِلْخَيْرِ " انْتَهَى . فَإِذَا كَانَ الْقَلْبُ حَاضِرًا وَعَى مَا يُلْقَى إلَيْهِ . وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه فِي الْمَثَلِ الَّذِي ضَرَبَتْهُ الْمَلَائِكَةُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِأُمَّتِهِ . وَقَوْلِ الْمَلَكِ لَهُ اسْمَعْ سَمِعَتْ أُذُنُكَ وَوَعَى قَلْبُك . وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْعَقْلُ عَقْلًا لِعَقْلِهِ مَا يُلْقَى إلَيْهِ، وَمِنْهُ عَقَلَ الْبَعِيرَ وَالدَّابَّةَ، وَلِأَنَّهُ يَعْقِلُهُ عَنْ اتِّبَاعِ الْغَيِّ وَالْهَلَاكِ، وَلِذَا سُمِّيَ حِجْرًا أَيْضًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ كَمَا يَمْنَعُ الْحِجْرُ مَا حَوَاهُ . فَعَقْلُ الشَّيْءِ أَخَصُّ مِنْ عِلْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ ; لِأَنَّ صَاحِبَهُ يَعْقِلُ مَا عَلِمَهُ فَلَا يَدَعُهُ يَذْهَبُ . وَلِلْإِدْرَاكِ مَرَاتِبُ بَعْضُهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ، فَأَوَّلُهَا الشُّعُورُ فَالْفَهْمُ فَالْمَعْرِفَةُ فَالْعِلْمُ ثُمَّ الْعَقْلُ . (مُتَرَصِّدِ) أَيْ مُتَرَقِّبٍ حَافِظٍ . قَالَ فِي الْقَامُوسِ: رَصَدَهُ رَصْدًا وَرَصَدًا رَقَبَهُ كَتَرَصَّدَهُ، فَإِذَا كَانَ الْقَلْبُ حَاضِرًا مُتَرَقِّبًا مَا يُلْقَى إلَيْهِ مُتَهَيِّئًا مُسْتَعِدًّا كَانَ أَقْرَبَ لِانْتِفَاعِهِ وَضَبْطِهِ لِمَا يُبْدِيهِ إلَيْهِ الشَّيْخُ، بِخِلَافِ شَارِدِ الْقَلْبِ ذَاهِلِ اللُّبِّ فَلَا عِنْدَهُ اسْتِعْدَادَ، لِأَنَّهُ فِي وَادٍ وَقَلْبُهُ فِي وَادٍ . |
جزاك الله خيراً
|
جزاك الله كل خير |
جــــــــــــــزاااااااااااك الله خــــــــــير
|
السلام عليكم
وجزاك الله خير الجزاء ع الموضوع القيّـم والمفيــد جعله في موازين حسناتكم ننتظر جديدكم الجزل المفيــــد |
جزاك الله خيراً
|
شكرآ لك والله يعطيك العافيه
والى الامام ان شاء الله تحياتي لك |
جزاك الله خيراً
|
الساعة الآن +4: 09:38 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.